جدل هائل يدور حاليا في الأوساط الأكاديمية الغربية بين المحللين والباحثين السياسيين حول ما ستقبل عليه المملكة العربية السعودية من تغييرات وتحولات على صعيد السياسات الداخلية والخارجية بعد رحيل الملك فهد وتولي الملك عبدالله مقاليد الحكم. ويمكن رصد بعض الأطروحات التي لفتت انتباهي منذ نحو أسبوعين في الآتي:
أولا - القنبلة النووية السعودية:
مجموعة كبيرة من الباحثين والمحللين السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا ناقشوا خلال الأيام الماضية فكرة طرحها الكاتب الأميركي لورانس رايت من مجلة "النيويوركر" عندما أثار سؤالا مهما، وهو: هل تمتلك السعودية قنبلة نووية؟
تباينت ردود أفعال الباحثين، فهناك من يرى أن الرياض لم تمتلك حتى الآن قنبلة نووية، وآخرون قالوا إن لديها طموحات في هذا الشأن. في حين أشار البعض إلى أن السعودية امتلكت القنبلة النووية من خلال دعمها وتمويلها لبرامج الأبحاث النووية في باكستان والتي تمخض عنها دخول إسلام آباد النادي النووي الدولي.
ثانيا - النظام السياسي السعودي الجديد والإرهاب الإثنو-طائفي:
كتب الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية روبرت بير مقالا لمجلة "نيوزويك" الدولية التي ستصدر في الخامس عشر من الشهر الجاري. وتضمن المقال تحليلا جديدا، ورؤية مختلفة لمستقبل المملكة العربية السعودية. وملخص المقال أن هناك نحو 1200 إرهابي تسللوا عبر الحدود السورية إلى العراق منذ بداية الغزو الأميركي البريطاني خلال النصف الأول من العام ،2003 و85 في المئة من إجمالي هؤلاء سعوديون، أي 1020 سعوديا تسللوا إلى الأراضي العراقية، ويقومون حاليا بأعمال إرهابية.
وأشار الكاتب إلى هؤلاء قدموا إلى بغداد من أجل محاربة الغزاة الكفار، وكذلك الجماعات الإثنو طائفية التي تختلف معهم مذهبيا. وطرح تساؤلا، ورسم سيناريو مستقبليا، وهو: ماذا سيحدث في الأراضي السعودية عندما يعود هؤلاء إلى بلدهم بعد انتهاء الصراع في العراق؟ أو متى ما قرروا العودة إلى الرياض؟ وخصوصا أن هناك الآلاف من مناصريهم في الانتظار؟
طبعا، لم يتمكن الكاتب من الإجابة عن هذه التساؤلات بشكل واضح، ولكنه قدم تحليلا لمستقبل الصراع في المنطقة، وهو صراع إثنو طائفي يقوم بين القوى السنية من جهة، والقوى الشيعية من جهة أخرى
الأطروحات السابقة كلها تتعلق بمستقبل الأوضاع في المنطقة، ولكنها حتما مرتبطة بطبيعة الأوضاع في النظام السياسي السعودي. ولكن ما يعنينا الآن، هو تزامن الأطروحات المتعلقة بالقنبلة النووية السعودية، مع تقديم تحليل بشأن مستقبل الصراع الإثنو طائفي في المنطقة، للرياض دور مركزي فيه، مع بروز تحول جديد بانتقال السلطة إلى الملك الجديد في السعودية.
أعتقد أنه يمكن ربط جميع هذه المعطيات في سياق واحد، وهو أنه إذا درسنا الصراع الإثنو طائفي الذي تعيشه منطقة الخليج حاليا، وتتأزم حوادثه منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق، وتم ربطه بالأطروحات الغربية بشأن مساعي السعودية لامتلاك أسلحة دمار شامل، وباحتمالات ظهور تحديات أمنية وسياسية داخل بلدان الخليج، فإن المحصلة النهائية أنها تحدد الآلية التي ستتم من خلالها إعادة رسم منطقة الخليج، وإعادة هيكلة النظام الإقليمي الخليجي.
وهنا، نحن لا نتحدث عن مستقبل السعودية فحسب، أو نتحدث عن مستقبل الطائفة السنية أو الطائفة الشيعية. وإنما الخطر المقبل لن يكون مرتبطا بذلك أبدا، وإنما هي وسائل لإعادة تشكيل دول الخليج كل على حدة. ليس من المهم الحديث عن المؤامرات الغربية أو الأميركية، وإنما الأهم من ذلك هو كيفية التعامل مع المتغيرات الحالية للحيلولة قدر الإمكان من تأثير المخططات الغربية تجاه المنطقة. ومن أهم الحلول الناجعة الاستمرار في المزيد من الإصلاح السياسي والاقتصادي بما يتماشى مع إحداث التوازن الإثنو-طائفي
العدد 1069 - الثلثاء 09 أغسطس 2005م الموافق 04 رجب 1426هـ