ابدأ مقالي هذا بالآية القرآنية رقم "14" من سورة النحل: "وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون".
يبدو أن المشهد البيئي في البلد لا يختلف كثيرا عن المشهد السياسي بل يفهم منه من الوهلة الأولى أنه جزء منه، وبنظرة سريعة على القضايا البيئية التي شهدتها البحرين في الفترة القليلة الماضية، نجد خليج توبلي تلاه مرفأ سترة تلته قضية غاز المعامير تلاها جدار العزل بالمالكية تلاه ساحل دمستان، وأخيرا وليس آخرا ساحل سند فهو الآخر يحتضر، وتشير كل هذه المحاولات التي تعبث بالطبيعة وبالبيئة إلى أن هناك من لا يقدر البحر وأهميته ، كما لا يعترف بكون البحرين جزيرة وبالتالي يجب عليها أن تحيط بها المياه من جميع الجهات، كما يجب المحافظة على السواحل كمحميات طبيعية يستخدمها الناس للاستجمام والراحة من عناء العمل، فالسواحل حق عام للناس في الانتفاع بها.
سأركز في مقالي هذا على مشكلة ساحل ومرفأ قرية دمستان، وحركة المطالبة باستملاكه من قبل الأهالي متمثلة في اللجنة الأهلية لملف ساحل دمستان والمرفأ، لعل الأزمة تأخذ طريقها إلى الانفراج كما حدث لجاره وعضيده "جدار العزل" لقرية المالكية. فقضية ساحل دمستان لا يمكن اختزالها في الساحل فقط وإنما المرفأ، وأيضا مصدر رزق لأهالي المنطقة والصيادين لتحصيل أرزاقهم، لقد استفاد بعض أصحاب النفوذ من الأزمة السياسية التي عانت منها البحرين في الثمانينات وتمكنوا من وضع أيديهم على الساحل بتحويط الاراضي وإصدار وثائق الملكية لهم، ولم يلتفت أهالي القرية إلا وساحلهم استملك كله فقد انتهى بهم الأمر من ساحل مفتوح وملك عام على امتداد البصر إلى منفذ صغير بمثابة الممر الصغير الذي يأخذهم إلى البحر، وهم في غفلة من ذلك فكيف لهم أن يعلموا؟
وعندما علموا بذلك، لم يكن بمقدورهم فتح الملف نظرا إلى الوضع السياسي الصعب آنذاك إلى أن جاء العام 1998 فقد أخذ الأمل يراود أهالي المنطقة في استرداد حقهم في ساحلهم، ضمن الأطر القانونية ومخاطبة الجهات المعنية بذلك. فشكلوا حينها لجنة أهلية لتحقيق الهدف كان ذلك في العام ،2002 وأخذت هذه اللجنة منذ تأسيسها إلى الوقت الحالي خطوات واسعة في سبيل تحقيق أهدافها فلم تأل جهدا في الاتصال والتواصل مع كل الجهات المعنية بالأمر، كما نظمت الكثير من الفعاليات الشعبية التي تهدف إلى لفت نظر الرأي العام والمسئولين إلى القضية، كما أصدرت الكثير من البيانات المؤكدة لحقهم في استرداد ساحلهم، إلا أنها للأسف الشديد لم تصل بعد للنتيجة المرجوة، فعلى رغم أن الملف يلقى اهتماما بالغا من قبل أهالي المنطقة فإنه تم تجاهلهم أكثر من مرة، كما أن الساحل تعرض للكثير من المحاولات التي كانت تهدف إلى النيل منه، من خلال جملة من الجهود من ضمنها احاطته بسياج حديد عازل لحرمان الأهالي من الوصول إلى البحر.
نجحت اللجنة الأهلية في الحصول على أمر من وزير البلديات يقضي بتخصيص موازنة لإنشاء مرفأ لأهالي المنطقة ووضع الخرائط الهندسية للمشروع كان ذلك في سنة 2003م، وقد تم العمل في المرحلة الأولى من المرفأ في مطلع ،2004 إلا أن صاحب الأرض في جهة الجنوب أخذ بدفن البحر بمخلفات الأنقاض بالتنسيق مع إحدى الشركات، فما كان من اللجنة الأهلية إلا أن قامت بالاتصال والتواصل مع الجهات المسئولة وبالتالي توقفت عملية ردم الساحل، لكن تفاجأ الأهالي باستئناف عملية ردم البحر من جهة الجنوب وبوتيرة متسارعة جدا، إذ لاتزال العملية جارية على قدم وساق مستخدما في ذلك الردم بمخلفات الأنقاض ثم بوضع الرمل الأبيض لإخفائها وللادعاء بأنها وفق المواصفات، لايزال السياج الحديد غير القانوني موجودا بقوة اللاقانون ولاتزال عمليات الردم مستمرة إلى عمق البحر بمقدار 300 متر مربع ولايزال ملف مرفأ دمستان رأيا عاما ولايزال ساحل دمستان يستغيث لأهله فهل من مغيث؟ وهل لهذا السياج الحديد أن يكسر ويزال أثره كما كتب لجدار العزل "المالكية" أن يهدم ويزال من الوجود؟ أم أن ما كتب على سواحلنا أن توأد وتنتهي، ونبقى محاصرين فالأرض من تحتنا والسماء من فوقنا ولا شيء حولنا سوى المباني الشاهقة أو البيوت العتيقة "الآيلة إلى السقوط" .
لو أن اللجنة الأهلية لم تتشكل بعد لعملنا على تشجيع الأهالي على أهمية تشكيل لجنة أهلية تدافع عن الساحل والمرفأ وتطالب بحقوق الأهالي لكنها ولله الحمد مشكلة وتتكون من خيرة أهالي المنطقة، كما أن اللجنة تسير وفق برنامج وأهداف محددة.
الحل الذي تبقى تؤكده اللجنة الأهلية هو: أن تقوم الدولة باستملاك هذه الاراضي وتجعلها ملكا عاما يستفيد منها عموم أهل المنطقة الغربية ولاسيما عند غلقها بعد نهب سواحلها، ووقف ردم البحر بأنقاض المخلفات الذي ترك ضررا كبيرا على البيئة، استكمال المرفأ الذي توقف بعد رصف الشارع المؤدي إليه، إزالة السياج الحديد العازل حتى يتمكن الصيادون من الدخول للبحر.
وقد طالعتنا صحيفة "الوسط" في الأيام القليلة الماضية وفي عددها "1049" الصادر في 21 يوليو/ تموز الجاري بخبر يكشف فيه الوكيل المساعد للتخطيط العمراني في وزارة شئون البلديات والزراعة فائق منديل خلال زيارته المنطقة وبمعية النائب جاسم عبدالعال ومدير بلدية المنامة محمد علي حسن ورئيس اللجنة الأهلية عبدالحسين ضيف عن عزم الوزارة على التنسيق مع أصحاب الأملاك الخاصة الواقعة على ساحل دمستان من خلال تخطيط الساحل واستملاكه لفتح شارع رسمي يصل الأهالي بالساحل، وعزم الوزارة على إعداد تصاميم واقتراحات لكل من الساحل والمرفأ الذي يفصل بينهما عدد من الأراضي الخاصة، وتأكيد الوكيل لعدم قانونية السياج الحديد الموجود على الساحل والذي وعد بدوره بمخاطبة المالك لطلب إزالته في أسرع وقت ممكن، جاء ذلك، خلال الجولة التي قام بها وفد من وزارة شئون البلديات والزراعة، نأمل أن تكون لهذه الجولة نتائج إيجابية على أرض الواقع خلال الأيام المقبلة، كما حدثت الانفراجة لجدار العزل لقرية المالكية، وخصوصا أنهم أكدوا أن المسألة وقتية وأن عملية إزالة السياج الحديد لن تتجاوز الأسبوعين، الله يحيينا إلى ذلك اليوم لنرى بأم أعيننا أهالي دمستان وهم يغاثون لا أن يظلوا يستغيثون ولا مغيث لهم فقد طال الانتظار وزاد الاشتياق لرؤية سواحلهم الطبيعية متحررة من قيود المدنية الحديثة.
* كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1060 - الأحد 31 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الآخرة 1426هـ