السيد الرئيس،،، يسرني أن أقدم لكم تهنئتي لانتخابكم رئيسا للجمعية العامة في دورتها التاريخية الستين، واثقا من قدراتكم في إدارة مداولاتها صوب النجاح والإنجاز، وأعرب عن تقديري لإسهامات وزير خارجية الجابون في رئاسة الدورة السابقة، وأشيد بجهود الأمين العام السيد كوفي عنان الهادفة إلى إجراء تغييرات كبيرة في هذه المنظومة حتى تستجيب بكفاءة لمتطلبات القرن الحادي والعشرين كما بينها في توصياته وتقاريره المطروحة أمام هذه الدورة. السيد الرئيس،،، والسياق التاريخي الذي بزغ فيه نظامنا الدولي المعاصر ونشأت فيه آلياته ومؤسساته، ينتمي إلى عالم مختلف عن عالمنا اليوم، علم سبق الحرب الباردة، وما تلاها من أحداث وتطورات ومتغيرات إقليمية ودولية. ودورتنا هذا العام تمثل في جوهرها لحظة فارقة في مسيرة العمل الدولي الجماعي، تدفعنا اليوم لاستشراف رؤية أحدث، وصياغة أنماط أكثر تطورا في المؤسسات والأدوات بعد ان تبدلت مصادر الخطر وتنوعت أشكال التهديد، وتلاحقت مظاهر التغيير. في سياق عالم متغير في علاقاته وحقائقه وموازينه وأخطاره، أضحى من المحتم النظر مجددا في منظومة الأمن الدولي الجماعي بمراجعة الهياكل، والتدقيق في المفاهيم، وطرح المبادرات الخلاقة والتعاطي معها بروح العصر، وذلك ما أكد عليه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين في الخطاب الذي ألقاه نيابة عن جلالته صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين أمام الاجتماع العام رفيع المستوى للجمعية العامة في 15 سبتمبر الجاري. لعل هذه هي الضرورات الملحة التي حدت بالأمين العام لأن يبلور هذا كله في سلسلة من المبادرات والاجتماعات منذ مطلع الألفية الثالثة بإعلان الألفية وبأهدافها التنموية بتقريره بالغ الأهمية المطروح على هذه الدورة عن الحرية الأوسع، حيث استعرض بأسلوب شامل وعميق أسس وأساليب العمل في النظام الدولي الراهن والانطلاق منه نحو نظام أكثر حداثة وكفاءة وديمقراطية لتحقيق الحريات الثلاث الكبرى، التحرر من الفاقة، ومن الخوف، وحرية العيش في كرامة. هذه الرؤية الشاملة لقضايا الأمن الدولي والتنمية وحقوق الإنسان تستحق الإشادة وتستوجب البحث الدقيق المتأني وصولا إلى توافق دولي واسع. السيد الرئيس،،، التصاعد الخطير اليوم في ظاهر الإرهاب وثقافته المستمدة من التعصب والكراهية يمثل أفدح الاخطار التي تهدد المجتمع الدولي في كل مكان ، مما يحتم تطوير استراتيجية متكاملة تقتحم فكر الإرهاب وثقافة العنف التي يعتنقها، وتؤكد المسئولية المشتركة للدول وللمجتمع، وتتجه لعلاج الأسباب والجذور. كما أنه يتعين القول أن الاستراتيجية الفعالة ضد الإرهاب عليها أن توازن بين ضرورات الأمن الإنساني، والالتزام بمواثيق حقوق الإنسان، وان تسد الثغرات في نصوص الأحكام في الاتفاقيات التي تتناول ظاهرة الإرهاب. وفي هذا الإطار واصلت مملكة البحرين جهودها الوطنية والخليجية مع شقيقاتها دول مجلس التعاون في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جغرافيا، وعلى مستوى التعاون الأمني عمليا وسياسيا. وفي هذا الصدد، فإن مملكة البحرين تؤيد وتدعم اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، كما قامت مملكة البحرين بإيداع وثائق الانضمام إلى اتفاقيات عديدة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة بنيويورك تتعلق بمكافحة الإرهاب تنفيذا لقرار مجلس الأمن 1373 لعام .2001 السيد الرئيس،،، التحديات الأمنية الكبرى لا تقتصر في الشرق الأوسط على ظاهرة الإرهاب ومكافحة العنف، فلايزال غياب السلام الشامل والعادل على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي يمثل مصدرا مستمرا للمواجهة وزعزعة الاستقرار وإحباط الآمال المشروعة في حياة كريمة أو في تقدم اقتصادي إقليمي. وينبغي هنا ألا نغفل عن أن العام 2005 فتح دروبا قد تؤدي إلى انفراج باتجاه السلام في ظل تطورات إيجابية داخلية على ساحة العمل الفلسطيني والدعم العربي والدولي لقيادته الجديدة برئاسة الرئيس محمود عباس وتوجهاتها نحو المصالحة والتهدئة والديمقراطية. وحيث نرحب بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، فإننا نأمل أن يأتي هذا الانسحاب خطوة تجاه الحل العادل والشامل في المنطقة وأن يكون الانسحاب جزءا من خارطة الطريق. إن تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط يتطلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية المحتلة وتطبيق جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي أكدت عليها مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية التي عقدت في بيروت العام 2002 وأكدت عليها القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر هذا العام. إن السلام العادل والشامل لا يمكن أن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة العام 1967 بما في ذلك الجولان السوري وباقي الأراضي اللبنانية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. السيد الرئيس،،، برغم الخيار الديمقراطي للشعب العراقي في انتخابات مطلع هذا العام واختياره لحكومة انتقالية، وبرغم الشوط الهام الذي قطعته مسيرة العمل السياسية، وإعداد الدستور، فإن الوضع اليوم في العراق بالغ الدقة والحرج، ويمثل تحديا أمنيا داخليا وإقليميا لا ينال من أمن العراق وأمن المنطقة فحسب، بل ينال أيضا من وحدة العراق ومن سلامة أراضيه وتماسك كيانه وتوافق أبنائه. إن اجتياز هذا المأزق لن يتحقق إلا بتوافق وطني عراقي تاريخي، يؤمن بوحدة المواطنة، مثلما يؤمن بوحدة العراق، وبتعددية عناصره وشمولية العملية السياسية والمشاركة في صياغة مستقبل العراق. هذا التوافق الوطني العراقي وحده هو الضمان لعبور المحنة والانتقال من هذه المرحلة الصعبة إلى مرفأ الاستقرار والأمن والسلام. وفي هذا الصدد، فإن مملكة البحرين لتؤكد دعمها للشعب العراقي وتدعو إلى أن يتواصل التأييد والدعم الإقليمي والدولي للعراق حتى ينهض من عثراته وينهض بمسئولياته تجاه شعبه وأمته العربية. السيد الرئيس،،، على صعيد الأمن الإقليمي في منطقة الخليج، سوف تسهم التسوية السلمية المأمولة في حل النزاع المعلق منذ سنوات بين دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والجمهورية الإسلامية الإيرانية حول جزر الإمارات الثلاث، خاصة مع بداية عهد القيادة الإيرانية الجديدة، وفي ظل الصداقة وحسن الجوار، والرغبة في إزالة بؤر الخلاف في منطقة الخليج بأسلوب التفاوض أو التحكيم الدولي حتى تكرس المنطقة جهودها وتحشد مواردها لمواجهة تحديات التنمية والأمن والسلام والتعاون. السيد الرئيس،،، على درب التنمية والتطور، انتهجت مملكة البحرين سياسة الانفتاح والإصلاح وتوسيع أطر المشاركة وتعميق الديمقراطية والانطلاق في مضمار التحديث الاجتماعي والثقافي والمدني بما يتفق مع تراثنا الحضاري وثوابتنا وقيمنا. وفي إطار جهودها لتنفيذ أهداف الألفية الإنمائية، خطت مملكة البحرين خطوات متقدمة في مجال تمكين المرأة من القيام بدور فعال في بناء المجتمع حيث تمكنت من تبوء أعلى المناصب القيادية. كما تم تدشين الاستراتيجية الوطنية الجديدة للنهوض بالمرأة البحرينية. ومن هذا المنطلق فإن مملكة البحرين قد بادرت بالترشيح لرئاسة الجمعية العامة في دورتها الحادية والستين القادمة. واختارت لها شخصية قديرة تمثل المرأة البحرينية تجمع بين الخبرة والحكمة والدبلوماسية. تأمل مملكة البحرين في أن يحظى هذا الترشيح بتوافق دولي واسع من قبل الدول الأعضاء. وتأكيدا لمكانة مملكة البحرين الاقتصادية كمركز مالي ومصرفي إقليمي ودولي، وفي إطار جهودها في استقطاب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال وخلق مزيد من فرص العمل لأبنائها وتقوية دعائم اقتصادها الوطني يتم العمل حاليا في تنفيذ مشاريع اقتصادية واستثمارية كبيرة في البلاد سوف تساهم في تعزيز وتقوية مركز البحرين الاقتصادي والتجاري إقليميا وعالميا. السيد الرئيس،،، تواصلت الجهود والمبادرات عبر عقود طويلة لتحقيق نظام أمن جماعي يحرر البشرية من خطر الدمار والفناء بتحريم نشر الأسلحة النووية، لكن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لم تحقق أهدافها رغم انضمام الأغلبية الساحقة من دول العالم ومنها كافة الدول العربية إلى هذه المعاهدة. وفي هذا الصدد، فإننا نطالب بأن تبقى منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج خالية من الأسلحة النووية. السيد الرئيس،،، إننا نأمل في أن تتواصل الجهود المخلصة والحثيثة بين الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة من أجل الوصول إلى توافق حول عملية إصلاح المنظمة. ونتطلع أن يعكس الإطار الموسع المقترح لمجلس الأمن بالشكل الذي تتوافق عليه الدول، بصورة دقيقة وواقعية مصالح واهتمامات شعوبنا العربية بكل مقوماتها وتأثيرها العميق على الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني للعالم كله. إن توصيات الأمين العام في تقريره "في جو من الحرية أفسح" طرحت منظورا شاملا وطموحا ليس فقط لمجلس الأمن، الجهاز الرئيسي المنوط بالسلم والأمن الدوليين، بل لدعائم النظام الدولي كله. هذا، ونتطلع معكم في هذه الدورة إلى افتتاح مناقشات تاريخية حول إصلاح منظمة الأمم المتحدة بكل آلياتها ومفاهيمها ومناهج عملها. إن مملكة البحرين تؤيد مبادرة عملية الإصلاح وترى ضرورة الاستمرار في المفاوضات والمناقشات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للوصول إلى النتائج المرجوة. السيد الرئيس،،، عالم اليوم، عالم ما بعد الحرب الباردة، لم يبرأ بعد من ويلات الحروب، ولم تسلم شعوبه من مخالب الإرهاب والعنف. فما أحوجنا في عالم اليوم إلى منظمة أحدث وأقوى وأكثر حيوية ومصداقية، توفق وتوازن بين المصالح، تحسم الصراعات، تبني السلام والأمن، تقيم العدل وسيادة القانون، تلزم الجميع بأحكام الميثاق ومقررات الشرعية، تبعث الحياة في
العدد 1110 - الإثنين 19 سبتمبر 2005م الموافق 15 شعبان 1426هـ