العدد 1093 - الجمعة 02 سبتمبر 2005م الموافق 28 رجب 1426هـ

انفضوا عنكم الغبار

يوسف زين العابدين زينل comments [at] alwasatnews.com

-

لم يتأخر الوقت كثيرا، فمازال أمام المقاطعين بعض الوقت ليصححوا المسار ويضعوا قطارهم على السكة الصحيحة في الاتجاه الصحيح للحاق بالركب. فقد بينت تجارب السنوات الثلاث الماضية أن ما قد تحقق من المقاطعة "إن كان قد تحقق شيء" لا يشكل كما بالمفهوم السياسي يمكن التعويل عليه في إحداث تغيير ما، وانه ليس بالإمكان الوصول إلى غايات وأهداف أبعد من ما تيسر من الندوات والاعتصامات التي لم تكن فاعلة بما فيه الكفاية لحمل السلطة في البحرين لتغيير موقفها من كثير من الملفات الدستورية/ السياسية التي كان ينادي بها المقاطعون.

ان قواعد اللعبة السياسية الجديدة لا تسمح ولا تساعد على اتباع الأساليب القديمة في النضال والتي كانت مناسبة للمرحلة السابقة، ولكنها الآن لا تصلح للمرحلة الجديدة. فلكل مرحلة سياسية أساليبها النضالية وان عملية الانتقال من أسلوب إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى تتطلب الكثير من المرونة التنظيمية وتحتاج إلى تشخيص دقيق وبعد نظر للظروف المحلية والإقليمية والدولية وقبل كل شيء تحتاج إلى قرار شجاع.

ومع تفهمنا لقرار المقاطعة المشروع والأماني التي علقت عليها والوسائل المشروعة في مجملها التي استخدمت لتحقيق أهدافها، الا اننا نعتقد أن الوقت قد أزف بالنسبة للمقاطعين لينفضوا الغبار عن أنفسهم ويتبينوا اتجاه البوصلة ليتمكنوا بعدها من وضع قطارهم على السكة المؤدية إلى الاتجاه الصحيح وإلا فإنهم سيجدون أنفسهم خارج الزمن وربما خارج التاريخ أيضا.

ان الوسائل الديمقراطية المتاحة حاليا على رغم كل القيود المفروضة والمحاولات المستميتة للقوى السياسية المحافظة في الحكم للالتفاف على الحقوق والحريات الدستورية تبقى وسائل أكثر فاعلية ويمكن لها لو استخدمت برشد وذكاء تحقيق تراكمات طيبة تفضي إلى فضاءات أرحب من الديمقراطية وحكم القانون والمؤسسات.

ان العملية ليست أحادية الجانب، فمثلما نطالب بحكم إصلاحي رشيد يتفهم روح العصر ويقدم التنازلات المؤلمة أحيانا للمحافظة على التوازن السياسي/ الاقتصادي في المجتمع البحريني فإنه بالدرجة نفسها بل وأكثر نطالب المعارضة - المقاطعة بالكثير من الحكمة والرشاد في تعاملها مع الواقع السياسي والتعاطي مع الملفات الساخنة وعدم الزج بالجماهير في مغامرات ومعارك غير محسوبة، بل تأتي علينا "بالرادي".

ان مشكلات الوطن والمواطنين بحاجة إلى معالجات وإلى تفاهمات بين الحكم من جهة وبين المعارضة بشقيها المشارك والمقاطع. ولو اتحدت المعارضة "المشاركة مع المقاطعة" لأصبحت أكبر ثقلا وأكثر فعالية من دون شك ولأصبح التفاهم مع الحكم ربما أسهل إذا ما توافقت المعارضة على الخطوط العريضة للكثير من الإشكالات التي منها الدستورية ومنها الحقوق السياسية بما في ذلك الدوائر الانتخابية والجمعيات السياسية والمسيرات وغيرها.

كما ان المشكلات الاقتصادية/ الاجتماعية بحاجة ماسة إلى معالجات وحلول لا يمكن لها أن تتحقق في ظل التجاذبات والاختناقات السياسية وتجييش الشارع، فهي بحاجة إلى توفير مناخ صحي وسليم لكل القوى الفاعلة في المجتمع من دون استثناء وإتاحة الفرصة أمامها للمشاركة برأيها وعملها في إنجاح العملية التنموية في البلد نحو تنمية مستدامة.

ان توحيد الجهود لمحاربة آفة الفساد وضرب مواقع "المؤلفة جيوبهم" وحماية المال العام من عبث العابثين بحاجة أيضا لرص الصفوف وتوحيد الجهود لكل القوى سواء من داخل البرلمان أو في التنظيمات السياسية أو في بقية مؤسسات المجتمع المدني. وبينت بعض التجارب الحديثة أن المطلوب هو تعاضد كل القوى الخيرة عندما يفتح ملف من ملفات الفساد المالي والإداري والأخلاقي الكثيرة في البلد، الا ان المؤسف ان إشكالية المقاطعة والمشاركة قد أدت إلى إضعاف القوى التي تحارب الفساد لحماية المال العام من داخل البرلمان وخارجه، بل أدت إلى تفتيت تلك القوى والجهود.

وهناك الكثير من الأمثلة لملفات تحتاج إلى تضافر الجهود المجتمعية لحلحلتها وحلها بشكل جذري مثل البطالة وبشكل حضاري مثل التمييز.

ان تقوية التيار الإصلاحي في الحكم هو هدف ووسيلة في آن واحد يجب العمل من أجل الوصول إليه وكذلك الحال بالنسبة إلى بناء جسور الثقة بين الحكم والمعارضة، فكلما تقوى التيار الإصلاحي في الحكم من خلال الابتعاد عن المسلكيات والأساليب التي تؤدي إلى النفور والضغائن وتباعد الجسور بين الطرفين، تمكنا من رأب الصدع وتقوية اللحمة الوطنية والقضاء على التمييز والعكس صحيح.

ان هناك مهمات جساما أمام القوى السياسية الفاعلة على الساحة، لذلك فإنني أدعو جمعية الوفاق والقوى الأخرى التي تبنت المقاطعة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها والعدول عنها والتحول إلى استراتيجية أوسع وأرحب ليس فقط في تبني المشاركة في الانتخابات بل إلى استراتيجية وطنية واسعة تلغي حقيقة ما تعلق بأذهان البعض بأن هناك أجندة طائفية من وراء استراتيجية المقاطعة.

إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"

العدد 1093 - الجمعة 02 سبتمبر 2005م الموافق 28 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً