العدد 1101 - السبت 10 سبتمبر 2005م الموافق 06 شعبان 1426هـ

النتائج المدمرة لمؤامرة قتل الحريري

#فشل لقاءات ميليس مع المسئولين السوريين في جنيف#

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كان قصر الشعب المبنى الجميل الواقع على بحيرة جنيف مرة جديدة مكانا كشفت فيه هيئة الأمم المتحدة عن فشلها. على مدى يومين كاملين تفاوض رئيس اللجنة الدولية ديتليف ميليس للتحقيق في مقتل رفيق الحريري، مع دبلوماسيين سوريين في هذا المبنى الذي يقع فيه مقر الهيئة الدولية. لكن على رغم تأكيدات الرئيس السوري بشار الأسد الذي أبلغ مجلة "دير شبيغل" قبل أسبوع أن سورية مستعدة للتعاون من دون تحفظات مع لجنة التحقيق، تبخرت في السماء وشكا ميليس بعد اللقاء من أن الجانب السوري يتهرب من التعاون للكشف عن ملابسات مقتل الحريري في 14 فبراير/ شباط الماضي حين تم استخدام قنبلة زنتها ألف كلغ للقضاء عليه. لم ترغب الأمم المتحدة في انتشار شعور أنها ترضى بالهزيمة وبعد ثلاثة أيام على اجتماع جنيف وتحديدا الثلثاء الماضي عبر ميليس عن استعداد الهيئة الدولية لتأدية عملها تحت أصعب الظروف. في السادسة صباحا داهم محققو الأمم المتحدة على رأس قوة أمنية كبيرة مساكن عدة في مدينة بيروت وتم اعتقال أربعة من كبار المسئولين الأمنيين اللبنانيين وجميعهم من المحسوبين على سورية التي كانت تنشر قواتها في أجزاء كبيرة من أراضي لبنان. من بين الذين أمر ميليس باعتقالهم رئيس لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان ومدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني ريمون عازار والمدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد والمدير العام السابق للأمن الداخلي اللواء أحمد الحاج. ما زالت التحقيقات جارية مع المسئولين الأربعة وفي الغضون صدرت مذكرات إيقاف بحقهم. لم يسبق أن عرف لبنان حملة اعتقالات من هذا النوع الثقيل. لكن هذه الحملة ضربت مؤسسات الدولة اللبنانية في الصميم. هل راح الحريري ضحية مؤامرة نسجت خيوطها ونفذتها أصابع تابعة للدولة اللبنانية؟ وبتحريض من سورية؟ حملة الاعتقالات هذه ستقود على الأرجح للكشف عن ملابسات مقتل الحريري وربما تزيد مشكلات سورية إذا صدق حدس بعض المنتقدين لنظامها الذين اتهموها بقتل الحريري. وكانت هذه التهمة دفعت مئات الآلاف من اللبنانيين إلى شوارع بيروت لتشييع الحريري والمطالبة بانسحاب 14 ألف جندي سوري من أراضي لبنان، كما أقالوا حكومة عمر كرامي وطالبوا رئيس الجمهورية العماد إميل لحود بأن يستقيل من منصبه ويرحل عن لبنان. لكن هناك مئات الآلاف من اللبنانيين من نزل إلى شوارع بيروت ليعلن تأييده لسورية ويشكرها على حفظ الأمن في لبنان. ستظهر الحقيقة أمام العالم في موعد أقصاه منتصف أكتوبر/تشرين أول المقبل حين يقدم الألماني ميليس تقرير لجنة التحقيق الختامي إلى مجلس الأمن الدولي. وفقا لنتائج التحقيق الأخيرة لا يبدو فقط أن أصابع الاتهام موجهة إلى مسئولين أمنيين لبنانيين كبار، بل هناك احتمال أن يكون دور لأيدي سورية في عملية اغتيال الحريري ما سيزيد الأمور سوءا وستتسمم أجواء العلاقات بين اللبنانيين والسوريين. منذ وقت يجري التعرض بالحجارة لحافلات نقل الركاب السورية خلال مرورها في شوارع لبنان. وهذا ما تنتظره الولايات المتحدة التي ضمت صوتها إلى أصوات اللبنانيين وخصوصا معسكر ورثة الحريري الذين يتهمون سورية بترتيب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق. لكن ميليس لم يوجه اتهامات لسورية حتى اليوم. أنه يعتقد بوجود مؤامرة دبرتها رؤوس كبيرة في الدولة اللبنانية لاغتيال الحريري كما يعتقد ميليس أنه قادر على تقديم الأدلة على ذلك، كما ان قرار اعتقال المسئولين الأربعة جزء من الجهود الجارية للكشف عن ظروف مقتل الحريري الذي كان قبل مقتله من أبرز منتقدي السياسة السورية في لبنان. لكن حملة المداهمات والاعتقالات الأخيرة في بيروت لا تثير أعصاب المسئولين في دمشق بقدر ما تثير حفيظة الرئيس اللبناني إميل لحود وترمي به إلى الزاوية. وكانت سورية قد ضغطت من أجل تمديد ولاية لحود ضد رغبة الحريري الذي استقال من منصبه بسبب التدخل السوري في الشئون الداخلية في لبنان. إذ صحت ظنون رئيس لجنة التحقيق الدولية فإن ملابسات القضية لم تعد غامضة. في الأيام الجارية تجرى فحص بصمات أصابع من قبل خبراء أجانب كما تمت مصادرة سيارة من طراز"أوبل" تعقبت موكب الحريري قبل وقوع الانفجار لمعرفة الطريق التي يسلكها الموكب في المعتاد وكان في السيارة عملاء تابعون لمدير المخابرات السابق ريمون عازار. توصل المحققون الدوليون لمعرفة دور المسئولين اللبنانيين المعتقلين الأربعة بواسطة استراق سمع مكالمات هاتفية تمت قبل تفجير موكب الحريري. وكان أول ما قام به ميليس وهو مدعي عام في برلين سبق أن تولى التحقيق في قضايا بالغة التعقيد، تكليف خبراء دوليين في التحقيق بسجلات شبكة الاتصالات وقادت النتائج إلى الطبقات العليا في مؤسسات الأمن اللبنانية. وكان ميليس شكك منذ تسلمه التحقيقات بدور اللواء جميل السيد والعميد مصطفى حمدان، في السعي لإزالة آثار الحادث وتمييع التحقيقات وتعطيلها بشكل مقصود. ففي الليلة الأولى للحادث تم رمي ركام موكب الحريري في مياه البحر وغطت المياه الحفرة الضخمة التي تسبب بها ضغط القنبلة الثقيلة. في الأسبوع الماضي أمر ميليس بتحقيقات جديدة لمكان وقوع الانفجار والمناطق المحيطة به وقام غطاسون من بريطانيا ولبنان بانتشال ركام السيارات وشظايا القنبلة وعظام ضحايا الحادث من البحر، كما وصل فريق من الخبراء اليابانيين لإعادة بناء سيارة من طراز متسوبيشي يعتقد المحقق الدولي أن القنبلة التي فتكت بالحريري وضعت فيها. للمرة الأولى منذ تولي ميليس التحقيق بدأت تتحرك الأمور نحو ظهور الحقيقة في القريب وأن بعض المتورطين بدأ يتخلى عن صمته. يشير المراقبون إلى احتمال أن تكون جهات تابعة للمخابرات السورية في لبنان والمخابرات اللبنانية قد قامت بالعملية من دون إطلاع الرئيسين السوري واللبناني وأن الذين أصدروا الأمر باغتيال الحريري فروا إلى فرنسا طلبا للجوء السياسي بعد إطلاعهم لحود على فعلتهم، لكن فرنسا أعادتهم إلى لبنان ووضعتهم على قائمة المحظور عليهم دخول أراضيها. غير أن مصير الرئيس لحود مرتبط كثيرا بنتائج التحقيقات التي تقوم بها اللجنة الدولية وربما سيكون لنتائج التحقيقات أثر سلبي على نظام الأسد. الاثنين سيتوجه ميليس إلى العاصمة السورية للتحدث إلى عدد من المسئولين في المخابرات السورية وهو اللقاء الذي رصدته واشنطن جيدا. إذ ليس هناك دولة متحمسة أكثر من الولايات المتحدة لمعاقبة سورية بفرض عقوبات اقتصادية ضدها إذا ثبت ضلوعها في اغتيال الحريري وتجد واشنطن أن نتائج التحقيق ستساعدها في الانتقام من سورية. إذ لا يعتقد ميليس ولا معاونوه أن المخابرات اللبنانية تصرفت وحيدة وقامت بنصب الكمين لموكب رئيس الوزراء السابق. لهذا يبحث المحققون عن الجهات التي ساعدت المخابرات اللبنانية في تنفيذ العملية ونقل عن ميليس قوله: الأشخاص الذين أوقفناهم هم أطراف في اللعبة وهناك غيرهم نحن بصدد البحث عنهم. بالنسبة لميليس وكثيرين حتى بعد الانسحاب السوري من لبنان ما زال عملاء يعملون لحساب سورية داخل مؤسسات الدولة اللبنانية. ما يدعم هذه الحقيقة انتشار معلومات في بيروت عن وجود أسماء سياسيين معارضين لدمشق على قائمة التصفية أبرزهم نجل رئيس الوزراء السابق ونائب البرلمان سعد الحريري الذي طار إلى فرنسا حفاظا على حياته، وكذلك الزعيم المعارض وليد جنبلاط. القضية بالغة الحساسية ليس على صعيد دولي فحسب، بل على صعيد محلي. ناهيك عن أثرها على العلاقات المتوترة بين لبنان وسورية فإن المتهمين الموقوفين ينتمون لمختلف الأطراف اللبنانية، وهذا كفيل بأن يعيد ذكريات الحرب الأهلية المؤلمة التي دامت 16 سنة.

العدد 1101 - السبت 10 سبتمبر 2005م الموافق 06 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً