العدد 1088 - الأحد 28 أغسطس 2005م الموافق 23 رجب 1426هـ

الولايات المتحدة تتهم إيران بلعب دور مزدوج في العراق

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

تقع السفارة الإيرانية في بغداد في مبنى عادي بينما السفارة الأميركية عبارة عن حصن منيع. وبينما يفرق السفير الأميركي بين الصديق والعدو فإن الدبلوماسيين الإيرانيين ورجال الاستخبارات الإيرانية ينشطون بشكل ملفت للنظر داخل العاصمة العراقية. ظلت السفارة الإيرانية تعمل في بغداد حتى إبان الحرب العراقية الإيرانية التي كلفت مئات الآلاف من القتلى في الجانبين. حين شنت الولايات المتحدة حملتها العسكرية ضد العراق في مارس/ آذار 2003 التزمت إيران الصمت لأن هدف الحرب الإطاحة بخصمها اللدود صدام حسين. بعد الحرب وجدت إيران أن لها مصالح مشتركة مع القوة العظمى في العراق والآن تدور منافسة بين البلدين على النفوذ في بلاد الرافدين.

في الغضون تزداد الصورة وضوحا. وفقا لتقرير نشرته أسبوعية "دير شبيجل" نقلا عن مصادر سياسية وإعلامية أميركية فإن الإطاحة بصدام حسين في أبريل/ نيسان 2003 وتشكيل حكومة غالبية أعضائها من الشيعة في مايو/ أيار الماضي حولا إيران من جار عدو إلى جار صديق وربما إلى حليف. كل يوم تشتد العلاقات العراقية الإيرانية ارتباطا وبالتالي يزيد نفوذ طهران في العراق. ليس الولايات المتحدة وبريطانيا فقط تجدان في ذلك خطرا مداهما بل العراقيون السنة والجيران العرب يشعرون بقلق حيال نوايا إيران.

ذلك أن الجمهورية الإسلامية التي يحبس برنامجها النووي الأنفاس في كامل أجزاء منطقة الخليج، لا تحصر اتصالاتها مع العراق من أجل بناء وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين أو وضع تسهيلات للحجيج إلى الأماكن المقدسة عند الشيعة في كربلاء والنجف. وذكرت مجلة "تايم" الأميركية في الأسبوع الماضي أن إيران تخوض حربا سرية في العراق وتحوز فيها على شبكة واسعة، إذ استطاعت شراء سياسيين وتزود جماعات مسلحة بالمال والسلاح. وذكرت ورقة استراتيجية أعدتها وزارة الدفاع الأميركية أن إيران تنفذ مؤامرة ضد الولايات المتحدة وهذا ليس معرض شك. وقال وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بصوت حازم: "تم العثور على أسلحة إيرانية في العراق وهذه مشكلة لقوات الائتلاف ومشكلة للمجتمع الدولي وأخيرا مشكلة لإيران نفسها".

يأتي تصعيد واشنطن النزاع مع إيران في وقت حساس بالنسبة إلى العراق. إذ من المنتظر أن يجري هذا الأسبوع اتفاق الأطراف العراقية على مسودة دستور موحد. يرافق ذلك تصعيد أعمال العنف التي راح ضحيتها يوم الأربعاء الماضي فقط 44 على الأقل بينما بلغ عدد القتلى في شهر يوليو/ تموز 1100 وكان الشهر الأكثر دموية منذ سقوط بغداد. يتهم خصوم إيران الجمهورية الإسلامية بأنها تلعب لعبة قذرة في العراق.

قبل وقت قصير شكت بريطانيا من واقعة "غير مقبولة" على الحدود العراقية الإيرانية. فقد وضعت قوات الأمن في محافظة ميسان التي تخضع لسلطة الاحتلال البريطاني يدها على متفجرات وصواعق كان يجري تهريبها عبر الحدود. وقال مسئول بريطاني إن إيران وراء هذه العملية وإما أن تكون هناك أوامر من السيدعلي خامنئي بتزويد الجماعات المسلحة النشطة في العراق بهذه الأسلحة أو وراءها حزب الله اللبناني الشيعي.

ازداد هذا النوع من الاتهامات في الآونة الأخيرة. منذ مطلع العام بدأت القوات الأميركية بصورة خاصة تتحسب ما يسمى قنابل تنفجر على جوانب الطرق وهي أسلحة خطيرة جدا بوسع شظاياها اختراق دبابات القتال وبحسب بيانات الخبراء العسكريين زودت إيران في السابق حزب الله اللبناني بها. في الغضون تقول الاستخبارات العسكرية الأميركية إنها تعرف من يستخدم هذه القنابل الفتاكة ضد قوات الائتلاف: جماعة مسلحة تديرها طهران قوامها 280 رجلا يتزعمهم رجل يدعى أبومصطفى الشيباني. اثنتا عشرة مرة استخدم رجال الشيباني هذه القنابل تسبب آخرها بقتل ثلاثة جنود بريطانيين.

تشير المعلومات إلى أن الشيباني يعمل في تدريب مقاتلين في لبنان وفي مدينة الصدر وفي بلد آخر يعتقد أنه إيران. غير أن بعض الدبلوماسيين الغربيين يشكون في التصريحات التي تروجها واشنطن ضد إيران ونقطة الجدل: أليست في العراق اليوم حكومة طالما كانت إيران تتمنى وصولها السلطة بدلا من نظام صدام حسين؟

لا أحد في العراق يشعر بقلق أكثر من جماعات السنة. وقد وجه أحد السياسيين السنة ويدعى مثال ألوسي اتهامات صارخة لإيران عبر محطة التلفزة الوطنية "العراقية" وقال: إيران الفائز الحقيقي في حرب الخليج وتستغل كل وسيلة لإضعاف العراق وهي تعتمد في تحقيق أهدافها على مساعدة المسئولين الشيعة الذين عاشوا في أراضيها إبان عهد صدام. وقد أثار رئيس الحكومة الجديدة إبراهيم الجعفري تساؤلات كثيرة في بلده عقب الزيارة التي قام بها لطهران أعلن خلالها تحمل العراق مسئولية إشعال حرب الأعوام الثمانية. قامت إيران على الاثر بالإفراج عن أربعمئة أسير عراقي في شهر يوليو الماضي ويأخذ المنتقدون أن الجعفري حمل بلاده مسئولية اندلاع حرب الخليج الأولى قبل بدء التفاوض مع إيران حول اتفاق سلام.

ويلمس المراقبون بوضوح تأثير إيران على العملية السياسية الجارية في العراق وحين يجري الكشف عن مسودة الدستور الجديد سيدعو حزب "الدعوة" الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الحالي إلى دور مهم للإسلام كما سيجرى تشكيل مجلس للشورى على غرار ما هو قائم في إيران. وتتهم الولايات المتحدة وبريطانيا إيران بالعمل في تقسيم العراق وتزعمان أن مدنا في الجنوب مثل البصرة والناصرية وعمارة أصبحت تخضع لسيطرة الاستخبارات الإيرانية وعملائها. كثيرون في الجنوب يؤكدون هذه الحقيقة ويشيرون إلى السياسة المتشددة التي تقوم بها الاستخبارات الإيرانية لغرض تحقيق هدفها بإقامة دولة إسلامية شيعية. من أبرز علامات ذلك إجبار النساء على لباس عباءات سوداء طويلة "شادور" وتفجير المحلات التي تبيع الكحول وأشرطة الموسيقى ومهاجمة المسيحيين في الصحف الموالية لإيران ووصفهم بالنصارى. من ينتقد إيران في مناطق تخضع لسيطرة الاستخبارات الإيرانية فإنه يجازف بحياته.

تعرض أستاذ في الأدب بجامعة البصرة للخطف وعثر على جثته بعد أيام تحت جسر وبدت عليها آثار التعذيب. وقال رئيس تحرير صحيفة مستقلة تصدر في البصرة طلب عدم ذكر اسمه: كلنا نعرف من وراء أعمال القتل. قائد الشرطة في البصرة حسن زوادي السعد تحدث في الاتجاه نفسه حين قال: 80 في المئة من رجالي لا يسمعون أوامري. في وقت مبكر استعدت إيران لفرض نفوذ بعيد المدى في العراق. حين كانت وحدات الجيش الأميركي تمر في الكوت في طريقها إلى بغداد أبرق عملاؤها بعد يوم على سقوط نظام صدام حسين: كل شيء في الكوت تحت سيطرتنا

العدد 1088 - الأحد 28 أغسطس 2005م الموافق 23 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً