يصور المشهد السياسي للبلد وبعد التصديق على مشروع قانون الجمعيات السياسية الذي يحمل روائح التهديد والوعيد للمشارك في العمل السياسي فالأمور في غالبيتها محظورة على الجمعيات السياسية باستثناء ميزة الاعتراف بكون الجمعيات السياسية مؤسسات تم تأسيسها لأجل العمل السياسي، المقيد طبعا بحزمة من المواد والبنود الضاغطة، أن السلطة تبيت نوايا محددة للقوى السياسية عموما وللمقاطعة للانتخابات النيابية خصوصا يمكن إجمالها في عدة احتمالات ممكنة يمكن استقصاؤها من خلال قراءتي للواقع وللمشهد السياسي والمعطيات الواردة في البلد ومن خلال التطورات السياسية على الساحة المحلية في الآونة الأخيرة نسوقها أمامكم لغرض التأمل فيها جيدا قبل الحكم عليها: يبدو أن السلطة تفكر أساسا في إقناع القوى السياسية المقاطعة للانتخابات النيابية السابقة 2002 بعدم إعادة النظر في قرارها وبالتالي البقاء على خيار المقاطعة كخيار نهائي جيد بالنسبة إلى السلطة وذلك لعدة أسباب من بينها التخلص من قوة المعارضة كقوة ضغط داخل البرلمان وبالتالي مزيد من المكاسب والانجازات، وهذا يعني المزيد من الضغوط على الحكومة من خلال تركيبة برلمانية أكثر قوة مما هي عليه الآن بيد أن تركيبته الآن هزيلة لا تقوى على العمل السياسي كما أن إمكانات النائب لا تتوافر في غالبيتهم، وبالتالي لابد لها من تضييق الخناق على النواب ومحاصرتهم وعدم مساعدتهم في تحقيق إنجازات على الأرض حتى يتم تثبت قرار المقاطعة كقرار ناجح، وبالتالي معاودته.
فكل إنجاز داخل البرلمان يعني شعور القوى المقاطعة بالحسرة والندم على اتخاذهم قرارا كهذا، ولكن ضعف أداء النواب وصعوبة تحقيق إنجازات على أرض الواقع يعني شعورهم بالراحة والاطمئنان لعدم مشاركتهم، لأن هذا ما كانوا يتوقعونه فجاء قرار المقاطعة، لاسيما أنه في فترة من الفترات تم تسريب مجموعة من الأخبار بشأن وجود كتل داخل جسم القوى المقاطعة ترغب في المشاركة في الانتخابات القادمة بعد أن استشعروا أن السبب وراء عدم تحقيق مكاسب فعلية هو ضعف تركيبة الكتل النيابية وأنه لو تم تطعيم التركيبة بكوادر ذات كفاءة عالية فإن المعادلة ستأخذ شكلا آخر، ما ساهم بشكل أو بآخر في سرعة تكتيك الحكومة ويتضح ذلك بجلاء من خلال هرولتها ووقوفها كالسد المنيع أمام النواب ومحاصرتهم وبالتالي عزوف المقاطعة من التفكير في المشاركة؛ لأنها لا تقبل أن تشارك ولكن تظل مكبلة الأيدي تتفرج أكثر مما تفعل، وبهذا تضمن الحكومة التحكم في النواب وفي القوانين المقترحة وفي التصديق عليها أو تعديلها أو حتى إلغائها، وبالتالي هيمنة وسيطرة الحكومة على الوضع السياسي والحراك السياسي بحيث لا يتم ذلك إلا بإرادة رسمية، فهناك أخبار تؤكد هذه الحقيقة من أن الحكومة أساسا لا ترغب في مشاركة القوى السياسية المقاطعة في المجلس التشريعي، فلا التركيبة البرلمانية قادرة على سن التشريعات غير المرغوب فيها ولا المعارضة التي قاطعت الانتخابات قادرة على إدارة الملفات من الخارج بسبب القيود المفروضة عليها، ولأجل ضمان ذلك بصورة أكبر سنت القوانين التي تعوق نشاط المعارضة خارج المجلس التشريعي وتضيق الخناق عليهم تحت حجة من يريد أن يشرع فليشارك في العمل السياسي داخل قبة البرلمان، ولكن تحسين صورة العمل السياسي لا يتم تعديلها كنوع من الإغراء للمشاركة، الاحتمال الآخر والذي من المحتمل وروده من السلطة من خلال إرغام القوى السياسية المقاطعة للدخول إلى المجلس التشريعي بتبيان عجزهم من الخارج وضعف المشاركين داخل البرلمان ويتجلى ذلك بوضوح من خلال إقرار الكثير من القوانين المكبلة والمعوقة للعمل السياسي فعليهم التفكير بجدية الدخول لمواجهة ما يفرض عليهم، وبالتالي تخطي السلطة بشكل أو بآخر قرار المقاطعة وعليها أن تتحرك باتجاه اختيار البديل وهو المشاركة في الحياة التشريعية داخل البرلمان وليس خارجه، من دون الحاجة إلى مناورات سياسية أو التفكير في حوارات من اجل ضمان زيادة صلاحيات المجلس التشريعي، أي وضع المقاطعين أمام الأمر الواقع الذي يقول: اتخذتم قرارا في يوم من الأيام بالمقاطعة، انظروا إلى النتائج المؤدية إلى قراركم هذا. والآن عليكم تصحيح الوضع بمزيد من التنازل لأنكم أنتم أخطأتم والمخطئ عليه أن يدفع ثمن أخطائه "التراجعات، القيود المفروضة، سن القوانين المكبلة للعمل السياسي"، الأمر الآخر الذي وضع السلطة في حرج كبير ولا يمكن إغفاله هو إيقاع المعارضة المقاطعة من خلال حركتها الدستورية المنتظمة وإصرارها على إقامة مؤتمرها الدستوري السنوي بنجاح تام على رغم تحركات الحكومة الرامية إلى منعه وتقويضه وفرض القيود وتسخين الأوضاع في فترة انعقاده، وبالتالي تعمل السلطة على افتعال تلك الأزمات كنوع من التشويش الرسمي لإشغالهم وإرباك عملهم السياسي مما ينتج عنه عمل متواضع هزيل لا يحرج السلطة داخليا أو خارجيا، لاسيما أن الفترة السابقة شهدت الكثير من الفعاليات الخاصة بالشأن الدستوري وخصوصا بعد تشكيل الأمانة العامة الدستورية للمؤتمر الدستوري وحرصها الأكيد على تفعيل قرارات المؤتمر من خلال تبنيها للكثير من المسيرات والاعتصامات الجماهيرية كان أبرزها مسيرة سترة الدستورية والتي حشدت أعدادا جماهيرية ضخمة، وآخرها مسيرة مدينة حمد في الأشهر القليلة الماضية. هذا إلى جانب تلويح الأمانة بنقل الملف الدستوري إلى المستوى الخارجي، وبالتالي مزيد من تضييق الخناق ومزيد من القوانين المكبلة والتي تمنعهم من التحرك بسهولة ويسر في الملف.
تلك الاحتمالات التي سقناها ربما تكون قراءة حقيقية لما نشهده في الساحة المحلية، وربما تكون قراءة مشوشة، وهذا بطبيعة الحال يعتمد على ما يتكشف أمامنا من حقائق وما يتوافر لنا من قدرات على عملية التحليل.
* كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ