تعتبر الكنس اليهودية في مستوطنات قطاع غزة والتي أخلتها قوات الاحتلال الأسبوع الماضي، جزءا من نتائج الاحتلال الحربي الإسرائيلي، وكان على القوات المحتلة إزالتها أسوة بباقي المباني التي دمرتها. وتابعت مراكز حقوق الإنسان التي تنشط في غزة باهتمام شديد مسألة هدم الكنس اليهودية في المستوطنات بقطاع غزة، والتي أثارتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة إخلاء المستوطنات المقامة على أراضي القطاع، وإعادة انتشار قواتها خارجه، وذلك بعد أن قامت القوات المحتلة بهدم وتدمير المباني والمنشآت التي كانت قائمة فيها. وواصلت هذه المراكز اهتمامها بالموقف الرسمي لحكومة سلطات الاحتلال، والذي تطور من دعم هدم تلك المباني التي استخدمت ككنس للعبادة، إلى رفض هدمها واعتبارها مسألة دينية لا يجب المساس بها من حيث قدسيتها، ومطالبة المجتمع الدولي بضمان حمايتها والحفاظ عليها. وراقبت المراكز ردود الفعل التي تناولت هذه القضية، خصوصا موقف الكثير من المؤسسات الدينية اليهودية التي حولتها إلى قضية رأي عام في داخل المجتمع الإسرائيلي وعلى الصعيد الدولي، ونجاح تلك المؤسسات في تغيير موقف حكومة سلطات الاحتلال بوقف هدم تلك الكنس والمطالبة بضمانات دولية لحمايتها. وأجرت مراكز حقوق الإنسان نقاشات معمقة بشأن التطورات المتعلقة بتلك القضية، بدءا من اللحظات الأولى لإثارتها، ومرورا برصد جميع التطورات التي واكبت تلك المسألة وجرت تلك النقاشات على أساس تقييمها من حيث علاقتها بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي تحكم أجندة المركز ونشاطاته المختلفة. وخلصت المراكز إلى أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيه المستوطنات، والمواقع الاستيطانية وما بها من المباني والمنشآت والمرافق العامة كالمدارس ورياض الأطفال والمباني الدينية، والبنية التحتية الاستيطانية، تعتبر جريمة حرب وفقا لقواعد القانون الدولي. وتمنع المادة 49 من اتفاق جنيف الرابع، للعام ،1949 دولة الاحتلال من القيام بعملية ترحيل أو نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة وتعتبر المادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقات جنيف، عملية نقل جزء من سكان دولة الاحتلال إلى المناطق التي تحتلها بمثابة جريمة حرب. وعليه فإن كل ما يتعلق بالمستوطنات التي كانت مقامة على أملاك الفلسطينيين في القطاع، هو جزء من عناصر جريمة الحرب التي نفذت طيلة سنوات الاحتلال الماضية، والتخلص من آثار هذه الجريمة يقتضي التخلص من جميع مخلفاتها وآثارها. وإذ إنه جرى فعليا هدم وتدمير جميع المباني والمنشآت على أيدي القوات المحتلة، فإن هدم ما تبقى من مباني أو منازل كانت استخدمت ككنس للعبادة من قبل المستوطنين الإسرائيليين هو أمر طبيعي، وكان ينبغي على السلطات المحتلة أن تعمل على إزالتها وهدمها. واستغربت المراكز الحقوقية ما آلت إليه الأمور في قضية الكنس اليهودية عندما قررت حكومة سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي الإبقاء على مبانيها البالية، واعتبارها أماكن دينية يجب ابقاؤها، بل وضمان قيام السلطة الفلسطينية بحمايتها، خصوصا بعد أن قامت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بإخلائها من جميع مكوناتها ومحتوياتها الدينية، بل وتم انتزاع شبابيكها وأبوابها، وصارت مباني بالية لا تمثل سوى جدران وأسقف، وأصبحت لا تصلح لأي استخدام. واستهجنت المراكز التغيير المفاجئ الذي طرأ على موقف حكومة الاحتلال التي دعمت إصدار قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بهدم تلك المباني، باعتبارها صارت لا تحمل أي طابع أو معنى ديني، والتي نظرت في استئناف من الحاخامية اليهودية لمنع هدم تلك المباني. وكان رئيس الحكومة العبرية آرييل شارون افتتح جلسة حكومته الأسبوعية بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول قائلا: "سيناقش الوزراء انسحاب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من محور فيلادلفي، والمسألة المتعلقة بالمنازل التي كانت تستخدم ككنس في غوش قطيف". والأمر الذي يبعث على الريبة هو التغير المفاجئ الذي طرأ على موقف وزير الدفاع شاؤول موفاز، والذي دعم هدم تلك الكنس خلال جلسة المحكمة العليا الإسرائيلية، ثم عارض هدمها في جلسة حكومة سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ووصل الأمر إلى تعرضه لانتقادات شديدة من قبل نظرائه الوزراء في جلسة الحكومة إذ وجه، نائب رئيس الوزراء أيهود أولمرت، انتقادا لاذعا لموفاز قائلا له: " هذا شكل مخزي من النفاق ولو سمعنا هذا الجدل عن ترك الكنس قبل عام ونصف العام لم يكن ليصوت أي وزير على هدمها، ولكنك جادلت وقلت إن من الضروري هدمها". كما انتقد الوزير بينس وزير الدفاع قائلا له: "لقد كان من الأفضل أن تغير رأيك دقيقة واحدة قبل قرار المحكمة العليا وليس دقيقة واحدة بعدها". وفي السياق نفسه احتج الوزير حاييم رامون على موقف موفاز، وخاطبه قائلا: "هذا ليس نقاشا أو جدلا بشأن الشريعة اليهودية وإنما هو معركة بين السياسيين". وتطور الأمر عندما هاجم، المستشار القضائي لحكومة الاحتلال الحربي الإسرائيلي ميني مزوز، الوزراء في الحكومة واتهمهم بمس مكانة المحكمة العليا الإسرائيلية وإهانتها وأن تغير موقف الوزراء خلال أسبوعين يعني سحب الثقة من الجهاز القضائي الإسرائيلي. ونتيجة لكل ذلك من المستغرب توجه حكومة سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، والتي خضعت لرأي الحاخامية اليهودية، للقيام بحملة ضغط على الصعيد الإقليمي والدولي لضمان بقاء تلك المباني التي استخدمت ككنس في السابق، وحاولت أن ترمي مسئولية حمايتها على ظهر السلطة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها الجهة التي ستتولى الولاية الإقليمية على المناطق التي سيتم إخلاؤها في قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية. كما من المستهجن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وعبر وزير خارجيتها سيلفان شالوم مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بالحصول على ضمانات من السلطة الفلسطينية بعدم المساس بهذه الكنس. ألم تكن المحاولة العبرية مخططا إسرائيليا جديدا لجعل هذه الكنس كمسمار جحا في قطاع غزة يمكن لأحفادهم في المستقبل المطالبة بها وبزيارتها تحت حماية قد تكون دولية إن لم تكن محلية تحت ادعاء أنهم كانوا هنا في يوم من الأيام وأنهم يملكون هذه الأرض؟
العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ