في منتصف التسعينات كانت هناك خطوات عملية لمد الجسور بين السلطة ورموز المعارضة، وذلك من خلال اجتماعات جرت خلف الكواليس بين الحكم وبين ما عرف فيما بعد بأصحاب المبادرة، وعندما تسلم جلالة الملك مقاليد الحكم أعلن مشروعا إصلاحيا يتم من خلاله ردم الهوة التي تكونت نتيجة حوادث التسعينات، فقد أصدر جلالته أمرا يقضي بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وإخلاء السجون من أي معتقل اعتقالا تعسفيا وعلى رأسهم الشيخ عبدالأمير الجمري، والسماح بعودة المبعدين السياسيين ومنهم العلماء الشيخ علي سلمان والسيدحيدر الستري والشيخ حمزة الديري، وإلغاء العمل بحال الطوارئ التي استمرت منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران إلى حين إعلان المصالحة، وإيقاف العمل بقانون أمن الدولة الذي تجرع منه كثير من الناشطين السياسيين الويلات. وعندما طرح جلالته ميثاق العمل الوطني بادر الجميع للتصويت عليه وظهرت النتيجة أن الغالبية الساحقة من أبناء الشعب تؤيد هذا الميثاق بشرط ألا يعلو على الدستور... وتوعد الحكم حينها بالعودة إلى العمل بالدستور وإلغاء الأحكام العرفية التي كانت سائدة، والكل تأمل خيرا بوصول صاحب الجلالة إلى سدة الحكم وساد التفاؤل والأمل بالانفراج على جميع الأصعدة. ووقفة متأنية لدراسة تلك المرحلة تعطي انطباعا بالرغبة الحقيقية من كلا الطرفين في التوصل إلى سلام شامل ودائم، وتأتي في هذا الإطار زيارة جلالة الملك حمد للسيدجواد الوداعي بحضور نخبة من علماء البحرين وعلى رأسهم السيدعبدالله الغريفي والشيخ علي سلمان. لكننا نسأل: هل سنظل ندور في فلك المصالحة أم يجب أن نتخطى المصالحة وشعاراتها إلى المحاصصة؟ فلا يجوز أن نبقى طول عمرنا نردد كلمة مصالحة من دون التقدم خطوات في سبيل دفع فاتورة استحقاقات المصالحة وعلى رأسها إشراك الشعب في اتخاذ القرار السياسي بشكل يقطع الألسن، وذلك من خلال إعطاء البرلمان حق التشريع والرقابة اللازمة من دون تدخل السلطة في ذلك وفصل السلطات التنفيذية والقضائية عن السلطة التشريعية، ويكون مجلس الشورى للمشورة فقط، ولنتعلم من التجربة العراقية في هذا الشأن، فبإمكان الائتلاف العراقي الموحد تحت راية السيدعبدالعزيز الحكيم إقرار الدستور بشكل منفرد من دون الحاجة إلى التأخير لأنهم يشكلون الغالبية في الجمعية الوطنية ولكنهم آثروا إشراك جميع القوى من الطوائف والتيارات الأخرى والأقليات من أجل الحصول على مسودة للدستور يتم التصويت عليها بالغالبية المطلقة في جلسة مقبلة للسلطة التشريعية لإقراره. والمسألة الدستورية في البحرين مازالت غير متفق عليها، فالدستور الجديد لم يحظ بالتأييد من قبل شريحة كبيرة من الشعب والمسيرات والاعتصامات المنبثقة عن المؤتمر الدستوري شاهد على ذلك... المحاصصة ليست كلمة تطلق في الهواء بل لابد لها من آليات وأدوات لتفعيلها، فمن أجل البحرين ومن أجل استقرار دائم ومصالحة مستمرة لابد من تقسيم الأدوار، ولابد من السير نحو الديمقراطية بخطى ثابتة لا تتزعزع، ولابد من السير خطوات لتوثيق العلاقة وزيادة الثقة بفتح الأبواب في وزارتي الداخلية والدفاع لطائفة كبيرة من الشعب، وألا يغبن حقهم في الدفاع عن وطنهم، وكما أكد السيدالغريفي لابد من تدريس المذاهب الخمسة في مناهج التربية والتعليم، ويكون المذهب الجعفري حاضرا كأحد المذاهب الإسلامية المعترف بها، فقد أجاز الأزهر الشريف التعبد به في وقت سابق عندما أعلن الشيخ شلتوت انه يجوز التعبد به كمذهب إسلامي يبرئ الذمة أمام الله، ومتى ما توصلنا إلى مشتركات كثيرة واعترف كل منا بثقل الآخر وبحقه في ممارسة شعائره وطقوسه اقتربنا من الوحدة الإسلامية، والا كانت اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي للتقريب بين المذاهب الإسلامية نظرية وليست عملية. أخيرا لابد من المحاصصة وتقاسم الأدوار من أجل أنظمة ديمقراطية والتحول الحقيقي إلى المملكة الدستورية التي طالما حلمنا بها يكون للدستور فيها الكلمة العليا والمصدر الأساسي للتشريع، وبذلك نصبح دولة القانون والمؤسسات، وليس دولة المراسيم التي تأخذ قوة القانون، ولننتقل إلى المحاصصة الوطنية كعلامة بارزة على عهد الإصلاح.
*كاتب بحريني
العدد 1077 - الأربعاء 17 أغسطس 2005م الموافق 12 رجب 1426هـ
مقال جدا رائع مع أنه قبل سنوات
كاتب متكمن جدا .فأين هو الآن؟
كل ماذكره الكاتب يجري التفاوض عليه حاليا!