العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ

ضحايا حوادث 11 سبتمبر في تونس

الإسلاميون والسياحة

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

عندما يلتفت المراقبون للشأن التونسي، بعد سنة من انفجارات 11 سبتمبر/ايلول، ويحاولون معرفة ابرز الآثار السلبية التي خلفها هذا الحدث الضخم على الحياة الداخلية لبلد صغير مثل تونس ذو العشرة ملايين ساكن يلاحظون أن ما حصل في نيويورك وواشطن لم تكن له نتائج مدمرة لكنه زاد من حجم الصعوبات الجدية التي يواجهها الاقتصاد التونسي منذ بضع سنوات. اما على الصعيد السياسي فبالاضافة الى موجة العداء القوية لأميركا التي اجتاحت المجتمع التونسي، كانت تلك الحوادث مناسبة أخرى لفتح ملف الاسلاميين من جديد على الصعيد المحلي، حيث تعرض انصار حركة النهضة المحظورة إلى هزة جديدة، واكتشف التونسيون أن من بين مواطنيهم من كانوا في جبال طورا بورا، وان منهم من كان على استعداد للقيام بعمليات انتحارية.

التونسيون مثل غيرهم من شعوب المنطقة العربية والاسلامية، اصابتهم الدهشة وسكنتهم مشاعر غريبة كانت خليطا بين الرهبة والاعجاب والشك والارتياح، وهم يشاهدون انهيار بنايتي مركز التجارة العالمية في قلب منطقة منهاتن بفعل عمليتين عجيبتين منسوبتين إلى عناصر تحمل جنسيات عربية. لقد غابت يومها النظرة التحليلية وتأخر التعامل الهادئ والرصين مع الحدث، وكانت التعليقات النقدية والمحذرة قليلة وخافتة بشكل لم ينتبه إليها سوى النزر القليل. فالغطرسة الأميركية لم تترك لشعوب هذه المنطقة فرصة لكي تتعاطى بوعي تاريخي وعقلاني مع القضايا التي تخص هذا البلد الأقوى في العالم. لهذا شكلت تلك المناسبة عاملا قويا لارتفاع حدة المشاعر المعادية للولايات المتحدة، والتي لم تزدها تطورات القضية الفلسطينية إلا قوة وتجذرا. وهي مشاعر عمت مختلف الاوساط بما في ذلك شريحة الخبراء والجامعيين المحسوبين على الدوائر القريبة من أميركا، والذين زاولوا تعليمهم العالي في الجامعات الاميركية، واصبحوا يشكلون قطبا منافسا للقطب الفرنكفوني الذي لايزال وفيا للمرجعية الفرنسية. وقد لمس سفير الولايات المتحدة بتونس تلك المشاعر، وذكر لبعض المقربين منه انه وجه تقارير عاجلة لمسئوليه في واشنطن يشعرهم بخطورة ذلك وانعكاساته المحتملة على المصالح الاميركية، ودلالاته بالنسبة إلى بلد صديق ومتفتح على الغرب مثل تونس.

ملف النهضة في الواجهة

قلبت حوادث 11 سبتمبر المعطيات داخل الساحة السياسية التونسية بشكل ملحوظ. فبعد ان كانت السلطة التونسية منتقدة من قبل خصومها في الداخل ومن الشبكة الدولية لمنـظمات حقوق الانسان والكثير من وسائل الاعلام الغربية المهمة، أصبحت مثالا يضرب به في مجال «مكافحة التطرف والارهاب» واتفقت الكثير من الشخصيات السياسية الغربية مثل الرئيس الفرنسي، وكاتب الدولة الأميركي المكلف بملف الشرق الأوسط، ورئيس الحكومة الإسبانية، ورئيس المخابرات الاميركية وغيرهم ممن زاروا تونس بعد التفجيرات، على وصفها بالبلد النموذج في هذا المجال. وقد شجع ذلك السلطات التونسية على اعادة فتح ملف الاسلاميين، واتخاذ جملة من الاجراءات من بينها ادخال تعديلات على التشريعات المحلية، وذلك بالنص على عقوبات جديدة تميزت بمزيد من التشدد فيما يتعلق بالجرائم التي تمس الأمن الوطني وتعرض المصالح العليا لتونس للخطر في حال الحرب، وذلك من خلال التعاون مع منظمات ارهابية خارجية في وقت السلم.

في المقابل وبعد مرور ساعات من تفجيرات 11 سبتمبر وتوجيه اصابع الاتهام الى أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، سارعت قيادة «حركة النهضة» المستقرة في لندن بإدانة العملية، وتجنبت في بيانها كل ما يوحي بالتشفي في الولايات المتحدة. ولو لم تتخذ الحركة ذلك الموقف لعرضت نفسها الى اسوأ الاحتمالات حيث التفتت جميع الحكومات الى اللاجئين عندها من الاسلاميين لتتصفح ملفاتهم من جديد. لكن على رغم ذلك شككت السلطات التونسية في نوايا الحركة وانصارها، واكدت مرة اخرى للدول الغربية التي تحتضن اسلاميين منحت بعضهم حق اللجوء السياسي منذ الثمانينات، ان تقديراتها خاطئة، وأن من تحميهم ليسوا سياسيين او مضطهدين من اجل آرائهم، وإنما هم «ارهابيون ملاحقون من قبل القضاء التونسي لارتكابهم جرائم عنف». وقام وزير الخارجية بجولة في هذا الغرض قادته إلى اكثر من عاصمة غربية، كما تمت المطالبة بتسليم عدد من المحكوم عليهم غيابيا، واتهامهم بكونهم على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة. فالحكومة التونسية تعتقد بأن الحركات الاسلامية تخضع لتنظيم عالمي واحد يعمل من اجل تحقيق الأهداف نفسها. وهي ترفض تقسيم الاسلاميين إلى تيارات، بعضها متشدد وبعضها معتدل، وترى في ذلك مجرد لعبة وتكتيك وتوزيع ادوار. غير ان هذه الحملة الرسمية لم تسفر عن نتائج ملموسة، حيث اعتبرت الجهات الغربية ان ما قدم لها من معلومات ليس كافيا لتأكيد وجود صلة بين من تحتضنهم من تونسيين تابعين لحركة النهضة وتنظيم القاعدة.

في هذه الأثناء ألقت السلطات البلجيكية القبض على مواطن بلجيكي من اصل تونسي يدعى «طارق معروفي» الذي وجهت إليه تهمة تجنيد مقاتلين للقيام بمهمة في الخارج، إضافة الى تزوير وثائق وجوازات سفر سرقت من السفارة البلجيكية في هولندا في العام 1999. وقد عثر على هذه الوثائق والجوازات مع قتلة الزعيم الأفغاني شاه مسعود الذي كان اغتياله الخطوة الأخيرة التي سبقت حوادث 11 سبتمبر بيومين، حيث بينت التحقيقات ان المنفذَين لتلك العملية الانتحارية كانا تونسيين، احدهما يدعى عبدالستار دحمان، متخرج في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس في العام 1986 حيث تناولت اطروحته الجامعية موضوع «الثقافة البلدية للشباب التونسي»، ليعمل فترة وجيزة في قطاع الإعلام قبل ان ينتقل الى أوروبا. وقد سعت السلطات التونسية إلى اقناع الجهات البلجيكية بأن المعروفي ينتمي الى حركة النهضة المحظورة، وانه يشكل همزة الاتصال بين قيادة هذه الحركة وتنظيم القاعدة. لكن التحقيقات التي جرت لم تثبت - حسبما اوردته الصحف البلجيكية - حتى الآن انه على صلة تنظيمية وسياسية بحركة النهضة.

تونسيون في خدمة

تنظيم «القاعدة»

تمكنت حركة النهضة من ان تخرج بأقل الأضرار من تداعيات 11 سبتمبر، حيث لم يتعرض أنصارها في الخارج الى عمليات اقتلاع كما حصل لغيرهم، غير ان هذه الحوادث وفرت أرضية مناسبة لتجديد الحملة الموجهة ضدهم منذ حوالي 12 عاما، وتسببت في اطلاق سراح المئات من مساجينها. كما ادى التنسيق الأمني مع الكثير من الجهات العربية والغربية إلى اكتشاف عدد لافت للنظر من التونسيين الذين كانوا فعلا من الأنصار النشطين الموالين لأسامة بن لادن. وفي هذا السياق تم تسليم عدد من المشتبه فيهم من قبل السلطات الإيطالية والجزائرية والأميركية، ووجهت إليهم الكثير من التهم مثل الانتماء إلى تنظيم غير شرعي، ووضع انفسهم تحت تصرف منظمة ارهابية تعمل في الخارج لها علاقة بتنظيم «القاعدة». كما وجهت إليهم تهمة زيارة افغانستان وتلقي تدريبات فيها على السلاح. وأحيل بعضهم إلى المحكمة العسكرية التي اصدرت احكاما بلغت حد العشرين عاما، غير ان المحامين لايزالون يشككون في الكثير من التفاصيل والخلفيات والوقائع والإجراءات.

بعد ذلك جاءت عملية «جربة» التي تمت يوم 11 ابريل/نيسان الماضي، وذهب ضحيتها عشرون سائحا معظمهم من حاملي الجنسية الألمانية، لتشكل المفاجأة الأكثر قوة ومأسوية. لم يكن احد يتوقع ان الشاب «نزار نوار» الهادئ الطبع، والذي سبق له ان عمل في قطاع السياحة، كان على صلة بتنظيم القاعدة، وانه كان - حسبما اكدته الجهات الأمنية التونسية والألمانية - يخطط للقيام بعملية إرهابية انتحارية في بلد لم يسبق في تاريخه أن شهد مثل هذه العمليات، ولم يؤيد سكانه في يوم من الأيام الاعتداء على ضيوفه من الأجانب. وقد كان لتلك الحادثة أسوأ الأثر على الاقتصاد التونسي.

تشكل السياحة مصدرا رئيسيا من مصادر التنمية والاستقرار الاجتماعي في تونس. فهي توفر ثمانية في المئة من الدخل القومي الخام و17 في المئة من القيمة الإجمالية للصادرات، حيث تستقبل تونس سنويا حوالي خمسة ملايين سائح، غالبيتهم يقدمون من اوروبا. لكن في هذه السنة اختلف المشهد بوضوح، إذ انخفضت المداخيل السياحية بنسبة 19 في المئة حيث بلغت 613 مليون دولار خلال الستة اشهر الاولى من هذه السنة. فعدد السائحين الالمان انخفض الى حدود النصف ليبلغ خلال شهر ابريل الماضي 49053 سائحا، بعد أن كان 103112 خلال الشهر نفسه من السنة الماضية. والمسألة لا تتعلق فقط بالألمان الذين دفعوا فاتورة حادثة جربة، فالسائحون الأوروبيون تراجع عددهم ايضا بنسبة 40 في المئة خلال الشهور الأربعة الأولى من هذه السنة.

هكذا عاش التونسيون تداعيات الحادي عشر من سبتمبر. وعلى رغم ان الانحياز الأميركي المفرط لصالح «إسرائيل» والتهديدات الأميركية بضرب العراق واعادة تشكيل المنطقة العربية قد عمق الهوة بينهم وبين الساسة الأميركيين، وعلى رغم اقتناع الكثيرين منهم بضرورة اطلاق سراح الاسلاميين وطي ملف حركة النهضة على الأقل في جانبه الإنساني، فإن التونسيين يرفضون العنف بكل شدة، ولا يؤيدون كل ما من شأنه أن يلحق الضرر باقتصادهم ويعرض قوت الآلاف من اسرهم الى الخطر، مهما كانت المبررات والأهداف. ومع ذلك فالسؤال بقي معلقا من دون اجابة موضوعية وعميقة: ما الذي دفع ببعض الشبان التونسيين إلى مراكز التدريب في افغانستان، وأن يضحوا بأنفسهم من اجل معركة خاسرة سلفا، ويقبلوا ان يكونوا ادوات في تصفية حسابات لا علاقة لتونس بها؟. هذا النوع من الأسئلة لا تجيب عنه المحاكم العسكرية، وإنما خبراء السياسة وعلم الاجتماع

العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً