من الناحية التاريخية ارتبط الفكر التمييزي في البحرين بالاستعمار البريطاني وممارساته المختلفة في المجتمع المحلي والتي قامت على المبدأ السياسي الانجليزي الشهير "فرق تسد". ولكن يرى كثيرون أن هذا الفكر ارتبط دائما بممارسات السلطة في مختلف الأوقات والتي حرصت على ممارسة التمييز وفق اعتبارات اثنو - طائفية صرفة.
مثل هذه الاطروحات دائما ما تبتعد عن الحقيقة ومعطيات الواقع لأنها تحمل نظرة أحادية تجاه مجريات الأمور، من دون أن تنظر إلى الجانب الآخر من الحقيقة. ويمكن تفنيد هذه الاطروحات من خلال رصد تطور الفكر التمييزي البحريني منذ مطلع القرن العشرين، وحتى مرحلة ما بعد ميثاق العمل الوطني. ويمكن تقسيم مراحل تطور هذا الفكر إلى المراحل الآتية:
أولا: مرحلة تأسيس الفكر التمييزي البحريني:
في بواكير القرن العشرين كانت سلطات الاستعمار البريطاني تمارس تدخلا واضحا في الشئون الداخلية البحرينية، وهو ما خلق عدة حركات للاحتجاج السياسي لاحقا بدأت في العقد الثاني من هذا القرن. وقد اعتمد هذا التدخل بالدرجة الأولى على إحداث فصل بين المواطنين السنة ونظرائهم من الشيعة، حتى وصل هذا الفصل إلى شكل من أشكال القطيعة الاجتماعية والمذهبية العامة، بل تفاقم الأمر إلى درجة التصادم والعنف كما هو الحال في بداية الخمسينات. وما يميز هذه المرحلة أنها ساهمت في تأصيل فكر التمييز داخل الثقافة السياسية البحرينية البسيطة آنذاك.
ثانيا: مرحلة مأسسة الفكر التمييزي البحريني:
شهدت هذه المرحلة بروز الكثير من التنظيمات السياسية المعارضة، وعلى رغم تبنيها أجندة وطنية للاستقلال والإصلاح السياسي والاقتصادي، فإنها مارست التمييز والإقصاء، سواء داخل وحداتها التنظيمية الداخلية، أو في علاقاتها مع المجتمع البحريني والتنظيمات السياسية الأخرى التي تختلف معها فكريا. ومن أمثلة ذلك حالات التهميش والإقصاء التي مارستها تنظيمات اليسار البحريني تجاه تنظيمات التيار الإسلامي السني والشيعي. وبالتالي فقد كانت هذه المرحلة بمثابة مأسسة للفكر التمييزي الذي أسسته السلطات البريطانية، لينتقل من كونه فكرا عاما بين الأفراد إلى عمل مؤسسي منظم يخدم أهداف ومصالح معينة.
وامتدت هذه المرحلة حتى بداية العام 2001 لتكون من أكثر المراحل تأثيرا في المجتمع المحلي لأنها شهدت ظروفا سياسية صعبة خلال فترة غياب المشاركة السياسية، ليتمثل الفكر التمييزي في مختلف ممارسات الحياة اليومية للأفراد.
ثالثا: مرحلة ظهور الفكر التمييزي الجديد:
بدأت هذه المرحلة مع التصديق على ميثاق العمل الوطني في فبراير/ شباط ،2001 ومازالت قائمة حتى الآن. وما ميز هذه المرحلة أنها شهدت تحولات مهمة في النظام السياسي البحريني أتاحت لكل القوى السياسية ممارسة العمل التنظيمي، وأعطت الأفراد الحق في التعبير عن آرائهم بمختلف الوسائل التي كفلها الدستور والقوانين المختلفة.
وبالتالي فقد برزت قوى دفع جديدة أصبحت تساهم بشكل لافت في تقوية الفكر التمييزي وفق اعتبارات دينية - مذهبية صرفة. وإذا كانت هناك ممارسات تمييزية في المرحلة السابقة فإنها لم تكن قائمة على الدين، أو لم يكن للمؤسسات الدينية السنية والشيعية دور في تغذيتها، إلا أن ذلك ما حدث في هذه المرحلة التي تعاظم فيها دور هذه المؤسسات. ولم ينحصر الفكر التمييزي الجديد في وجوده على النظريات بل تحول إلى ممارسة وسلوك سياسي من خلال الكثير من الفعاليات والتنظيمات السياسية.
لقد أصبح الفكر التمييزي الجديد إشكالية أخرى وتحديا يواجهه النظام السياسي البحريني، ويمكن القول إن هناك دورا ملحوظا للمؤسسات الدينية في إبرازه، وهذا كله يدفع إلى دراسته وتسليط الضوء عليه، واستشراف مستقبل هذا الفكر في النظام.
وللحديث صلة..
العدد 1076 - الثلثاء 16 أغسطس 2005م الموافق 11 رجب 1426هـ