تراوحت آراء أعضاء جمعية العمل الوطني الديمقراطي، بين ثلاثة خيارات بشأن قانون الجمعيات السياسية، طرحتها ثلاثة لوبيات داخل الجمعية، الأول يدعو إلى تشكيل حزب سياسي، والثاني يدعو إلى التسجيل وتحدي سلبيات وقيود القانون، والخيار الثالث عبر عنه بـ "الطريق الثالث" وهو الذي دعا متبنوه إلى التسجيل وتشكيل هيئة وطنية عليا دستورية على غرار هيئة الاتحاد الوطني. جاء ذلك خلال اللقاء التشاوري الذي نظمته الجمعية في مقرها مساء أمس لأعضائها. وطرح اللوبي الداعي إلى رفض القانون وإعلان حزب سياسي، من خلال ممثله عضو الجمعية أحمد مكي في ورقته: "يأتي رفضنا قانون الجمعيات السياسية لوجود غالبية ساحقة من المواد المقيدة لحرية العمل السياسي".
لماذا نرفض القانون؟
واضاف مكي "أن التسجيل في القانون تحت أي مسمى يعد اعترافا واضحا وصريحا بدستور 2002 من الناحية القانونية إذ تنص المادة "23" على الاعتراف بدستور المملكة. ولا يمكن أن نفسر هذه المادة بأن الدستور المقصود هو "73"، كما يريد البعض أن يتصور، وتؤكد ذلك الإشارة الواضحة إلى دستور "المملكة"، ويعد الحديث عن هذه المادة من الناحية السياسية حديثا غير دقيق بل وضعيفا لكون الحكم قادرا على مقاضاة الجمعيات السياسية بكل سهولة وضمن إطار قانوني خال من أي نوع من الوصاية الرسمية على الجهاز القضائي، بالإضافة إلى أن عدم التركيز على هذه المادة يعد محاولة من قبل النظام لكسب الجولة المتعلقة بحسم قرار المشاركة في الانتخابات المقبلة بالدخول في هذا القانون المقيد أي ضرب عصفورين بحجر واحد. إن التسجيل في القانون الجديد يعطي الحكومة الفرصة بإشغال بل بتجميد الجمعيات عن العمل السياسي الحقيقي، إذ من المتوقع أن يتغاضى الحكم في بداية تسجيل الجمعيات السياسية تحت مظلة القانون عن بعض التجاوزات أو التحديات، إلا أنه سيأتي في وقت لاحق وحينما يريد أن يصعد باعتباره اللاعب الأول في الساحة السياسية، وذلك بإرادة المعارضة التي أخرجت نفسها من اللعبة السياسية واكتفت بالتكيف والتأقلم مع أطروحات الحكم وليس بالرفض والتحدي الحقيقي حتى أنها وصلت إلى مرحلة لم تعد فيها قادرة على قول كلمة "لا" للحكومة، ما سيؤدي إلى شل المعارضة عن الحركة عبر اللجوء إلى قاعات المحاكم والقضاء الذي يعد من أبرز نقاط قوة الحكومة".
تشكيل الأحزاب ليس مخالفة
وطرح مكي فكرة تشكيل حزب سياسي بقوله: "إن الأحزاب السياسية في واقع الأمر لا تحتاج إلى قوانين تنظم عملها المتعارف عليه دوليا وتكتفي الدول الديمقراطية بإنشاء دائرة تتسلم إخطارا، وتبقى مسألة محاسبة الأحزاب عن أي نوع من الممارسات للقضاء المستقل للنظر في الدعوى المقدمة على أي حزب سواء كانت الدعوى من الحكومة أو من الجهات الأخرى. إن عملية تحول الجمعيات السياسية إلى أحزاب علنية عملية خالية من أية مخالفة قانونية من ناحية التشريعات الدولية التي وقعتها حكومة البحرين. كما أننا نلفت الانتباه ونركز على أن عملية الدخول والتسجيل في القانون تحت أي مسمى تعد تمهيدا واضحا وصريحا لحسم عملية المشاركة في الانتخابات المقبلة، وهي الحقيقة التي يحاول البعض إخفاءها عن الناس".
سنحول الكرة إلى ملعبهم
واختتم مكي طرحه بالقول: "إن عملية رفض الجمعيات للقانون يحول الكرة من ملعب المعارضة إلى الحكومة إذ سيكون مشروعها الإصلاحي بين يديها تتصرف فيه كما تشاء فإن أرادت للمشروع البقاء فعليها تغيير أسلوبها في التعامل مع الحركات السياسية، وإن شاءت إنهاء المشروع والتخلي عنه فالأمر متروك لها لتبقى الجمعيات السياسية محافظة على قواعدها الشعبية التي بدأت تتذمر من عملية التراجع الكبير في خط سير المعارضة المتذبذب وغير المتزن على عكس الخطاب الحكومي الذي يزيد من تصلبه يوما بعد يوم. لذلك، فإننا نطالب بالتعامل مع القانون بصورة واضحة وجلية والتصدي لأي نوع من أنواع التضييق على الجمعيات السياسية وأن نفوت الفرصة كما حدث في مؤتمر الجمعية السابق اذ كانت الفرصة متاحة والأجواء مواتية للتحول إلى حزب سياسي علني. كما نطالب قياداتنا السياسية بالعودة إلى العمل الجبهوي على غرار هيئة الاتحاد الوطني لقيادة عملية المطالبة بالحقوق وتصحيح مسار المشروع الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك، إذ نقترح أن تضم هذه الهيئة في عضويتها ممثلين عن الأحزاب السياسية والقيادات الشعبية والدينية، في عملية إحياء لمشروع الجمعية الذي كان مطروحا في المؤتمر الدستوري الثاني ولكن لظروف نعرفها جميعا لم نستطع تحقيقه".
جناحي: التسجيل وخلق الفعل
ومن جهته قدم عضو مجلس إدارة الجمعية عبد الله جناحي، ورقة داعمة لخيار التسجيل والتحدي، أشار فيها إلى "أن أي تنظيم يسجل نفسه تحت قانون الجمعيات السياسية، كجمعية سياسية حزبية بنظامها الأساسي الحزبي وأهدافها الوطنية والديمقراطية، فإن ذلك يعني استمرار العمل السياسي ضمن القانون وليس خارجه، وأن خلق الفعل يعني: أن يقوم التنظيم بفضح القانون ومواده الماسة بالحقوق والحريات الأصيلة، وبفضح المواد الماسة بحق التنظيم السياسي واستقلاله وحريته، في علاقاته الداخلية والخارجية وإعلان مواقفه، وأن يماري التنظيم السياسي الفضح من خلال قيامه بتحديد الموعد والموضوع المناسب لفتح معركة سياسية حول لا ديمقراطية ولا دستورية بعض مواد القانون، وإن خلق الفعل يختلف عن التسجيل والتحدي من ناحية التعامل بمرونة مع مواد القانون، من خلال تعزيز المواد المتفق عليها، وعدم الالتزام بالمواد المتعارضة مع الحقوق والحريات الأصلية".
ما جدوى هذا الطرح؟
وعن جدوى خيار التسجيل وخلق الفعل، عدد جناحي عددا من أفعال المعارضة ونتائجها الإيجابية، وقال إن رد فعل الحكم إزاءها كان فاشلا، بحسب تعبيره، مثل: دعوى نشرة الديمقراطي، والمؤتمر الدستوري، والعريضة الدستورية، وندوة لندن، موضحا أنه كلما قامت المعارضة بفعل كانت النتائج أقوى. وتساءل جناحي: "كيف تمارس المعارضة أفعالا تجاه قانون الجمعيات السياسية؟"، مجيبا: "أن القانون في مرحلته الراهنة يمس الحقل السياسي وناشطيه والمتابعين له، ومن أجل أن يتحول القانون الى الحقل الجماهيري العام والحقل الحقوقي والدستوري محليا وعربيا ودوليا، نحن بحاجة إلى: التركيز على المواد التي تمس الحقوق والحريات، وأن عدم الالتزام بها في النشاط السياسي الحزبي يؤدي إلى خيارين، هما: أن يقوم الحكم بإهمال تطبيق القانون في الأحوال العادية، ومعنى هذا أنه ستضعف صدقية القانون، وتجميد هذه المواد تدريجيا وعدم استخدامها، والخيار الآخر أمام الحكم هو أن يقوم بتفعيل العقوبات، لعدم الالتزام بهذه المواد في أي ظرف يراه مناسبا، وهذا يعني إبراز حجم ازدواجية تعامل الحكم مع مواد القانون، وعدم تطبيقه في حالات الخيار الأول، وتطبيقه عند الخيار الثاني، وإن أهم نتيجة لهذا الخيار هي: بداية معركة حقوقية دستورية، تستخدم فيها التعبئة الإعلامية والجماهيرية، والتضامن الحقوقي والسياسي العربي والدولي، وسيتم فضح هذه المواد وإثارة انتباه الرأي العام محليا ودوليا لها ومسها بحقوق الإنسان". ودعا جناحي إلى الاستفادة القصوى من المواد القانونية، التي تعطي مساحة للفعل السياسي، وأشار إلى المواد: ،2 واعتبرها تعطي مساحة لتشكيل قوائم انتخابية، ومساحة لإعلان برامج انتخابية مشتركة، والمادة الثالثة من القانون واعتبرها تعترف ضمنا بأن الجمعيات السياسية، هي تنظيمات سياسية، وأنه من الممكن البدء باستخدام كلمة منظمة بدلا من كلمة جمعية، وأن المادة تعترف بأن الجمعيات تمثل المواطنين وليس فقط أعضائها، وبالتالي فهي قادرة على التحرك الشعبي وتدشين عرائض شعبية، ونوه جناحي بالمواد: 4 و6 و12 في القانون وهي المواد الخاصة بشروط التأسيس والنظام الأساسي، وقال إن هذه المواد تتيح البدء في تشكيل كل الهياكل التنظيمية الحزبية، وعقد المؤتمرات العامة الحزبية من دون إشراف حكومي عليها، وأشار جناحي الى المادة رقم "14"، معتبرا أنها تعطي الجمعيات حرية تنفيذ المشروعات التجارية والاستثمارية، موضحا أن القانون لا يتيح للوزير حل الجمعيات وإنما يحدد ذلك بحكم قضائي من المحكمة الكبرى. وأوضح جناحي أنه يجب عدم الالتزام ببعض المواد التي وصفها بالمقيدة، مثل: المادة "5" التي تحدد سن الأعضاء وقت الانضمام للجمعيات بواحد وعشرين عاما، والمادة "6" الفقرة الرابعة، مشيرا إلى أن هذه الفقرة تنص على الاعتراف بالميثاق، الأمر الذي تقبل به المعارضة، ولديها فهمها الخاص تجاه الميثاق وستلتزم بهذا الفهم، وأن الدستور تراه المعارضة هو الدستور المتوافق عليه كما هو في الميثاق. وعن حظر التدخل في شئون الدول الأخرى وهو ما نصت عليه المادة "13" من القانون، دعا جناحي إلى استمرار الجمعيات في تحديد مواقفها بشأن القضايا العربية والدولية، وعن المادة "20" الناصة على إلزام الجمعيات بإخطار وزير العدل عن أي اتصال مع أحزاب وتنظيمات خارجية، شدد جناحي على أن تستمر الجمعيات في مشاركاتها الخارجية. وأكد جناحي أنه في حال الحكم بحل أية جمعية سياسية، فإن الخيارات الأخرى غير خيار التسجيل، هي خيارات مشروعة ومقبولة على الصعيدين الحقوقي والجماهيري داخليا وخارجيا، كما أنها ستمس بسمعة المشروع الإصلاحي.
الطريق والخيار الثالث
ومن جهته، طرح عضو الجمعية هاني الشيخ من "لوبي" أطلق على نفسه "لوبي الخيار الثالث"، وهو لوبي التسجيل تحت القانون وتشكيل هيئة وطنية عليا دستورية، خيار هيئة الاتحاد الوطني. وأكد الشيخ أنه يجب أن "تقوم الجمعيات السياسية المعارضة بالتسجيل تحت قانون الجمعيات السياسية وتكتسب صفة الشرعية والاعتراف الرسمي وتعمل على تحدي السقف المنخفض الذي سيفرضه القانون، وتقوم أيضا مع شخصيات ورموز وطنية بإنشاء هيئة وطنية عليا دستورية توحد جميع التيارات والشخصيات الوطنية المعارضة بمختلف توجهاتها وتتحمل الهيئة القضايا والملفات الكبرى
العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ