لا أخالني سأطرق بابا جديدا في هذه المساحة المشاكسة التي تركها لي معد الصفحة جعفر الجمري، حين اختار الخلود للراحة بعض الوقت في اجازة قصيرة، وألقى علي عبء هذه الصفحة الشيقة ذات الحضور الآسر.

ولكنني لطالما فكرت يوما في مقال أعرض فيه شيئا من الملاحظات التي جمعتها من خلال تلك اللقاءات التي حظيت بالمتابعة والتي استطاعت فيها ريضان أن تكوان جسورا حقيقية بينها وبين الشعراء الشعبيين في البحرين.

ان أول ما يتبادر الى ذهني بهذا الشأن هو سؤال لايزال ينتظر الإجابة. سؤال مفاده الحديث عن الشعراء الشعبيين والقراءة. وكنت قد سمعت من أحد شعراء الفصحى تعليقا يؤكد فيه أن الشعراء الشعبيين لا يقرأون. سبحان الله فكيف يدونون أفكارهم وكيف يطورون من مستوياتهم فضلا عن الحفاظ عليها اذا لم يكونوا يقرأون؟!

كان ذلك قبل اللقاءات التي أجريتها مع مجموعة منهم ولكن بعد تلك اللقاءات قر في نفسي أن القليل منهم من يقرأ! لا أعني صورة القراءة المعتادة، فالكثيرون يقرأون لاشك إلى جانب أن وسائل الاتصال اليوم حققت الكثير من المعلومة وانما قصدت صورة أخرى للقراءة حينما يحاول الشاعر أن تكون له رؤية ومنهجا يتحرك فيه ومن خلاله وليس أن يكتفي بأوزان وقافية جميلة ثم لا يمتلك أفقا رحبا قادرا على اقتناص الكثير من الزوايا.

أمر آخر - ولست هنا في معرض الإشارة إلى أحد - وانما هي ملاحظة عامة تتعلق بالنظرة الدونية بين الشعراء وكأنما هم داخلون في حرب لا هوادة فيها فاما أن أنتصر وأما أن أهزم. والحال أنك حتى تكون منصفا يلزمك ألا تغفل عن نفسك فتترك لها الحبل على الغارب توجه ما تكتب وكأنك عندما تكتب تحاول التنظير لأفكارك التي تخدم ما تكتبه أنت لا ما يمليه عليك عقلك وثقافتك. وعندها لن تستطيع أن تحظى باحترام الناس. فالناس يمتلكون ما تملك إذ أن لهم عقولا يعون بها وآذانا يسمعون بها. أما أن تعتقد بأنك الوحيد القادر على كتابة قصيدة أو مقال ورمي بالناس بالعجز والفشل وعدم القدرة على الاجادة وانما هم صفوف متأخرة عن تجربتك فذلك أمر لا أخال أحدا من الناس لا يعلم بخطورته عليك.

وقد وقف في زمن قديم الشاعر البحتري وأخذ بالقاء قصيدته في المتوكل العباسي. حتى اذا بلغ بعض أبياتها قال لنفسه بزهو أمام الحاضرين: "لقد أبدعت". وبعد عدة أبيات أخرى قال: "أي والله لقد أبدعت" فلم يجد المتوكل مناصا من أن يوعز الى أحد الشعراء الجالسين بأن يهجو البحتري فهجاه.

وكان ذلك البحتري الذي يشبه شعره بسلاسل الذهب فما بالنا بشعراء - وليس كل العشراء - كلما كتبوا حرفا ظنوا أنفسهم أسياد الشعر