عنوان يحمل تناقضا، فالمشاركة نقيض المقاطعة، فكيف لهما أن تكونا وجهين لعملة واحدة؟ وكيف لهما أن تكونا موقفين صحيحين في الوقت نفسه؟ المقاطعة والمشاركة شعار مرتبط بالانتخابات التي جرت بعد التعديلات الدستورية التي جاءت غير متوافق عليها وطنيا، ومخالفة لما تم الاتفاق عليه عند التصويت على ميثاق العمل الوطني وعلى غفلة. أقول ان المشاركة والمقاطعة وجهان لعملة واحدة، وان الموقفين صحيحان، ولكن السؤال: كيف يمكن لموقفين متناقضين أن يكونا صحيحين في الوقت نفسه؟ بداية أقول وبكل وضوح إن ما يعنيني من المشاركين ليس الطارئين على العمل الوطني والسياسي، والذين لم نجدهم أبدا طوال فترات نضال شعبنا ممن ناضلوا وضحوا من أجل مطالب الشعب المحقة، فهم إما كانوا من الساكتين على الفساد والظلم، وربما من المطبلين، وممن تعودوا إصدار بيانات الإدانة لنضالات الشعب، أو أن بعضهم اكتفى بالعمل الدعوي وإطالة اللحى وتقصير الأثواب. ما يعنيني من المشاركين بالدرجة الأولى هو المنبر الديمقراطي التقدمي الذي هو امتداد لجبهة التحرير الوطني البحرانية، الجبهة المناضلة التي احتفلت حديثا باليوبيل الذهبي على انطلاقتها، والتي قدمت المناضلين الذين امتلأت بهم سجون هندرسون وقدمت الشهداء والمشردين، إذ ان موقف المنبر الديمقراطي من المشاركة موقف نضالي يحمل في طياته تضحيات، وبالتالي لابد أنه كان يرى المشاركة موقفا نضاليا له أسبابه، ومن حقه أن تكون له رؤيته الوطنية في ذلك. حسبما أتذكر وأتمنى أن يكون تذكري صحيحا، إذ إنه في إحدى الندوات التي شارك فيها رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي السابق عبدالرحمن النعيمي أخاه رئيس المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن أثناء التحضير للمؤتمر الدستوري الأول، أتذكر قول مدن ان للمقاطعة أسبابها الوجيهة التي يحترمها ويقدرها، وللمشاركة أسبابها الوجيهة. وكما هو موقف المنبر الديمقراطي التقدمي، ينطبق القول على موقف الجمعيات التي قاطعت الانتخابات لأسباب وجيهة، هو موقف نضالي، وهو استمرار لنضال هذه الجمعيات، فغني عن القول ان جمعية العمل الوطني الديمقراطي هي استمرار لنضالات الجبهة الشعبية "وإن كان البعض يرى غير ذلك" التي قدمت كذلك المناضلين الذين امتلأت بهم سجون هندرسون وقدمت الشهداء والمشردين، ومثلها جمعية الوفاق الوطني الاسلامية. لذلك فإن موقف المقاطعة النضالي له أسبابه الوجيهة والموجبة، ومن حق من تبنى هذا الموقف أن تكون له رؤيته الوطنية في ذلك. لذلك أرى الرأي الذي يراه حسن مدن، من أن لكل أسبابه الوجيهة والمبررة، لذلك أقول ان الموقفين هما وجهان لعملة واحدة، وان الموقفين صحيحان، وكل طرف يرى تغليب أحد الموقفين وفقا للأسباب التي يراها. الآن ونحن على أبواب انتخابات 2006 والسلطة مصرة على الاستمرار في نهجها ورفضها إيجاد توافق شعبي لحل الإشكالية الدستورية، بل هي مصرة على إصدار حزمة من القوانين المقيدة والمكبلة، وفي مقدمتها قانون الجمعيات وإخوته من القوانين الأخرى التي ستصدر لاحقا. وخلال السنوات الثلاث الماضية والفترة الحالية وربما المستقبلية، هناك حملة شعواء ضد الجمعيات المقاطعة، وأقل ما يقال عنها انها تعيش أزمة بسبب مقاطعتها، وانها أصبحت خارج دائرة الفعل. المعارضة الحقيقية سواء من شارك منها أو قاطع، وكذلك السلطة، الجميع يعيش أزمة، لأن الأزمة هي أزمة وطن، فليست المقاطعة هي التي تعيش الأزمة منفردة وبسبب مقاطعتها كما يحلو للبعض أن يقول، ولا هي بعيدة عن الفعل بينما القوى المشاركة هي في صلب الفعل، فالأزمة هي أزمة وطن وسببها بالدرجة الأولى هو السلطة، لأنها تريد أن تكون اللاعب الأوحد في الساحة، أما قوى المجتمع الأخرى فتريد لها السلطة أن تكون كومبارسا ترقص وتغني. السلطة لا تريد حياة نيابية سليمة بعيدة عن معظم التشوهات، لا تريد سلطة نيابية منتخبة وممثلة حقيقية للناس تشرع باسمهم وتحاسب السلطة التنفيذية على أعمالها، وخصوصا أنها سلطة تعودت على ألا يحاسبها أحد. تريد سلطة تشريعية تسن لها قوانين على مقاسها وحسب هواها، مثلما صنع الدستور وفقا للمقاس الذي أرادته السلطة. الآن ونحن على أبواب الانتخابات المقبلة، وبعد أن صدر قانون الجمعيات السياسية، وبعد أن أفرز هذا القانون رؤى مختلفة لدى الجمعيات ولدى الكثير من الناشطين سياسيا، وأدى ذلك إلى بروز خلافات مشروعة، لم نكن نتمنى أن تصل إلى انشقاقات قد لا تحمد عقباها، وبعد أن صار لزاما على هذه الجمعيات أن تسجل تحت مظلة هذا القانون، هناك سؤال مشروع ويجب على من اتخذ موقف المقاطعة وكانت له أسبابه الوجيهة أن يجيب عليه وألا يتلكأ في الرد: ما هو الموقف من الانتخابات المقبلة والسلطة مصرة على موقفها ولا تقبل حوارا جادا وصادقا، وحزب السلطة يريد أن يفرض رؤيته؟ ربما نسمع من هنا وهناك وبصيغة الشماتة الجاهلة من يقول ان من قاطع رجع وعاد وشارك من دون أن تتحق أية مطالبات مرتبطة بأسباب المقاطعة، وأن المشاركة الآن هي اعتراف بخطأ المقاطعة. الأمر ليس كذلك، والمقاطعة كانت موقفا سياسيا صائبا وصحيحا وكان لها أسبابها الوجيهة والموجبة، لكن يبقى الأمر أن السلطة تعاند وتكابر وترفض. ربما هناك من يقول ان المشاركة تعني الإقرار بأن دستور 2002 هو دستور محل اتفاق، لا نرى في العمل السياسي مثل هذا الأمر، هناك من الجمعيات السياسية من اشترك ويرى أن هناك اشكالية دستورية نتجت عن التعديلات الدستورية التي تمت في كثير من بنودها بخلاف ما هو متفق عليه في ميثاق العمل الوطني، وهي قد لا تختلف كثيرا في هذه المسألة مع الجمعيات التي قاطعت وكانت لها رؤيتها في دستور .2002 نعتقد أن الجمعيات المقاطعة قد أدت دورا مهما بمقاطعتها وأثبتت حجم الرفض الشعبي للتعديلات الدستورية التي تمت، وهي مازالت قادرة على أداء هذا الدور حتى لو شاركت في انتخابات ،2006 وليس هناك تناقضا بين المشاركة والاستمرار في المطالبة والنضال أجل إجراء تعديلات دستورية تكون محل اتفاق وتوافق، والطريق طويل وشاق. وإذا ما أردنا للمشروع الإصلاحي أن يخطو للإمام لابد من حل للإشكالية الدستورية. يجب أن نكون على وعي ودراية تامة بأن المشاركة إذا ما تمت لن تعطينا حلولا سحرية وأنه من الممكن بالمشاركة تحقيق طموحات شعبنا بالحصول على دستور محل توافق واتفاق شعبي، وأن عجلة الفساد ستتوقف نهائيا، وأن قوانين حديثة وعصرية ومنصفة ستصدر عن السلطة التشريعية، فالقيود شديدة وستبقى السلطة هي اللاعب الأكبر، والطريق طويل وشاق، ويجب أن لانكون واهمين. إنها دعوة للاستعداد من دون تلكؤ
العدد 1119 - الأربعاء 28 سبتمبر 2005م الموافق 24 شعبان 1426هـ