"إذا أردنا أن نبقي كل شيء كما هو، يجب أن نبدل كل شيء""TOMMASO DI LAMPERDUSA" يقول نيتشه "إن في العبور إلى الجهة المقابلة مخاطرة، وفي البقاء وسط الطريق خطرا، وفي الالتفات إلى الوراء، وفي كل تردد، وفي كل توقف، خطرا في خطر". هكذا تكون خياراتنا مهما تباينت محسومة إما بالخوف أو المجازفة، فقد تكون جميع الخيارات - على رغم تبايناتها - سواء، فلا فرق بين الوقوف هنا أو هناك، بين القبول أو الرفض، بين الاعتراض والمباركة.
هذا ما يحيل إلى رؤية خاصة ترى بأن الخيارات السياسية ليست محكومة بالقطع الفج، بمعنى أنه لا يجوز لنا إعتبار أي قرار سياسي نتخذه بأنه الخيار الأمثل والأكمل والأعقل والأصلح والذي لا بديل عنه، عندما نقوم بعملية الاختيار لأي سلوك سياسي، نحن ببساطة نختار أي زوايا المخاطرة التي نرتاح أو نستعد لنلعب بها مستقبلا، وليس المقصود بها بأنها نهاية الأمر، وفصل الخطاب.
لابد من مشاهدة الصورة من منطقة معكوسة، أي أننا لابد أن لا نتصور أن ثمة نتيجة نهائية هناك، وأننا في أي عمل سياسي، نعيش ونتجادل ونختلف ونتفق ونتخاصم ونتصالح في سبيل الوصول لها وتحقيقها، ثمة قراءة أخرى مستترة هنا أو هناك، وهي أننا في الحقيقة ندخل مناطق الخطورة، ونتحكم في كمية الخطورة ونسب كارثيتها، نحن ندير "الخطر"، أكثر مما ندير خيارا استراتيجيا نهائيا نصل إليه، وبهذا ننتهي.
هذا ما يجعل من السياسة في مفهومها الحديث حالة قلقة، أو أنها لا تخضع للقوانين أو القواعد والأهداف، بقدر ما هي سياسة السوق "دعه يمر!"، وهذا ما يجعلنا نفكر في خياراتنا السياسية باعتبارها "خيارات مرور" لمنطقة أخرى، ذات صفات مغايرة بيئيا وتكتيكيا، وليست نهايات العالم التي سنصنعها في مشهد بطولي.
حين نغير كل شيء، نحن ببساطة لا نغير الأشياء، ولعلنا نبقيها على حالها، هذا ما أفضت به افتتاحية المقال لطومسون، فالأشياء لا تتغير هكذا بالسياسة، وليست السياسة سوى فن الممكن من الصراع الاجتماعي، فن الخطورة، فن الخيارات الخطرة، فن التعرض والهروب والمواجهة للخطر.
ما أستخلصه من هذه السطور، هو أن القرار السياسي لأية منظومة سياسية اليوم، لابد أن يتجرد من مهمة تخليص العالم من الظلم، والوصول إلى الحقيقة المخلصة التي ستنشر السعادة والحب والآخاء والمودة، أو أنه تكليف الميتافيزيقيات العالمة. ليس القرار السياسي أكثر من تغيير بسيط في التموضع السياسي، وليست الأمور على هذا القدر من المثالية، وليس الأمر في حقيقته، على هذا المحمل من الجدية
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1095 - الأحد 04 سبتمبر 2005م الموافق 30 رجب 1426هـ