حتى الآن يعتقد البعض أن حكايات النجاح في مجالات المال والأعمال ما هي إلا ضرب من ضروب الحظ السعيد، والتوافر على مهارات ليس أقلها الشطارة والفهلوة والذكاء. وحتى كتابة هذه السطور، يعتقد البعض أن نظام سوق الاقتصاد الحر وكنموذج من نماذج سياسات العولمة، يفتح الخيارات على مصراعيها لمن يرغب في الابتكار والإبداع وتأليف حكايات وقصص النجاح للمشروعات الاقتصادية والتجارية. حتى الآن يعتقد البعض أن الثروات والفرص ستنهال بقدرة قادر من السماء على البعض، فقط للمجهودات الخارقة المبذولة من بعض أصحاب المال والأعمال. ربما يكون الأمر على هذا النحو عند البعض، وربما يكون الأمر على ذلك النحو عند بعضهم الآخر، لكن بالنسبة إلى كاتبة هذه السطور، يختلف الأمر تماما. كيف؟ ثمة تفسير مغاير عن خيارات الشطارة والفهلوة والذكاء. وحتى لا يتوه عنا القارئ بعيدا ولاسيما نحن لا نتحدث عن ألغاز، إنما عن ارتفاع مهووس للأسعار، وغياب وضعف رقابة للسوق المحلية، إذ بمجرد ما تم الحديث والمطالبة برفع الأجور وزيادة المرتبات، والتي طبعا لم يحرك ساكنها، لا عاليها ولا أسفلها، بمجرد ما شبت نيران الأسواق، وعلى كل المستويات والأصعدة نيران يبدو أنها أكلت ولاتزال كل أخضر المواطن ويابسه. راقبوا ودققوا وقارنوا. ارتفاع جنوني غير محسوب ولا مكتوب له لأسعار السلع الاستهلاكية بدءا من أسعار المواد الغذائية والخضراوات، والأدوات، والخدمات المقدمة للمواطن هنا وهناك، كلها جميعا في ارتفاع مطرد. ركزوا على نشاط السوق الموسمي هذه الأيام، وتحديدا القائم على شعار "العودة إلى المدارس"! ماذا ستلاحظون؟ من دون أدنى شك، هناك فوضى عارمة في السوق، ارتفاع محموم لأسعار رسوم المدارس الخاصة ومتطلباتها من كتب مدرسية وقرطاسيه ولوازمها، وصولا إلى الزي المدرسي سواء للمدارس الخاصة أو الحكومية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، درج أحد محلات الأزياء المدرسية على احتكار تزويد السوق المحلي بالأزياء التي يحيكها محليا على زيادة أسعاره سنويا والمبالغة في تلك الزيادة. المواطنون الزبائن من طرفهم سلبيون، يتذمرون ولا يبادرون بالشكوى أو الاحتجاج "وأنا طبعا لست منهم". هذا المحل بدأ نشاطه التجاري من دكان صغير في قلب منطقة الحورة وصار بقدرة قادر "ربما بفضل الذكاء والشطارة والفهلوة" خلال خمسة عشر عاما محلا كبيرا ومشهورا و"اللهم لا حسد أبدا"، بيد أنه يحتكر السوق المحلي سنويا من دون وجود منافس! السؤال لماذا؟ إن الأمر جدير بالتأمل في بعض الحقائق التي تتردد في الجو العام: "إن هناك صفقات تبرم أسفل المنضدة "لا علم بشروطها"، ما بين إدارات بعض المدارس الخاصة، أو بعض الشخصيات الإدارية فيها، مع إدارة المحل وذلك بهدف إحكام قبضة السيطرة على السوق واحتكارها. ذلك يتم باتباع أساليب متنوعة منها: أن المدرسة لا تفصح عن طبيعة زيها المدرسي إلا في أوقات متأخرة، أي قرب بدء الموسم الدراسي، أو أحيانا تختار أقمشة غير متوافرة أصلا في السوق المحلي إلا طبعا في ذلك المحل، الذي كان يعلم علما مسبقا وقبل غيره ويستورد المقسوم مبكرا". المحصلة: هل يعد ذلك ذكاء، وثروة نازلة من السماء؟ أم هو شكل من أشكال سوء الإدارة والاستغلال والتواطؤ ما بين أطراف اللعبة، إذ الخاسر الوحيد هو الزبون؟ وليت الأمر يقتصر على ذلك، إنما المبالغة في التسعيرة "3 مرات مضاعفة عن سعرها الحقيقي"، فضلا عن سوء الخدمة المقدمة التي غالبا ما يرافقها تأخير وانعدام جودة السلعة المقدمة! ترى، لمن نجأر بالشكوى بعد الله سبحانه وتعالى؟ إلى وزارة التربية والتعليم ومطالبتها بتقديم تفسير مقنع عن أسباب ارتفاع أسعار رسوم المدارس الخاصة مثلا، أو عن غياب رقابتها على تصرفات مجالس تلك الإدارات؟ أو نتقدم إلى وزارة التجارة والصناعة ونسألها عما إذا كانت تقوم بدورها بالتمام والكمال وتراقب حركة السوق وتدقق في أسعار البضائع والسلع وجودتها وعن مبادرتها لحماية المستهلك من نهج الاستغلال والغش والاحتكار؟ أم نتوجه بالسؤال إلى جمعية حماية المستهلك وعن طبيعة نشاطها ولماذا هي غائبة عن صورة الحدث الآني؟ والأهم قبل هذا وذاك، ثمة ما يستوجب محاسبة المواطن كونه مستهلكا مستغفلا، ولأنه لا يجيد بعد فن استخدام أدوات وأساليب المساءلة والمحاسبة والدفاع عن حقوقه وحمايتها من مشروعات نجاح سيدات ورجال المال والأعمال واستغلالهم واستغفالهم للمواطنين. حسنا، لنسألهم جميعا من دون حياء أو خجل! بقى ذكر، أن ثمة حقيقة أخرى، وهي أن هذا النوع من النجاحات، ما هو إلا الوجه الآخر لسياسات العولمة الاقتصادية وصورها المتوحشة، والمحفزة على الجشع والاستغلال والاحتكار، وعلاوة عن سوء الإدارة والتدبير وعشعشة الفساد ونمو المحسوبية والغش والاستغلال، وكلها ظواهر مصاحبة لأنشطة نظم السوق الحر المتعولمة التي ستؤدي إلى المزيد من الفرز الطبقي والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وشيوع العوز والحاجة!
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 1102 - الأحد 11 سبتمبر 2005م الموافق 07 شعبان 1426هـ