العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ

أصدقاء العرب في ألمانيا يعيشون في خطر دائم

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

في صيف العام ،1982 وحين كانت طائرات الفانتوم الإسرائيلية تدك لبنان وتعتدي على شعبه وسيادته وقف سياسي ألماني شاب أمام منبر البرلمان الألماني في مدينة بون يوجه انتقادات مدوية ضد "إسرائيل" ورئيس حكومتها وقتذاك مناحيم بيجن ووزير الدفاع أرييل شارون. لم يسبق وأن انتقد سياسي ألماني "إسرائيل" بهذه الصورة الواضحة. السياسي الجريء كان يورجين موليمان وكان يشغل منصب وزير الدولة بوزارة الخارجية الألمانية، كما كان يرأس جمعية الصداقة العربية الألمانية. لكن موليمان كان وحيدا في موقفه الناقد للحرب التي شنتها "إسرائيل" على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بهدف إنهاء الوجود الفلسطيني في هذا البلد العربي الصغير. في العام 1979 تعرف موليمان الذي كان ينتمي إلى الحزب الليبرالي على القضية الفلسطينية بشخص رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات. ظل موليمان وفيا في موقفه المؤيد للقضية الفلسطينية وقضايا العرب حتى وفاته في العام 2003 في ظروف غامضة. كان موليمان يهوى رياضة القفز بالمظلة وقد بلغ عدد القفزات التي قام بها ،900 لكن الأخيرة أدت إلى وفاته. وفقا للتقرير الختامي للتحقيق لم يفلح موليمان في فتح المظلة الأساسية ولا الإضافية، لكن المقربين من السياسي الألماني الراحل يشكون في صحة مزاعم الشرطة. قبل وفاته بعدة أشهر صعدت "إسرائيل" واللوبي اليهودي في ألمانيا الهجوم على موليمان وبمساعدة المؤيدين في أجهزة الإعلام الألمانية. كما أن موليمان نفسه كشف في كتابه الأخير الذي نشر قبل وفاته بوقت قصير كيف أن رئيس الحزب الليبرالي جيدو فيسترفيلله فوجئ خلال زيارته "لإسرائيل" برجل يقترب منه ويهدده بكشف أسرار عن حياته الخاصة إذا لم يصر إلى طرد موليمان من الحزب ووقف نشاطاته مع العرب. ولما خرج الرجل الغامض من غرفة مجاورة لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون، سأل فيسترفيلله مستشارا في السفارة الألمانية كان برفقته عمن يكون هذا الرجل الصلف وكانت الإجابة: أنه الموساد. منذ ذلك الوقت، أصبح موليمان يعرف أن الموساد يتعقبه. برحيله فقد العرب الصديق الألماني الوفي الوحيد الذي لم يكن يخشى "إسرائيل" ولا غضب وسائل الإعلام الألمانية المتعاطفة معها، وخصوصا دار النشر أكسيل شبرنغر التي تصدر عنها صحيفة "بيلد" الشعبية الواسعة الانتشار التي تنشر العداء ضد العرب والإسلام. وصحيفة "دي فيلت" منبر الأقلام المسمومة. بلغ صراع موليمان مع خصومه في "إسرائيل" واللوبي اليهودي في ألمانيا أوجه حين وزع موليمان منشورا انتخابيا فيه صورة لشارون وصورة لنائب رئيس المجلس المركزي ليهود ألمانيا، ميشائيل فريدمان. كذلك لأن موليمان وقف إلى جانب النائب في برلمان ولاية شمال الراين جمال قارصلي، وستفاليا الذي استقال من حزب الخضر احتجاجا على تحيز زميله في الحزب وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر "لإسرائيل" وغضه النظر عن جرائم "إسرائيل" والتزام الصمت المطبق حيالها. وكان قارصلي قد أصدر بيانا قبل استقالته من حزب الخضر ندد فيه بجرائم الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة ووصف ممارساته بممارسات النظام النازي. أيد موليمان رغبة قارصلي الذي يرأس حاليا حزب "فاكت": "أي الحقيقة" وهو من أصل سوري بالانضمام للحزب الليبرالي لكن قيادة الحزب تعرضت إلى ضغط كبير من قبل "إسرائيل" أيضا ما اضطرها إلى مطالبة موليمان بالتخلي عن الحزب. اتهم مؤيدو "إسرائيل" موليمان وقارصلي بمعاداة السامية. في الذكرى الأولى لوفاة "مقتل" موليمان دعا قارصلي إلى إحياء ذكرى وفاة صديق العرب الراحل في المكان نفسه الذي فارق فيه الحياة. قال قارصلي: ما حصل قبل وفاة موليمان أوضح بما لا يقبل الشك أن العلاقات العربية الألمانية تتحرك في حقل مليء بالألغام، إذ قامت على قاعدة المصالح المشتركة. لكن حين يجري التطرق إلى الصراع العربي الإسرائيلي فإن ألمانيا مازالت ترزح تحت عبء الإرث التاريخي الذي جرته عليها الحقبة النازية. منذ أن غاب موليمان عن عالمنا غاب معه آخر صوت ألماني ناقد لجرائم "إسرائيل". شاء القدر أن يفتضح أمر نائب رئيس المجلس المركزي ليهود ألمانيا فريدمان بعد يومين على وفاة صديق العرب حين داهمت الشرطة الألمانية شقته في مدينة فرانكفورت وعثرت على كمية من الكوكايين ما كشف عن تعاطيه المخدرات منذ وقت، إضافة إلى تعاطي الدعارة مع فتيات روسيات دخلن ألمانيا بطرق غير مشروعة. علما أن فريدمان وهو مقدم برنامج مقابلات مع السياسيين وينتمي للاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض كان يلقن الألمان تعاليم الأخلاق والنزاهة. برحيل موليمان غاب آخر الصديق الحقيقي الوحيد للعرب في ألمانيا. لكن هذا ليس كافيا للوبي اليهودي الذي يلعب وراء الكواليس لعبة خسيسة بغرض حظر رفاق درب موليمان في جمعية الصداقة العربية الألمانية من الإدلاء بتصريحات تنتقد "إسرائيل". في الغضون تسلم رئاسة الجمعية وزير الاقتصاد في ولاية بافاريا أوتو فيزهوي وهو ينتمي إلى الاتحاد المسيحي البافاري الذي عين في منصبه في مايو/ أيار العام .2004 سعى فيزهوي منذ البداية إلى وقف التصريحات السياسية بحجة وقف الجدل في وسائل الإعلام المحلية حول الجمعية. هذا الموقف لا يجد قبولا عند كثيرين من أعضاء الجمعية وخصوصا الأمين العام رفيق درب موليمان وأحد مؤسسي الجمعية هارالد بوك الذي يشغل منصب الأمين العام منذ 39 سنة. أخذ فيزهوي على الأمين العام أخيرا لأن بوك كتب مقالا على الصفحات الإلكترونية للجمعية اتهم فيه الغرب بالسكوت على ممارسات "إسرائيل" وسياسة الاستيطان، كما سمح بنشر مقال ناقد لموقف وزير الخارجية الألماني فيشر تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. أبلغ فيزهوي صحيفة "زود دويتشه" الصادرة في مدينة ميونيخ أنه يعارض ما يقوم به الأمين العام وأنه ينبغي أن تركز الجمعية على العلاقات الثقافية والاقتصادية بين ألمانيا والدول العربية. لكن بوك لا يأخذ بهذا الرأي، وخصوصا أن العلاقات العربية الألمانية تحتاج أيضا للحوار السياسي وهو الذي يقود إلى بحث النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يرتبط بتاريخ ألمانيا، على رغم أن الكثير من المسئولين الألمان لا يقرون بهذه الحقيقة التاريخية. إذ إن اضطهاد اليهود في أوروبا كان وراء هجرتهم إلى فلسطين واغتصابها. وكتب بوك في مقاله يقول إن الفلسطينيين بالذات يشعرون بخيبة أمل من وزير الخارجية الألماني، ليس فقط لأنه يلتزم الصمت حيال جرائم "إسرائيل"، بل أعرب عن تفهمه للحاجة الأمنية من وجهة نظر "إسرائيل" لبناء السور الفاصل، على رغم أنه يذكر بسور برلين الذي كان قائما قبل استعادة ألمانيا وحدتها في العام .1990 وانتقد بوك في تصريح لصحيفة "زود دويتشه" جرائم القتل المركزة التي تقوم بها "إسرائيل" ضد كوادر فلسطينية في المدن الفلسطينية لمجرد أنها تشك بأنهم يهددون أمنها، وقال إن هذه ممارسات غير مشروعة ينبغي إدانتها ومحاسبة الحكومة الإسرائيلية بسببها. لا يقل بوك جرأة عن موليمان، لهذا حاول بعض أعضاء الجمعية الألمان وقفه وصمد أمامهم. استقال أكثر من عضو بسبب تمسك بوك بأن يكون لجمعية الصداقة العربية الألمانية رأي عن ما يجري في العالم العربي من بينهم عضو البرلمان كريستوف موزباور من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم الذي فشل في إسكات الأمين العام. إضافة إلى انتقاده الغرب بسبب استمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فإن حرب العراق بالنسبة للأمين العام جلبت كارثة على هذا البلد بحسب رأيه. قبل أسبوعين أقامت الجمعية الحفل السنوي الصيفي في مدينة فورزبورغ البافارية، لكن لم تجر انتخابات جديدة لأن بوك وفيزهوي باقيان في منصبيهما للأعوام الثلاثة المقبلة. قال بوك إنه لا يفكر في التخلي عن منصبه الفخري، بل أصبح بعد تقاعده يملك الكثير من الوقت للإشراف على نشاطات الجمعية.

العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً