في يوم الأربعاء الماضي أعلنت إيران عن فك أختام جميع أقسام منشأة اصفهان النووية "يو. سي.اف" وتحويلها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أكدت عن طريق المتحدثة باسمها مليسا فلمينغ أن أحدث المعطيات التي قدمها مفتشو الوكالة الموجودون في منشأة اصفهان تفيد بأن إيران "بدأت فعلا نشاطات نووية حساسة".
وعلى رغم أن ذلك القرار لاقى استنكارا من واشنطن والدول الأوروبية إلا أن الموقف الإيراني من الناحية القانونية غير مخالف باعتبار أنه جاء منسجما مع اتفاق باريس الموقع بين طهران والدول الأوروبية الثلاث والذي نص على أن إيران تقوم "طواعية" بتعليق تخصيب اليورانيوم بهدف زيادة الثقة بينها وبين الأوروبيين.
كذلك فإن القرار الإيراني جاء متزامنا مع انقضاء المهلة التي أعطتها إيران للدول الأوروبية المعنية لتقديم مقترحاتهم لها بغرض توقيع اتفاق طويل الأمد بين الطرفين ينهي حال الشك القائمة ويؤسس لشراكة اقتصادية واسعة. الأوروبيون وبعد إعلان طهران فك الأختام عن منشأة أصفهان سارعوا لتقديم المقترحات التي وعدوا بها والتي كانت ووفقا لتصريحات وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوستبلازي تتضمن مساندة طهران في تطوير برامج نووية لأغراض مدنية غير قابلة للنمو، كما تضمنت المقترحات إمكان جعل إيران كأحد الفاعلين الرئيسيين في قطاع نقل المواد النفطية من آسيا الوسطى إلى أوروبا بالإضافة إلى تقديم ضمانات على المستوى الأمني لاسيما ما يخص المسائل الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وبطبيعة الحال فإن هذه المقترحات لا تشكل اغراءا لإيران التي ليست بحاجة أصلا لتكنولوجية نووية خصوصا بعد توصلها إلى بحوث متقدمة في مجالات التخصيب وفي تصنيع أجهزة الطرد المركزي، أما مسألة جعل إيران محطة لإيصال نفط القوقاز إلى أوروبا فهو لا يحظى بأهمية استثنائية إذا ما تذكرنا أن إيران تمتلك امتياز الاتصال بالأسواق الدولية عبر البحار، وأفضل طريق لسكك الحديد وخطوط الأنابيب عبر بافق - مشهد أو جابهار لربط منطقة قزوين بالقارة الهندية واليابان والشرق الأدنى وحتى شمال وشرق أوروبا، بالإضافة إلى كل ذلك فإنها تقع بين مخزوني الشكل البيضوي الاستراتيجي للطاقة القزوينية البالغ حجمها 200 مليار برميل وهو ما يعطيها ميزة استراتيجية كبرى، وفي مجال التجارة مع أوروبا فإن طهران ومن خلال مسيرة محادثاتها في الحوار النقدي مع أوروبا والذي بدأ مع مطلع التسعينات من القرن الماضي استطاعت أن تجتذب آلاف الشركات الأوروبية للعمل في الأراضي الإيرانية حتى أصبحت أكثر من 85 في المئة من تجارتها مع خمس دول أوروبية، أما موضوع الضمانات الأمنية وهو ما تركز عليه إيران فإن الأمر لم يسو بعد؛ فمازالت واشنطن وتل أبيب تتحدثان عن ضربة عسكرية خاطفة لمنشآت إيران النووية ولمحطات إطلاق الصواريخ، كما أن أوروبا لم تتخذ ما يكفي من إجراءات ضد منظمة مجاهدي خلق الإرهابية "حث" وهو أمر نص عليه اتفاق باريس صراحة.
الإيرانيون ومنذ تفاهم سعد آباد ساروا في مفاوضات شاقة ومضنية استطاعوا من خلالها تأجيل رفع ملفهم النووي لمجلس الأمن لأكثر من سنتين كسبوا خلالها المزيد من الوقت وأقصى مساحة من المناورة لتقليص التنازلات والالتزامات، وهم في قرارهم الأخير رجعوا إلى اتفاقات أولية كانوا قد وقعوها مع الأوروبيين نهاية العام 2003 ولم يجر تصنيفها على أنها مخالفة لمعاهدة إن بي تي أو لمعاهدة سي تي بي تي أو حتى لاتفاق باريس لذلك فإن النشاط الذي أعقب نزع الأختام عن منشأة إصفهان ليس تخصيبا مباشرا لليورانيوم وإنما هو إنتاج مسحوق تترافلورور اليورانيوم "يو إف 4" الضروري لإنتاج اليورانيوم المخصب، وهذا المسحوق ينتج من الكعكة الصفراء وهي مادة تتضمن اليورانيوم بنسبة 70 في المئة وتشكل المرحلة ما قبل الأخيرة في التخصيب مباشرة قبل إنتاج غاز هكسافلورور اليورانيوم "يو إف 6" ليدخل مباشرة إلى أجهزة الطرد المركزي للحصول على يورانيوم مخصب يستخدم في المفاعلات النووية المدنية، وبما أن محطة بوشهر النووية خارجة عن سلسلة التفاهمات بين الإيرانيين والأوروبيين فإن اليورانيوم المستخرج من منجم ساغند سيتم تبديله إلى أوكسيد اليورانيوم الطبيعي بعد طي مراحل كيماوية سيتم الإفادة منه في المراحل الأخرى من دورة الوقود التي أقرها اتفاق باريس . الموقف الإيراني الآن يحاول كسب الوقت مستفيدا من الخلاف القائم بين الثلاثي الأوروبي وبين دول عدم الانحياز الداعم للموقف الإيراني والرافض لتوجيه تحذير أوروبي لإيران كي لا تستأنف أنشطتها النووية، ونحن بانتظار ما سيسفر عنه اجتماع الوكالة اليوم.
* كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1076 - الثلثاء 16 أغسطس 2005م الموافق 11 رجب 1426هـ