العدد 1082 - الإثنين 22 أغسطس 2005م الموافق 17 رجب 1426هـ

ليس ثمة بارقة أمل: المأزق العراقي وأميركا والعالم

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

في مقاله الشيق والمدرك لحقائق الأمور المخفي منها و المعلن الغائب منها والحاضر في صحيفة الـ "نيويورك تايمز" يقول بوب هربرت في عدد العاشر من أغسطس / آب ان الأخبار التي تأتينا من العراق لا تسر الصديق قبل العدو، فهي تذكر بأن "عددا كبيرا من الجنود الأميركان قتلوا". وأن "عدد خسائر أغسطس حتى الآن كانت في مجملها تخديرا للعقل" وهي في مجملها وخصوصا بالنسبة إلى "القوات الأميركية، كانت "أسوأ فترات الحرب" ومع هذا فإن سيادة الرئيس "بوش" و"إدارته" ليس لديهم "إحساس بالإضطرار". وإنه في الوقت الذي يقضي الرئيس إجازته في مزرعته راكبا دراجته ومنظفا لفرشه بلغت "الخسائر في أرواح الأميركان" "مئة وثمانين ألفا" وربما تخطت هذا الرقم بكثير وإن الموتى في جانب العراقيين يعدون "بعشرات الآلاف".

ولكي يبرهن هربرت على ما سيأتي به في مقاله يقتبس من مقدمة كتاب لديفيد هلبرستام المعنون بـ "الأفضل و الألمع" التي صاغها "السيناتور جون ماكين" للكتاب، يقول فيها: "لقد كان شيئا مخزيا جدا أن تطلب من رجال الجيش أن يعانوا وأن يموتو، وأن يثابروا خلال المآسي وأوجاع القلب السيئة، لتحمل التجارب الحيوانية التي من المستحيل تجنبها في المعركة، ولهدف لن تدعمه البلاد بمرور الوقت وان زعماءنا اعتقدوا بشكل خاطئ انه يمكن بلوغه بأقل كلفة ممكنة أقل مما اعتقد عدونا بأنه سيجعلنا ندفعه".

من هذا المنطلق يرى هربرت انه لا جديد تحت الشمس، فعن تلك النقطة أو النقاط التي أثارتها الفقرة السابقة يقول: "هي في الواقع ليست أقل شأنا الآن" لكون الإدارة الأميركية ليست لديها الرغبة لا ولا الطموح إلى "التعهد بجهد شامل لهزيمة المتمردين في العراق" وهي في الوقت ذاته "غير راغبة على حد سواء لتعكس مجريات الأمور وتعيد القوات المنخرطة في حرب ضروس إلى الوطن". ومع علم الإدارة نتيجة لما أظهرته نتائج الانتخابات بأن "أكثر الأميركان يتخلون الآن عن الفكرة القائلة ان الحرب يمكن أن تربح". كما أظهرت أنهم "متعبون جدا" نتيجة الخسائر في الأرواح الأميركية وليس لديهم القدرة على تحمل خسائر بشرية تعد بمئات الآلاف من الأميركان خلال السنوات المقبلة فقط لنحقق أهدافا هي في الأساس غير واضحة وعديمة المعنى.

ليس هذا فحسب يدور في خلد المواطن الأميركي العادي، بل إنه الشيء ذاته مع القاطنين في "واشنطن"، فيذكر هربرت إنك لو سألت "ألف بدلة مختلفة في واشنطن: لماذا نحن في العراق" فإن الجوب على ذلك سيكون "ألف جواب مختلفا". ولو سألتهم مثلا "كيف نخطط لربح الحرب؟" يقول "ستحصل على تحديق فارغ من كل معنى". مع هذا فإنك واجد "أعضاء من الإدارة" ورجالا "من كبار أفراد الجيش" تثير تعليقاتهم "أجهزة الإعلام والجمهور" وتعطي انطباعات خاطئة تقول في فحواها "ان أعدادا كبيرة من القوات الأميركية يمكن ان تعاد إلى الوطن العام المقبل" هذه لا تعدو كونها أحلام يقظة ليس إلا، فالمخطط هو البقاء، البقاء، البقاء، إلى ما شاء الله. هذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة أمام بصائرنا قبل أداة بصرنا وإن كان حديدا.

لم القول بذلك، قد يسأل أحدنا، فنقول إن المؤشرات التي تصحب مثل هذه التصريحات التي تهدف أول ما تهدف إلى تهدئة الشارع الأميركي الغاضب جدا على مؤسسة البيت الأبيض والحانق بشكل علني على أدوات التضليل و القمع هناك، فمن هذه المؤشرات التي تدعم قولنا تقول، كما جاء بها هربرت، سنعود "وإذا أثبت العراقيون أنهم قادرون على تأمين أمنهم الخاص" وهذا الأمر محال لما نرى من جرائم شنيعة ترتكب يوميا بحق الإنسان والحيوان والأرض والزرع. كما أن القوت الأميركية في العراق يزداد عددها يوما بعد يوم تحسبا لانفجار في الوضع العراقي لا يمكن السيطرة عليه بما هو متوافر من قوات مسلحة. أضف إلى ذلك ما يورده المقال عن تصريحات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد القائلة "ان العنف الشنيع الحالي سيزداد ضراوة في الوقت الذي يقترب فيه موعد الانتخابات. ولا أحد يعتقد أن قوات الأمن العراقية ستكون قادرة على إكمال مهمة ضمان البلاد بأي وقت قريبا". كما إنه في الوقت ذاته صرح للصحافة أن عودة الجنود الأميركان تتوقف على أمور عدة، يسميها "المتغيرات" - كما هو الحال في دراسات الاحصاء - أهمها على الإطلاق: "ما الذي يفعله الإيرانيون؟ هل هم سيصبحون متساعدون أو غير متساعدين؟ وإذا هم غير متساعدين بشكل كبير جدا، إذا من الواضح أن الشروط على الأرض ليست ذات فائدة. الشيء نفسه مع السوريين". وأنهى تصريحه بهذه المفردات: "هل أدركتم ذلك؟".

الوضع الحالي في العراق هو بالضبط الوضع ذاته في فيتنام "الجحيم الملتهب" والكارثة الكبرى إذ لم يكن لدى "ليندن جونسن" حين أرسل "القوات الأميركية" استراتيجية حقيقية" ولا لديه "خطة للفوز بالحرب"، يوم ذاك كانت الفكرة المسيطرة هي "ان أولادنا الجنود أشد صلابة، ومجهزون بشكل أفضل بكثير، وسيضربون أولادهم الجنود. القضية منتهية". يقول هربرت بعد ذلك انه جراء هذه المفردات "استسلم ثمانية وخمسون ألف جندي أميركي إلى أحلام باحة المدرسة هذه". الآن ونحن في مستنقع العراق فإن "جورج دبليو بوش ليست لديه استراتيجية تذكر، لا وليست لديه خطة حقيقية، لكي يفوز بالحرب في العراق". لهذا فإننا "محتجزون حقيقة في مستنقع قاتل من دون وجود حنى مجرد اقتراح لنهاية قريبة".

في ختام مقاله يقول هربرت ان "الإدارة" "ما سبق لها أن كنت صادقة مع الجمهور بشأن الحرب" وإن ليس هناك من سبب يشير إلى أن "الإدارة ستبدأ أنه تكون صادقة معه الآن". وعليه فهو يدعو الأميركان إلى "حوار وطني جدي" تكون محاوره "حول البدائل بالنسبة إلى نظرة بوش في العراق، التي تتساوى مع الوجود العسكري الأميركي الدائم في تلك البلاد". وعليه ومع "احتجاب الرئيس في عطلته الطويلة" يتطلب "الانتباه المركز والثابت للرجال والنساء الأعقل والذي يمكن أنه توفره الولايات المتحدة" وهؤلاء من الممكن "أن يكونوا سياسيين، أكاديميين، زعماء مدنيين أو دينيين، مديري شركات - أو أي كان". إن بقاء هؤلاء العقول لمدة طويلة على "الخطوط الجانبية" فإن "المجزرة في العراق ستستمر إلى مدة أطول بكثير مما يعتقده كثيرون".

العالم من جراء ذلك واقع في أزمة كبرى وهو غير قادر أو هو غير مدرك لحقيقة الأمر، فبريطانيا العظمى تلقت ضربة موجعة في قلب كيانها أي في "لندنستان" وأودت بحياة مئات من البشر على حين غرة وأرجع كثيرون تلك التفجيرات إلى الوضع المأسوي في "العراق"، دول أخرى أيضا تلقت ضربات موجعة جدا والجميع يرجع تلك الضربات إلى ما يحدث في العراق. نحن اليوم مطالبون كما الأميركان والإنجليز والفرنساويين والألمان وكل من له صلة بالموضوع بإطلاق عنان الحوار الوطني الذي يركز أكثر ما يركز على إيجاد حلول إنسانية للخروج من هذا المستنقع الذي وضعنا فيه على رغمنا شعوبا وحكومات.

ليس ثمة بارقة أمل هناك إذا لم نفعل نحن هنا أقل القليل للخروج بأوطاننا بسلام قبل فوات الأوان.

* كاتب بحريني

العدد 1082 - الإثنين 22 أغسطس 2005م الموافق 17 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً