العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ

أميركا تستعد للهجوم على العراق والشارع العربي محبط

الفارق بين حرب الولايات المتحدة الأولى وحربها الثانية

تمام أبو صافي comments [at] alwasatnews.com

قبل أكثر من عشر سنوات وفي مثل هذا الوقت، كان العالم يترقب مهلة 17 يناير/كانون الثاني التي حددها مجلس الأمن الدولي للعراق لكي ينسحب من الكويت. والآن يترقب العالم أيضا بقلق يتصاعد يوما بعد آخر، موعد انتهاء عمليات التفتيش في العراق التي ستقرر في النهاية ما إذا كان العراق خاليا من أسلحة الدمار الشامل ام لا.

في ديسمبر/كانون الأول 1990 وديسمبر 2002، كانت الولايات المتحدة تستعد للحرب ضد العراق أيضا لكن الفارق كبير بين الموقف قبل اكثر من 11 سنة وبين الموقف الآن.

العراق لا يحتل الكويت مثلما كان عليه الوضع في العام 1991، كما ان التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الآن ضد العراق لا يشبه التحالف الدولي الواسع والكبير والقوي الذي كانت تقوده آنذاك. فالتحالف الآن كلمة أصبحت تقتصر في معانيها على واشنطن ولندن.

كان العراق قبل 11 سنة، مازال يتمتع بقوة عسكرية كبيرة وضعته في مرتبة القوة الخامسة في العالم بعد حربه الطويلة مع إيران. وكان الجيش العراقي وقتها يحتل ارض جارته الكويت وهو موقف اسهم في توحيد العالم ضده ووفر مبررات أخلاقية وسياسية قوية لكي يتوحد العالم ضده. كانت الحرب التي تعد لها الولايات المتحدة آنذاك تمتلك هذه المبررات الأخلاقية والسياسية التي تنطلق من قاعدة عدم جواز الاستيلاء على أراض الغير بالقوة.

أسهم هذا المبرر الأخلاقي في قيام تحالف دولي متماسك ضد العراق إلى نهاية الحرب. لكن الصورة الآن على العكس تماما. فالولايات المتحدة عجزت حتى الوقت الحاضر عن تشكيل تحالف سياسي او عسكري قوي بوجه العراق عدا بريطانيا. كما إنها واجهت اعتراضات قوية من الدول الكبرى الأخرى لمنعها من شن هذه الحرب منفردة من دون الرجوع إلى الأمم المتحدة. واستطاع العالم ان يحد من اندفاع الأميريكين لهذه الحرب وهو ما تجسد في اضطرار الولايات المتحدة للجوء إلى مجلس الامن واستصدار القرار 1441.

لكن اليوم وبعد 11 سنة من الحصار، لم يعد العراق يملك القوة نفسها مهما كثر الحديث عن محاولاته لإعادة بناء قوته العسكرية.

كما ان الخطاب السياسي العراقي نفسه تغير أيضا على رغم بقاء بعض مفردات التفاخر والتأكيد على الاستعداد لأية حرب. ففي ظل الحصار والمعاناة التي يعيشها الشعب العراقي، وفي ظل إدراك رأس النظام بأنه مستهدف في بقائه، اصبح الهم الأساسي للنظام هو محاولة تجنب أية ضربة عسكرية أميركية محتملة تهدف الى إسقاط النظام وتغيير وجه الحكم، وهذ ما دفع العراق للقبول بقرار الامم المتحدة رقم 1441 القاضي بالعودة غير المشروطة لمفتشي الامم المتحدة الى العراق للقيام بعمليات تفتيش جديدة.

ان واشنطن تتهم العراق باخفاء أسلحة دمار شامل وليس باحتلال بلد آخر، كما تحاول جاهدة ان تثبت صلة مفترضة بينه وبين الارهاب.

واذا كان اثبات خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل مهمة انيطت بالامم المتحدة عبر فرق التفتيش، فان هذا يسحب من واشنطن ذرائع العمل العسكري. لان عمليات التفتيش يمكن ان تستمر إلى ان يتم التحقق من خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل. وهذه مسألة يمكن الانتهاء منها في زمن محدد، فليس من المعقول ان يخفي العراق اسلحة كهذه بعد سنوات من عمليات تفتيش التي بدأت في العام 1991 وتوقفت في 1998 وتمت معاودتها الآن. وحتى اليوم، عجزت الولايات المتحدة عن تقديم دليل واحد مقنع للعالم عن صلات مزعومة بين العراق وتنظيم القاعدة مثلا. وتبدو المحاولات الأميركية في هذا الشأن ضربا من العبث.

بيد أن الأجواء العامة في الشارع العربي أصبحت هي أيضا مختلفة عما كانت عليه قبل 11 عاما.

الشارع العربي فقد الكثير من حساسيته وحماسه تجاه موضوع الحرب على العراق مقارنة بما كان يجري قبل وأثناء حرب الخليج الثانية. في العام 1991، كان مطلوبا أن ينسحب العراق من الكويت وان تستعيد الكويت سيادتها، لكن المفارقة الآن أن الحرب التي يجري التحضير لها ضد العراق ستترتب عليها نتائج أكثر خطورة من سابقتها، لكن الشارع العربي في سكون تام وكأنه سلم بالأمر.

فهذه الحرب ليست إلا بداية لتغير الخريطة السياسية وتفتيت العراق واحتمال دخوله في حرب أهلية وهو احتمال لا يجب التقليل من شأنه في ظل تشتت المعارضة العراقية وعدم وضوح البديل المطروح بعد سقوط النظام الحالي. وليس من دليل يمكن أن يعزز مثل هذا الاحتمال سوى ما جرى في مؤتمر المعارضة العراقية الأخير في لندن اذ أظهرت وقائع المؤتمر وحوادثه وتطوراته وخلافات فصائل وشخصيات المعارضة أن المهمة صعبة أمام هكذا معارضة لاتزال تفكر بعقلية الحصص.

لقد ضعفت عزيمة الشارع العربي على ما يبدو جراء الانتظار الطويل لازمة ظلت معلقة منذ العام 1991. وبفعل الأزمات التي نشبت بين العراق من ناحية والأمم المتحدة من ناحية أخرى طوال الأعوام الماضية، يبدو ان تعاقب الازمات اثر في صبر وعزيمة العرب. بدءا من أزمة 29 اكتوبر/ تشرين الاول 1997 حين قام العراق بإبعاد مفتشين أميركيين أعضاء في فريق لجنة الأمم الخاصة (اليونسكو) قبل ان يعودوا في 20 نوفمبر /تشرين الثاني من العام نفسه. ثم ازمة 13 يناير/كانون الثاني 1998 التي اطلق عليها ازمة القصور الرئاسية، حين علق العراق تعاونه مع المفتشين بدعوى ان معظم اعضاء الفريق من الأميركيين والبريطانيين. وبعدها بأسبوع منعوا من الوصول إلى مواقع رئاسية.

وفي شهر شباط/فبراير من العام نفسه، جاء إعلان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عن عدم ثقته في تعاون العراق التام لتسهيل عودة المفتشين بداية لازمة أخرى تمثلت بوقف العراق أشكال التعاون جميعها مع بعثة الأمم المتحدة الخاصة، ما حدا بالأمم المتحدة إلى ترحيل كافة أعضائها بعدما أعلنت ان العراق غير متعاون بالصورة المطلوبة.

هذه الأزمات افقدت الشارع العربي الكثير الصبر وأسهمت في تآكل الموقف العربي الذي تبلور طوال السنوات الـ 11 الماضية من العراق، وهو موقف ظل يؤثر بقوة في خطط واشنطن لشن أية ضربات ضد العراق.

لقد كان الرأي العام العربي المعارض لأية حرب ضد العراق وحملات التضامن التي كانت تتصاعد في البلدان العربية كلها والتقارب الذي أبدته الكثير من الحكومات العربية حيال العراق ومحاولة مساعدته على فك عزلته العربية والدولية، كلها عوامل أثرت بقوة في موقف الإدارات الاميركية السابقة من فكرة الحرب على العراق.

ان الشيء نفسه يحدث بالنسبة إلى الموقف العربي رسميا وشعبيا من القضية الفلسطينية أيضا على رغم تصاعد شراسة الهجمة التي تشنها آلة شارون العسكرية ضد الشعب الفلسطيني.

ربما هو الخوف افقدنا شهيتنا السياسية بحكم إيماننا بأن الحوادث الماضية والحاضرة والآتية تبدو مثل مخطط قد درس ووضع من قبل الولايات المتحدة وان اعتراضنا عليه بات أمرا يأتي في الوقت الضائع

العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً