مازال الكثير من الحوادث في التاريخ السياسي البحريني غامضة، فضلا عن وجود الكثير من المعلومات والحقائق غير المعروفة، الأمر الذي جعل القارئين للتاريخ البحريني يقدمون تصوراتهم في أحايين عدة من دون أدنى استناد إلى وثائق تاريخية، أو شهادات وروايات من شهود على التاريخ.
وطبعا، فإن البحث التاريخي من شأنه أن يفسر الكثير من الظواهر والإشكالات التي يواجهها النظام السياسي البحريني في الفترة الحالية. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن أكثر من كتب عن البحرين وتاريخها هم البريطانيون بحكم احتلالهم الطويل لأرخبيل البلاد من الناحية التاريخية، ويزخر أرشيفهم بالآلاف من الوثائق التي مازالت بحاجة إلى كشف وبحث ودراسة وتحليل لبيان الحقيقة لشعب البحرين إزاء تاريخنا السياسي الغامض.
وما يدفع إلى القول بذلك، تزايد عدد الدراسات التاريخية البحرينية التي تعتمد على تحليلات ومرئيات تشوبها الطائفية، إذ تسعى بعض الأقلام إلى تأريخ الحوادث وفق منظور طائفي صرف، والهدف من ذلك تأكيد أحقية طائفة من دون أخرى في هذا البلد وممتلكاته وثرواته وحتى حكمه وسيادته، كما هو الحال بالنسبة إلى خرافة "سكان البحرين الأصليين".
أخيرا، اطلعت على تقرير مهم صادر خلال العام 1958 عن المعهد الملكي للشئون الدولية، ومقره العاصمة البريطانية "لندن"، وهو بعنوان: "الشرق الأوسط: دراسة سياسية واقتصادية"، قام بتحرير هذا الكتاب ريدر بولارد، وتكفلت بطباعته ونشره مطبعة جامعة أكسفورد. الكتاب غني بالحقائق والأرقام والحوادث التي كانت حديثة للغاية وقت صدور الكتاب الذي يعد بمثابة تقرير سنوي يصدر عن المعهد الملكي.
من أبرز ما لفت انتباهي استعراض الكتاب لحوادث هيئة الاتحاد الوطني التي شهدتها البحرين في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وتناولت علاقة الهيئة بالسلطة والدور البريطاني فيها بشكل موضوعي من النادر أن يوجد في الأدبيات البريطانية.
أما القضية الأخرى، وهي الأهم فقد كانت عن المطالبات الفارسية بجزر البحرين من بريطانيا، وتحدث الكتاب بشيء من التفصيل عن بداية ظهور تلك المطالبات، فقد أشار إلى أن المطالبة الفارسية في بدايتها اعتمدت بشكل رئيسي على إحدى الملاحظات البريطانية المدونة التي تعود إلى يوم 27 ابريل/ نيسان ،1869 وقد كتبها كلاريندون واعترف فيها بسيادة إيران على جزر البحرين. وقد اعتمدت إيران على هذه الوثيقة عندما تقدمت إلى عصبة الأمم في العام ،1927 وكذلك في السنوات اللاحقة، وخصوصا عندما أعلنت معارضتها لتوقيع معاهدة بريطانية - أميركية مع الملك عبدالعزيز آل سعود تلزم الأخير بعدم التدخل في شئون البحرين، وشئون الإمارات الخليجية الأخرى. وفي وقت لاحق، وتحديدا خلال الأعوام 1930 - 1934 كررت إيران معارضتها لمنح حاكم البحرين الامتيازات النفطية للشركات الغربية. وتتوالى الحوادث والتفاصيل التاريخية، إلا أن الكتاب يؤكد، وهو صادر في العام ،1958 أنه على رغم تزايد المطالبات الفارسية بالبحرين، فإن شعب البحرين أبدى تحفظه على جميع المطالبات الفارسية التاريخية بسيادتها على أراضي وطنهم.
العبرة بعد السياق السابق، هو أن ثمة حوادث وحقائق مازالت غير واضحة للمواطن البحريني العادي، فجميع المواطنين لديهم إلمام بكيفية حصول البلاد على الاستقلال من خلال ابتعاث لجنة دولية لتقصي الحقائق والتعرف على رأي الشعب منه، ولكن من غير المعروف للجميع الدوافع والخلفيات التاريخية التي أدت إلى إنهاء المطالبات الإيرانية بأرخبيل البحرين. من هنا ينبغي على الباحثين السعي نحو سبر أغوار التاريخ السياسي البحريني بعيدا عن التوجهات الطائفية، أو المساعي الإقصائية لدراسة التاريخ من منظور أحادي صرف بغية تحقيق مكاسب فئوية لا أكثر، على أن تستند تلك الجهود إلى المصادر الرئيسية في كتابة أي تاريخ
العدد 1066 - السبت 06 أغسطس 2005م الموافق 01 رجب 1426هـ