يمكن الافتراض أن بطء التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، لم يكن نتيجة لبطء آليات القرار في دمشق بقدر ما كان يعكس محاولة الأخيرة التوصل مع رئيس اللجنة الدولية ديتليف ميليس إلى نوع من التفاهم على شروط معينة لهذا التعاون. وهذا مؤشر على أن مهمة ميليس في سورية ليست سهلة. الرئيس السوري بشار الأسد - في المقابلة الأخيرة التي أجرتها معه مجلة "درشبيغل" الألمانية - كان واضحا ومنطقيا في تحليله لكثير من الأمور المتعلقة بالضغوط الدولية غير المسبوقة التي ترزح تحتها بلاده، فهو الذي قال لنظيره المصري حسني مبارك الذي قدم في زيارة غير رسمية لدمشق، من أنه لو كانت التنازلات تجدي نفعا لما كان النظام المصري يتعرض للضغوط. هذا يعني أن الأسد مدرك تماما أن الضغوط التي تحاصر بلاده لا يخلصه منها تقديم التنازلات. وبالعودة إلى المحقق ميليس الذي كما أسلفنا أن مهمته لن تكون سهلة لاعتبارات كثيرة أولها أنه يجب أن يعرف أن الأسد مازال مقتنعا بنصيحته لمبارك، بمعنى أنه يجب أن يبعد أولا وأخيرا عن "استثمار" أميركا لنتائج تحقيق الحريري، والتي تصبو من ورائها إلى إرغام سورية على رفع "الراية البيضاء". كما عليه أن يدرك أن للحقيقة في سورية وجها واحدا فقط. لذلك ما عليك يا ميليس قبل العودة لسورية نهاية الأسبوع المقبل، إلا أن تترك "زوادك" من المعلومات المتلاطمة والمتباينة في مكانها، وما عليك إلا أن تبتسم، فما ستراه في دمشق أنت مجبر على الاقتناع به وتأييده، وبعد خروجك من الحدود إعرف كيف ستجري الأمور ولصالح "أية حقيقة" ستميل، الأميركية منها أو "المهنية المحايدة"، هذا إن كنت أنت صاحب القرار فعلا
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ