الإيدز من أخطر الأمراض المعدية فتكا بالإنسان لا يدعه إلا ميتا، وتكمن هذه الخطورة في كون هذا المرض يستقر في جهاز المناعة الذي خلقه الله للإنسان ينخره حتى يرديه قتيلا، بعد أن يبقى في جسمه مختفيا اثني عشر عاما تقريبا لا يعرف عنه وهو ينقل العدوى إلى الآخرين، ويتشابه معه في هذه الخصائص فيروس مرض الالتهاب الكبدي الوبائي "V. H.C. وفيروس مرض الإيدز تظهر أعراضه في المرحلة الأخيرة بعد أن يتغلغل في الدم وتلتهب به الرئة، ويعمل تورما وتضخما عند الرقبة وأسفل البطن مصحوبا بآلام شديدة.

وقد تم اكتشاف فيروس مرض الإيدز "H.I.V" في أميركا العام ،1983 والإيدز مرض يصاب به الرجال والنساء والأطفال، وقد أظهرت الإحصاءات العالمية التي أجريت أن ما يفوق أربعين مليونا مصابون به، وأنه يزداد بصورة سريعة مذهلة "خمسة آلاف شخص يصابون به يوميا" وتأتي أسباب الإيدز عمدية، أو غير إرادية. ومن أسباب الإيدز العمدية أن تنتقل العدوى عن طريق الممارسة الجنسية غير الطبيعية، أو الاتصال الجنسي، أو الشذوذ الجنسي، أو عن طريق الحقن عند مدمني المخدرات.

أما أسباب نقل فيروس الإيدز عن طريق الخطأ أو لا إرادي فتكمن في نقل الدم الملوث أو أثناء الغسيل الكلوي، أو نقل الدم إلى المريض المصاب في حوادث السيارات، وغيرها من الأسباب الأخرى.

ولكون المصاب به يعيش في عزلة تامة عن المجتمع محكوم عليه بالفشل والموت لا محالة عاجلا أم آجلا، فإنه يعيش متوتر الأعصاب مزهوق النفس، ويشكك الناس في سلوكاته وتربيته حتى لو كان المرض انتقل إليه بطريق لا إرادي ولا يرغب فيه كما أسلفنا، وتنظر إليه زوجته على أنه خان عهوده ومواثيقه معها وغدر بها قهرا، ومارس الجنس مع الآخرين سرا، وتنظر الزوجة إلى والدي المصاب على أنهما لم يربياه التربية الحسنة، ولم يهذبا أخلاقه، وأنهما تسترا على ممارسات ابنهما وتصرفاته وانحرافاته وخدعاها بالزواج منه، فكانت فريسة بعد أن كانت تأمل أن يكون زوجها فارس الأحلام يحيل حياتها إلى نعيم وسعادة، فكانت الواقعة أن تحولت حياتها إلى جحيم وتعاسة وكأن الحياة أصبحت نتنة في أنفها.

لهذا، فإن كثيرا من الأسر في وقتنا الحاضر عندما يريد أحد أبنائها أو بناتها أن يقترن بزواج تطلب منه مسبقا إجراء الفحص الطبي لمعرفة الموانع الممكن تجنبها من الأمراض الوراثية، وليس هذا فحسب بل لمعرفة ما إذا كان الزوج أو الزوجة مصابة بأي مرض آخر مثل الإيدز أو مرض الالتهاب الكبدي الوبائي، وحاضرا تحولت الفحوص من العيادات الخاصة إلى المستشفيات الحكومية، ويشترط الطبيب حضور الزوجين شخصيا وأخذ النتيجة منه فإذا وجد أي مرض أخطر الزوج أو الزوجة وعمل على حجز المصاب منعا للعدوى، فإذا رفض أحيل أمره إلى النيابة العامة لإجباره وتشكيل ضده دعوى جنائية إذا حدثت العدوى في فترة طويلة أدت إلى حصول عدوى، لكن بداية الفحص الطبي قبل الزواج أصبح إجباريا منذ العام 2004 في مملكة البحرين ولا ينعقد الزواج إلا بعد إجراء الفحص الطبي وبنجاح.

من جانب آخر، فإن حق الزوجة لا يسقط في طلب التفريق بينها وبين زوجها المصاب بمرض الإيدز، ومن حقها وحق الأولاد ذكورا وإناثا أن يطالبوا بتعويض عن أذى النفس وبإقامة دعوى لدى المحاكم سواء كان نقل المرض المعدي بفيروس الإيدز تعمدا أو غير إرادي كما أوضحنا، وذلك تحت توافر شروط وعناصر المسئولية المدنية وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، ودعوى المسئولية المدنية التي تقام أمام المحاكم قد تكون مسئولية عقدية أو تقصيرية يقدر فيها القاضي التعويض وفق مقتضيات عادلة وتقديرات جابرة للضرر الذي يصيب المجني عليه في نفسه وأسرته.

وعلى رغم أن مملكة البحرين دخلها هذا المرض، وأن عدد الحاملين له 215 والمصابين 115 من كل مئة ألف حالة، أي بنسبة ،0,01 وقد صدر قرار واحد فقط العام 1990 عن وزير الصحة، وهو القرار رقم "4" بإضافة مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" إلى الأمراض المعدية الواجب التبليغ عنها، وقد حدد عقوبة عدم التبليغ عن هذا المرض بالحبس لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا وبغرامة لا تتجاوز 50 دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك استنادا إلى الجدول رقم "1" القسم الأول الملحق بالمرسوم بقانون رقم "14" لسنة 1977 في شأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية.

إلا أنه ومع ذلك، كان على المشرع في مملكة البحرين في ظل تزاحم الأجانب والعمالة الوافدة من الخارج نحتاج إلى حزام أمني ضد أمراض الإيدز بإدخال هذا المرض منهجيا في المدارس والجامعات وكليات الحقوق، وإصدار قانون ينص على تخصيص تعويض لضحايا الإيدز وتعريف للمرض وأسبابه ومسبباته وكيفية الكشف عنه وطرق الوقاية منه، ليكون المواطن على إدراك تام بما يحصل داخل محيطه الاجتماعي ليعيش عيشة هانئة مطمئنة.

والله المستعان والحافظ من الأمراض...

* محام بحرين