العدد 1063 - الأربعاء 03 أغسطس 2005م الموافق 27 جمادى الآخرة 1426هـ

"إسرائيل" تقوم بدور بارز في المنافسة على التسلح في العالم

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

حصل تقارب جديد بين فرنسا و"إسرائيل" على إثر الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لباريس في شهر يوليو/تموز الماضي. قبل الزيارة كانت فرنسا غاضبة على "إسرائيل" ليس فقط بسبب ممارساتها ضد الفلسطينيين وإنما وربما بصورة أكبر بسبب بيعها أسلحة إلى دولة ساحل العاج. ليست هذه أول مرة تتعرض "إسرائيل" لانتقادات بسبب دورها الريادي في بيع الأسلحة في مناطق تسودها نزاعات مسلحة.

وكانت القوات الفرنسية المتمركزة في ساحل العاج والمكلفة بحفظ السلام بين النظام وجماعات المتمردين، قد تعرضت إلى صدمة كبيرة مفاجئة حين راقبت طائرات حربية تابعة للنظام بالإغارة على مواقع للمتمردين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وأصابت أهدافها القاتلة بدقة. وراقب الفرنسيون قبل بدء الغارات الجوية كيف تم استخدام طائرات تجسس إسرائيلية من صنع إسرائيلي تطير من دون طيار، للتحليق فوق مناطق المتمردين ورصد عدد من الأهداف.

وفقا لمراقبين غربيين بحث المسئولون الفرنسيون مع شارون هذه المشكلة ويبدو أن المحادثات التي تمت بشأنها سرعان ما أدت إلى نتائج. فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها مستعدة للتعاون مع لجنة تحقيق تابعة لهيئة الأمم المتحدة تعمل في وضع تقرير عن إرسال أسلحة إسرائيلية إلى دولة ساحل العاج. قبل أيام قليلة تم أول اجتماع بين وفد الأمم المتحدة وممثلين تابعين لوزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليتين شارك فيها أيضا ممثلو شركات تصنيع السلاح في "إسرائيل".

طلبت وزارة الخارجية الإسرائيلية خلال الاجتماع أن يجري الأخذ في الاعتبار النتائج السياسية لعمليات بيع الأسلحة وخصوصا أن فرنسا شكت للحكومة الإسرائيلية مرارا أن قواتها في ساحل العاج هوجمت أكثر من مرة بأسلحة من بينها إسرائيلية الصنع. استغلت "إسرائيل" المشكلة كي يحصل تقارب سياسي جديد مع باريس التي يتهمها الإسرائيليون بتحيزها إلى صف العرب في عهد الرئيس جاك شيراك وزعمت أنها فرضت حظرا رسميا على إرسال السلاح للدولة الإفريقية لكن هذا لم يمنع من مواصلة "إسرائيل" تزويد ساحل العاج بأسلحة.

هذا ما تؤكده تقارير مؤسسات دولية تراقب مبيعات الأسلحة في العالم. قال أحد الخبراء إن "إسرائيل" حققت قفزة كبيرة بين مجموعة البلدان المصدرة للأسلحة وهي تنافس أبرز البلدان المصدرة في بعض مناطق النزاعات. ولا تصدر "إسرائيل" أسلحة من صنعها فحسب فقد شكا الألمان لها سرا أكثر من مرة من أن أسلحة تقدمها لها ألمانيا تنتهي في دول ثالثة. هذه النشاطات المريبة التي تقوم بها "إسرائيل" تسهم وفقا لبيانات مؤسسة أبحاث السلام السويدية SIPRI في زيادة التسلح في العالم. واتهمت هذه المؤسسة التي يقع مقرها في مدينة ستوكهولم الولايات المتحدة الأميركية بإعادة أجواء الحرب الباردة من خلال بلوغ صادراتها من الأسلحة أعلى معدل منذ أن أعلن عن نهاية الحرب الباردة. ليست هناك بيانات محددة عن قيمة الأموال التي جنتها "إسرائيل" نتيجة بيع الأسلحة لأنها تنفذ هذه العمليات سرا. لكن مؤسسة "سيبري" ذكرت أن قيمة الأموال التي صرفتها دول العالم على شراء أسلحة جديدة بلغت في نهاية العام الماضي نحو 840 مليار يورو. حصلت الولايات المتحدة على حصة الأسد "47 في المئة". من يطالع الكتاب السنوي الذي أصدرته مؤسسة "سيبري" يعتريه شعور بأن الحرب الباردة عادت من جديد.

منذ العام 2002 زادت إنفاق الأسلحة لدول العالم نسبة ستة في المئة وكانت هذه الدول قد أقبلت على شراء كميات كبيرة من الأسلحة في أوج مرحلة سباق التسلح في العام 1988/.1989 يرى المحللون في مؤسسة "سيبري" كسبب لزيادة التسلح استمرار واتساع رقعة ما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب. في الولايات المتحدة وحدها زادت قيمة الإنفاق عشرة في المئة وبلغت قيمة المبالغ الإضافية التي استخدمت في الحرب المناهضة للإرهاب من العام 2003 حتى الربع الأول من العام 2005 ما يزيد على 238 مليار دولار. رافق هذا التطور ارتفاعا عاليا في الإنفاق على الأسلحة في إفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا. بينما يشير المحللون في مؤسسات أبحاث السلام بألمانيا إلى أن حرب العراق زادت الإرهاب، فإن المحللين في مؤسسة "سيبري" يشيرون إلى أن غزو هذا البلد العربي أدى أيضا إلى زيادة الإنفاق الكبير على أسلحة الجيش الأميركي. ورأت مديرة مؤسسة "سيبري" أليسون بايلز سبب زيادة حجم الكلفة الأميركية في عدم حصول واشنطن على مساندة لحرب العراق من قبل الأمم المتحدة.

لكن ليست الولايات المتحدة فقط زادت إنفاقها على أسلحة جديدة. فقد زادت دول في جنوب آسيا حجم الأموال لشراء أسلحة خلال العام الماضي بنسبة 14 في المئة زيادة عن العام الذي سبقه. تلوم مؤسسة "سيبري" الصين والهند على هذا التطور بفعل الجهود التي تقومان بها لتصبحا قوتين عظميين في المنطقة. كما زادت قيمة الإنفاق على الأسلحة والجيوش في دول شمال إفريقيا بنسبة 12 في المئة وبصورة تزيد عن الزيادة التي تحققت في الولايات المتحدة نفسها. في المقابل انخفضت معدلات الإنفاق على الأسلحة في أوروبا من 210 مليارات يورو في العام 2003 إلى 208 مليارات يورو في العام الماضي. وفقا لبيانات مؤسسة "سيبري" شهد العالم في العام 2004 تسع عشرة حربا كبيرة. باستثناء الحرب ضد "القاعدة" وحرب العراق والنزاع في دارفور فإن عمر النزاعات المسلحة الأخرى يزيد على عشر سنوات. وقالت أليسون بايلز إنه كلما طال أمد نزاع عسكري زاد عدم اكتراث الرأي العام العالمي به.

على قول المثل "مصائب قوم عند قوم فوائد" فإن الزيادة المرتفعة للأموال التي صرفت لشراء أسلحة جديدة زادت أرباح صناعة الأسلحة. أصبحت شركات أميركية منتجة للأسلحة مثل بيشتل وهاليبيرتون التي كان يعمل فيها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، فاحشة الثراء لأن حصة الولايات المتحدة في سوق السلاح العالمية بلغت الثلثين. كذلك روسيا المرشحة لتصبح أكبر بلد مصدر للأسلحة كما تحاول ألمانيا الحصول على مكان بين كبار الدول المصدرة للأسلحة إذ بلغت قيمة الأسلحة التي باعتها في العام الماضي نحو مليار يورو وهكذا احتلت المركز الرابع بين المصدرين الكبار.

وفقا لأقوال محللين ألمان تنافس "إسرائيل" ألمانيا في سوق السلاح. وكانت برلين قد زودت "إسرائيل" بكميات كبيرة من أسلحة جيش ألمانيا الشرقية بعد إعادة توحيد شقيها وقامت "إسرائيل" ببيع هذه الأسلحة. غير أن الدولة العبرية تحرص على بيع الأسلحة سرا ونادرا ما يجري الإعلان عن نشاطاتها العسكرية بصورة رسمية. في الغالب تبيع "إسرائيل" أسلحة عبر قنوات سرية لبلدان محظور تصدير أسلحة إليها وتواجه مقاطعة من قبل الأمم المتحدة أو البلدان الكبيرة المنتجة للأسلحة، لأسباب سياسية. غالبا ما عمل عسكريون إسرائيليون سابقون في هذه البلدان كخبراء عسكريين وأقاموا صلات تمهيدا لإبرام صفقات أسلحة. من أبرز الأدلة القضية المعروفة باسم قضية كونترا التي اشتركت فيها "إسرائيل" مع الولايات المتحدة في تزويد إيران وجماعة الكونترا المعارضة للحكم السانديني في نيكاراغوا بأسلحة أميركية وإسرائيلية في عقد الثمانينات. كما تزود "إسرائيل" بورما بالأسلحة والخبراء العسكريين على رغم مناهضة الغرب للنظام الحاكم في هذه الدولة الآسيوية الصغيرة. كما زودت "إسرائيل" جمهورية جنوب إفريقيا العنصرية بالسلاح والخبراء العسكريين وهي طرف في كل نزاع مسلح في إفريقيا وكان التحول السياسي في جمهورية جنوب إفريقيا ضربة لـ "إسرائيل" التي كانت تدعم النظام العنصري الذي كان يضطهد الغالبية السوداء. في العام 1999 تم اعتقال الضابط السابق في البحرية الإسرائيلية شيمعون نأور في رومانيا وكان يحاول تهريب أسلحة بيعت إلى أنجولا وتدخلت "إسرائيل" للإفراج عنه وتم الحكم عليه غيابيا بالسجن 7 سنوات. وفقا لتحقيقات قامت بها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ما زال نأور نشطا في ميدان بيع أسلحة إسرائيلية بصورة غير مشروعة.

في حالات أخرى انفردت "إسرائيل" بالتصرف وأحيانا من دون مشاورة ربيبتها الولايات المتحدة وقامت على سبيل المثال بتصدير أسلحة وطائرات من دون طيار إلى الهند والصين. في الغالب كانت تهديدات واشنطن تصطدم بآذان صماء في تل أبيب. تعتمد "إسرائيل" كثيرا على تصدير الأسلحة بمختلف الوسائل القانونية وغير القانونية لتغطي نفقات تحديث أنظمة الأسلحة التي تبيعها لدول في حلف الناتو.

إضافة إلى تحديث أنظمة سلاح الجيش التركي تتعاون "إسرائيل" عسكريا مع ألمانيا. وسجل العام 2003 أكبر ربح لصادرات الأسلحة الإسرائيلية إذ بلغ ثلاثة مليارات دولار واحتلت الدولة العبرية المركز الخامس بين أكبر الدول المصدرة للأسلحة في العالم. حتى لو قررت "إسرائيل" وقف إرسال الأسلحة إلى دولة ساحل العاج حرصا على علاقاتها مع فرنسا فإن "إسرائيل" ستبحث عن قناة أخرى لمواصلة بيع الأسلحة في إطار سياسة خاصة بها لا تجيز إرسال الأسلحة إلى مناطق النزاعات في العام بل تزود مختلف الفرقاء بخبراء عسكريين أنهوا خدمتهم في الجيش الإسرائيلي

العدد 1063 - الأربعاء 03 أغسطس 2005م الموافق 27 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً