العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ

واشنطن والرياض بعد وفاة الملك فهد

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لن تحتاج المراجع السياسية في واشنطن إلى القيام بمراجعة شاملة للعلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بسبب وفاة الملك فهد. أبرز سبب أن ولي العهد الأمير عبدالله كان قبل وفاة شقيقه بوقت طويل يدير شئون المملكة وتعرف خلال تلك الفترة على المسئولين في الإدارة الأميركية وأصبح كل طرف يعرف الآخر جيدا. هكذا توافرت فرصة للغرب كي يعتاد على مرحلة ما بعد وفاة الملك فهد. يعرف الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الملك الجديد منذ وقت وهو من الشخصيات التي حصلت على معاملة خاصة من الرئيس الأميركي الذي يستضيف الملك عبدالله بانتظام في مزرعته الخاصة في كروفورد بولاية تكساس. أبرز معالم هذه العلاقة الشخصية الأهمية الاستراتيجية لعلاقات الولايات المتحدة مع السعودية كون المملكة أهم حليف للقوة العظمى في العالم العربي على رغم تعرض هذه العلاقات لهزات.

تعود جذور العلاقات السعودية الأميركية إلى زمن بعيد. في عقد الثلاثينات جاء إلى المملكة علماء الطبيعة من الولايات المتحدة للتنقيب عن النفط. في الخمسينات والستينات ساهمت الولايات المتحدة في طبع العملة الورقية وتأسيس التلفزيون الوطني وشركة الخطوط الجوية. في تلك الحقبة أيضا كان هدف الولايات المتحدة ضمان حصولها على احتياجاتها من النفط من أكبر منتج في العالم والحصول على نفوذ سياسي في منطقة الخليج من خلال هذه العلاقات. الطرف السعودي كان يرغب أيضا في الحصول على التكنولوجيا واستثمارات أجنبية خاصة من الولايات المتحدة. كما كان السعوديون بحاجة إلى الحصول على حماية عسكرية من القوة العظمى وهي الفرصة التي استغلها الجانبان في العام 1990 بعد اجتياح العراق أراضي الكويت عندما وافق الملك فهد على انتشار قوات التحالف داخل أراضي المملكة والانطلاق من أراضيها لتحرير البلد الجار من الاحتلال العراقي.

غير أن هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 كان بمثابة ضربة قوية لهذه العلاقات خصوصا عقب الإعلان أن 15 من الذين نفذوا الهجوم كانوا يحملون جوازات سفر سعودية. ولأول مرة تعرضت السعودية لانتقادات قاسية من قبل سياسيين أميركيين ووسائل الإعلام الأميركية. في الولايات المتحدة وأوروبا أيضا بدأت مناقشات بشأن دور الوهابية في ظهور الإسلام المتطرف وموجة الجهاد ضد الغرب. حمل المنتقدون المملكة مسئولية تمويل منظمات خيرية إسلامية أشيع أنها تعمل في تمويل الإسلاميين. أوضحت المناقشات أن المراجع السياسية في واشنطن بدأت تدرك أن الحليف السعودي جزء من المشكلة وطرف في أول اعتداء تعرضت له الولايات المتحدة منذ هجمات اليابانيين على ميناء بيرل هاربر.

غير أن هذه الأزمة لم تؤد إلى قطيعة بين البلدين لكنها تركت بعض الأثر الذي يعبر عنه سلوك كل طرف تجاه الآخر. تبين للسعوديين أن موجة كراهية الولايات المتحدة في بلدهم لا تختلف عما عليه في سائر البلدان العربية، السبب الرئيسي انحياز واشنطن لـ "إسرائيل" بصورة دائمة. كذلك غزوها أفغانستان ثم العراق ما أدى إلى زيادة موجة الكراهية في العالم العربي. اضطرت السعودية إلى التجاوب مع الرأي الشعبي الذي قد يتهمها بالتواطؤ في غزو العراق وتغيير نظامه أن ترفض طلب الولايات المتحدة استخدام قواعدها العسكرية لشن الحملة العسكرية على العراق ما أدى إلى انسحاب عسكري كامل من أراضي السعودية في العام .2003

قبل وقت قصير اعترف المدير السابق لمجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة فلينت ليفريت بالخطأ الذي ارتكبته واشنطن بسحبها القوات الأميركية من السعودية ومساهمتها من خلال خطوة الانسحاب بتعزيز نفوذ الإسلاميين المتطرفين الذين يعبثون بأمن المملكة منذ عامين.

من وجهة نظر استراتيجية فإن غزو العراق زاد الطين بلة. إزاحة صدام حسين عن السلطة واستفحال دوامة العنف أصبحا عبئا على المملكة على رغم أن السعودية كانت تعتبر صدام تهديدا لأمنها وزال هذا الخطر بسقوط نظامه، غير أن المرحلة الجديدة في العراق لم تهدئ قلق السعوديين الذين يخشون الآن ظهور دولة ثانية بعد إيران تخضع لنفوذ الشيعة. وليس في صالح السعودية أيضا أن يتحول العراق بعد أفغانستان إلى مرتع للمقاتلين الإسلاميين الذين يصبون للمشاركة في حرب "الجهاد" وتعرض المملكة لاتهامات بأنها لا تفرض إجراءات لمنع تسلل "المجاهدين" من أراضيها إلى العراق.

بعد عودة الأفغان العرب وجد هؤلاء صعوبة في العيش في بلدانهم الأصلية وشكلوا تهديدا على الأنظمة. وأبرز دليل ظهور أبومصعب الزرقاوي في الأردن وأسامة بن لادن في السعودية.

بالنسبة إلى واشنطن فإن نقطة الضعف في علاقاتها مع السعودية عدم وجود نظام ديمقراطي على النمط الغربي في هذا البلد. إذ من أهداف الحرب المناهضة للإرهاب التي تقوم بها الولايات المتحدة منذ سنوات نشر الديمقراطية في العالم العربي وفي العالم الإسلامي. عندما زارت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس الرياض خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي استقبلت بفتور وسمعت من المسئولين السعوديين أن التقاليد السعودية لا تسمح بإملاء الأوامر من الخارج كي تنفذ المملكة الإصلاحات الأميركية. وسجلت الولايات المتحدة باهتمام الانتخابات البلدية التي شهدتها المملكة واقتصار انتقاد العملية الانتخابية على موضوع عدم المشاركة النسائية فيها. في حين هدأت الأمور على الصعيد الحكومي، استغلت منظمات غير حكومية في الولايات المتحدة موجة السكون واتهمت الحكومة السعودية باستخدام المساجد والمراكز الإسلامية في الولايات المتحدة لبث الحقد ضد غير المسلمين. كما اتهم مسئول كبير بوزارة المالية الأميركية السعوديين في شهادة أدلى بها أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، بالاستمرار في تمويل مؤسسات خاصة وأشخاص، وقال إن هذه الأموال تستخدم في تمويل عمليات إرهابية.

النفط والقواسم المشتركة

يشكل النفط القاعدة التي تقوم عليها العلاقات الأميركية السعودية، كانت المملكة حتى العام الماضي أكبر مصدر للنفط إلى الولايات المتحدة. لكن لا يفكر أحد في السعودية في استخدام النفط كسلاح مثلما فعل الملك فيصل في العام 1973 لأن للسعوديين أيضا مصلحة في الحصول على أموال طائلة. كما أن بوش لم ينجح في إقناع ولي العهد السعودي مطلع هذا العام كي تزيد المملكة نسبة الإنتاج لتلبية الطلب الكبير والمتزايد وذلك بهدف خفض سعر الوقود داخل الولايات المتحدة.

الهزات الطارئة على العلاقات بين الرياض وواشنطن والهجمة الإعلامية المستعرة ضد السعوديين، وظهور دول أخرى في الطريق لتصبح عظمى مثل الصين والهند جعلت السعوديين يدركون أن هناك شركاء غير الولايات المتحدة يريدون شراء النفط وبكميات ضخمة. ويجري التركيز بصورة خاصة على التعامل مع السوق الصينية.

ومن علامات تغيير العلاقات السعودية الأميركية استقالة السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان الذي أصبح والده وليا للعهد. والمعروف عن بندر أنه أمضى 22 عاما في منصبه وارتبط بعلاقة شخصية وطيدة مع الرئيس بوش ولعب دورا مهما في حرب العراق الأولى. أما الذي سيخلفه في منصبه فهو السفير السعودي في لندن الأمير تركي الفيصل والذي كان شغل سابقا منصب رئيس المخابرات السعودية واتهمته بعض الدوائر الغربية بإقامة صلات مع بن لادن، كما ورد اسمه ضمن أسماء الشخصيات السعودية التي رفعت عائلات ضحايا هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول دعوى شاملة ضدها، إلا أن المحكمة رفضت الدعوى. غير أن وسائل الإعلام الأميركية ستتسبب بهزة جديدة للعلاقات بين الرياض وواشنطن عند وصول السفير السعودي الجديد إلى واشنطن، إذ من المنتظر أن تستقبله وسائل الإعلام بحملة عن ماضيه، كما طلبت واشنطن منه أن يكشف صراحة عن حقيقة صلته السابقة مع بن لادن

العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً