اختتم الرئيس بشار الأسد زيارته الى لندن، اعقبتها زيارة سريعة للعاصمة الفرنسية باريس، وفي العاصمتين بحث الرئيس الأسد في قضايا هي الأكثر سخونة في السياسة الدولية، وهي القضية العراقية، والصراع العربي - الاسرائيلي، والحرب على «الإرهاب» وثلاثتها ذات تأثير مباشر في البعدين الحالي والمستقبلي على سورية والمنطقة.
ونتائج الزيارتين، كانت متوقعة في اطارها العام من حيث تأكيد الخلافات بين السياستين البريطانية والسورية من جهة، والتوافقات الجزئية بين السياستين السورية والفرنسية في القضايا المدرجة على جدول الزيارتين.
ففي محادثات الأسد مع طوني بلير، تبلورت الخلافات في ثلاثة خلاصات، أولها أن سورية تعتقد، وتسعى لحل سياسي للقضية العراقية، يستبعد الحرب خصوصا خارج اطار قرار دولي، بينما تؤيد بريطانيا الحرب على العراق ولو من جانب الولايات المتحدة وبمشاركتها، والخلاصة الثانية، وجود مفهومين لمعنى الارهاب وتجسيداته، ففي حين ترى بريطانيا، ان مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الاسرائيلي، تندرج في اطار الارهاب، تؤيد سورية تلك المقاومة، وتصر على ابقاء «المكاتب الاعلامية» للمنظمات الفلسطينية مفتوحة في دمشق، بخلاف الموقف البريطاني الذي يرى فيها مكاتب «منظمات ارهابية» ينبغي اغلاقها.
اما الخلاصة الثالثة في الخلافات، فهي الموقف من القرارات الدولية، التي ترى سورية ان تنفيذها يعالج ويحل مشكلات المنطقة من القضية العراقية الى القضية الفلسطينية، محور الصراع العربي - الاسرائيلي، وهو توجه لا توافق عليه بريطانيا، التي ترى ضرورة الفصل بين القضية الفلسطينية (وتاليا بين الصراع العربي - الاسرائيلي) والقضية العراقية على صعيد القرارات الدولية وضرورة تنفيذها.
اما في قمة باريس العاجلة، التي ركزت على الشرق الاوسط وموضوع العراق، فقد ظهرت فيها تقاطعات في المواقف السورية - الفرنسية، كان بينها تأكيد الرئيس الفرنسي لضيفه السوري ثلاث نقاط: تأكيد الموقف الرسمي من القرار الدولي وأسلحة الدمار، العودة الى مجلس الأمن في حال طرأت تطورات في القضية العراقية، وانه مازال من الممكن تجنب وقوع الحرب، وهذه النقاط تتوافق مع الموقف السوري الذي يعارض سياسة الكيل بمكيالين في موضوع القرارات الدولية وتطبيقها، وكان تأكيد الرئيس جاك شيراك للرئيس الأسد، ان فرنسا تعمل لعدم الكيل بمكيالين بالنسبة إلى تطبيق القرارات الدولية، امر في غاية الاهمية.
وعلى رغم ان الزيارتين، أكدتا ما كان معروفا، فقد كانت لهما نتائج اخرى لا يمكن اغفالها، او تجاوزها، ولعل الاهم في تلك النتائج، ان الزيارتين عززتا نهج الحوار بشأن القضايا الساخنة في المنطقة، سواء من اذ فتح بوابة الحوار شبه المغلق بين سورية وبريطانيا، او الحوار الذي يحتاج الى متابعة وتعزيز بين سورية وفرنسا. ومن شأن هذا التوجه، تأكيد انه مازال امام الدول فرص من اجل ايجاد حلول للمشكلات غير فرص الحرب، التي تتبعها السياسة الأميركية وخصوصا في التعامل مع الموضوع العراقي.
وزيارة الأسد للندن في احد جوانبها، تمثل فتحا لبوابة تحسين العلاقات الثنائية السورية - البريطانية، والموصوفة بأنها علاقات مأزومة منذ نحو 15 عاما، بينما زيارة باريس من شأنها تقوية العلاقات الفرنسية - السورية، التي صدرت بصددها عدة اشارات تقدم، خلال السنوات الاخيرة، كان آخرها، ما ترافق مع زيارة الرئيس شيراك للعاصمة السورية الشهر الماضي في اعقاب القمة الفرانكفونية في بيروت.
لكن الأهم في زيارتي الأسد للندن وباريس، مجيئها في سياق تحرك سوري رئاسي على المستويين العربي والدولي من اجل شرح الموقف السوري خصوصا والعربي عموما حيال التطورات الحاصلة في المنطقة وخصوصا القضية العراقية والاوضاع في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وفي هذا السياق، تأتي الزيارات التي شهدتها العاصمة السورية للكثير من قادة ومسئولي الدول العربية والاجنبية الذين التقوا الأسد، وكذلك زياراته الاخيرة وكلها تضاف الى المشاورات التي تتواصل بصورة مستمرة بين دمشق وبعض العواصم العربية والاجنبية.
وعى رغم ان التحرك السوري النشط من اجل ابعاد شبح الحرب على العراق والمنطقة، والسعي نحو حل عادل ودائم للصراع العربي - الاسرائيلي، سيظل محكوما بمعادلات القوة العسكرية والسياسية، التي تتحكم بها الولايات المتحدة واسرائيل، فإنه من غير المنطقي، الركون الى الهدوء في منطقة هي قاب قوسين أو ادنى من العاصفة، التي قد تحملها حرب أميركية على العراق
العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ