العدد 106 - الجمعة 20 ديسمبر 2002م الموافق 15 شوال 1423هـ

قراءة نقدية بناءة لواقعنا السياسي

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

هنالك فرق بين ان تحب النقد لأجل النقد وبين أن تعتمد ثقافة النقد الذاتي في سبيل ترشيد أي خلاف أو تصحيح أي خطأ، وأنا على قناعة تامة ان مراجعة الانسان لذاته لتصحيح أي خطأ ومعالجة أية ثغرة أدائية أو خطابية هي مراجعة تنتهي الى معرفة الصواب. من لا يراجع أخطاءه، أكان سلطة أو معارضة عادة ما يقع في مرض تضخمي ينتهي الى تفسخ وإن أُلبس او غُطي بثوب العروس.

ليس عيبا ان يخطئ المرء ولكن العيب هو المكابرة في الخطأ والغرور والنرجسية والتي عادة ما تكون حالا نفسية يصاب بها المخطئ لتغطية أزمته النفسية.

أنا كشخصٍ مواطن في المجتمع البحريني أحب دائما ان أكون صريحا في آرائي وأن أكون واضحا كظاهر الكف، بعد سنين طويلة عشتها ما بين التطرف الى التسامح حتى وصلت بها - كما أزعم - الى الاعتدال والوسطية في الطرح، وأخذت على عاتقي ان انتقد ما هو غير صحيح وما أراه خطأ وسواء كان ذلك يغضب السلطة أو المجتمع لأني أرى أن ما هو أهم من الجميع هو المصلحة العامة والوطن لأننا كلنا سنرحل عن هذه الحياة ويبقى الوطن وتأتي أجيال لتقرأ تاريخنا وكيف نمارس دورنا بشفافية ووضوح. وأنا على يقينٍ بأن لغة العقل والاتزان هي المنتصرة في نهاية المطاف مهما دقت طبول التطرف او التسلط ومهما كان حجم الشعارات البراقة وحجم المكياج ورائحة البخور والعطور التي نضعها على ممارساتنا، فالتاريخ يبقى شاهدا على الجميع. نحن كقوى سياسية وكسلطة بحاجة دائما إلى مؤتمر نقدي وليس مدائحيا لتقييم أدائنا طيلة شهر العسل الذي وقع بين السلطة والمعارضة والذي نتمني ألا يتحول إلى شهر بصلٍ خصوصا مع انخفاض واعتلاء بورصة الاستفزاز والابتزاز في بعض المواقع التي سأتطرق لها لاحقا. نحن بحاجة الى اختراق المواقع المحرمة والبوح عما في القلب، وإظهار الاشكالات جميعها التي نعيشها وحسبناها على بعضنا بعضا من دون لفٍ ودوران على قاعدة علي «ع» «لو تكاشفتم لما تشاحنتم» وقوله «خير الإخوان من عنفك في الله». هذا إذا أردناها علاقة تحمل لو قليلا من مُثُل الإسلام أما إذا أردناها لعبة سياسية على طريقة اللاعب الاسباني مع الثور فذلك أمر آخر، ولكن ذلك كله لا يخفي ما هو قائم بين أسنان المجالس فكل هذه الإشكالات القائمة والطافحة على سطح الملعب السياسي البحريني لم تعد سرا فهي معروضة في محطات النقل العام وفي المجالس الشعبية وفي المقاهي وحتى على دراجات بائعي الصحف من الآسيويين. فالناس تنظر الى ممارسات المعارضة بإيجابياتها وسلبياتها وكذلك تنظر الى أخطاء السلطة منذ 14 فبراير/شباط الى إلقاء حزمة قوانين أمن الدولة الى فاجعة التعيين لأعضاء مجلس الشورى إلى ...

بعض ما سأطرحه حُسب نقاطا سلبية على المعارضة وهو ليس منها بل وأنا على يقين واطمئنان بقناعة الكثير من رموزها فضلا عن جزء كبير من نخبها وقاعدتها بعدم القبول بما يُطرح من شعارات وممارسات مربكة لواقعنا السياسي البحريني، بل هي مازالت محل تحفظ لدى قطاع كبير من المجتمع خصوصا النخب والعلماء، بل هذه الشعارات تدخلنا في سجالات مربكة ومزايدات وطنية، وأصبحت على حساب قراءة السلطة ومجموعة كبيرة للضيوف السياسيين للبحرين. أعني بذلك تلك الصور والأعلام التي تُرفع في المسيرات بطريقة ملفتة للانتباه وبعض الشعارات الخاطئة التي مع مرور الوقت ستصبح على حساب الوحدة الوطنية.

فنحن هنا في البحرين لنا خصوصية سياسية وظروف معقدة وملفات اقتصادية من فقر وبطالة غائرة في الجسد البحريني المليء بالثقوب والندوب والقيح أيضا. أنا أعلم ان من يتصدر مسيراتنا المباركة مجموعة قليلة من شبابنا الأعزاء وممن يحملون وطنية صادقة وممن يحملون اعتزازا بالقدس وفلسطين، ولكن ذلك كله لا يدفع الارباك السياسي والتداعيات التي ستقع والشبهات والجدل واللغط وخلط الأمور والأوراق من جرّاء رفع مثل هذه الصور أو الشعارات فيكون على حساب أولوياتنا الوطنية والداخلية. لقد تشرفت بالسلام على السيد المجاهد حسن نصرالله، والشيخ المجاهد أحمد ياسين عندما زارا إيران في فترات مختلفة لإلقاء محاضرات في «المركز الإسلامي» في قم. فهاتان الشخصيتان هما من مسلمات الشرف العربي والإسلامي وليس بوسع المسلم الغيور إلا ان ينحني إجلالا لهما ولحماس والمقاومة، ولكن يجب ان نكون دقيقين في تأثرنا بالتجارب الإسلامية الأخرى لئلا تكون على حساب ملفاتنا المحلية العالقة. أقول ذلك حبا في اخواني وأبنائي لا لأمر آخر، وحبا في حفظ التجربة وفي حفظ العلاقة واستمرار اتصالها بما لا يعكر صفوها ويسبب حساسيات قد تخل بالعلاقة، فلكل دولة أعرافها السياسية وظروفها الخاصة وأنا على استعداد لتحمل كل ردود الفعل من بعض هؤلاء الاخوان الأعزاء ولكن أخاك من صدَقك لا من صدّقك، وأنا تكلمت في هذا الموضوع في الصحافة والإعلام والمنابر الثقافية حبا في المصلحة العامة. وهناك من أبدى تحفظه أو استاء من هذه الشعارات أو طرح الصورة فالشيخ الجمري تكلم في أكثر من خطبة وكذلك الشيخ عيسى قاسم وكذلك الشيخ علي سلمان، وقلناها بملء الفم ان رفع الصور والشعارات هذه لا تخدم أحدا ومازلنا على يقين من ان من يرفعها جزء بسيط من الشباب الصغار الحماسيين ممن تقدموا واجهات المسيرات وللتأثر الأيديولوجي، ولكن ذلك كله لا يشفع لنا للسكوت بل يجب علينا ان نتقدم في تهذيب مسيراتنا العزيزة حتى تخدم الجميع بما فيها الجبهة الداخلية. فخلال لقائي بكثير من آبائنا وعلمائنا وحتى شبابنا مازالوا يتحفظون على مثل هذه الممارسات، ولكن الكثير مازال لا يمتلك جرأة نقاشها في العلن ولكني أقولها كما قلتها: إن رفع مثل هذه الصور والشعارات لها انعكاسات خطيرة، فيجب ان نمتلك جرأة نقدها مع احترامنا وتقديرنا الكبير لهذه الشخصيات ولتجاربها في دولها، بل رفع مثل هذه الأعلام والصور هو محل عدم قبول وتحفظ لدى حتى رموز كبيرة تعمل في مؤسسات قريبة لها، اضرب مثالا على ذلك.

عندما دعي عضو كتلة الوفاء للمقاومة الإسلامية في لبنان إلى البحرين عبر المؤتمر القومي الذي عقد في البحرين أبدى تحفظه كله تجاه رفع الصور وبعض الشعارات على رغم انه عضو المقاومة في البرلمان اللبناني فلا أحد يستطيع ان يزايد عليه في حبه للمقاومة كمقاومة جهادية ضد الكيان الإسرائيلي فلقد قال حرفيا: «إني على استعداد لأن ألقي خطابا جماهيريا أمام الجميع لأقول لهم ان رفع الصور وبعض الشعارات لا يخدم أحدا».

كما واخبرني الصديق العزيز الشيخ حسين الديهي أن الشيخ التسخيري عند زيارته البحرين لحضور مؤتمر التقريب بين المذاهب أبدى تحفظه على مثل هذه الشعارات والصور على رغم انه رمز من الرموز الأولى في دولته ولا أحد يستطيع ان يزايد عليه في حبه الديني والايديولوجي.

وأنا عندما أقول ذلك ليس حبا في النقد أبدا فإني رجل أعتز بكل التجارب والشخصيات التي تخدم قضيتنا الإسلامية بل إني سُجنت وهُجّرت 3 مرات ومكثت 10 سنوات في الغربة ذلك كله في سبيل هذا الوطن وحبا في المجتمع. لكني أطرح ملاحظاتي هذه حبا في الناس والوطن وفي إزالة أي إرباك، ولست هنا في مقام التشكيك في وطنية هؤلاء القلة البسيطة من شبابنا الأعزاء عند رفعهم مثل هذه الشعارات، بل أنا في دفاع عنهم دائما أمام أي متصيّد في الماء العكر، وأنا على يقين بأن من سُجن وهجّر من هؤلاء الشباب انما سجنوا دفاعا عن الحرية في هذا الوطن ولكن لحبنا واخلاصنا لهم نصارحهم أنا وبقية العلماء، نقول ذلك للوصول الى الحياة الفضلى والى رقي مجتمعنا والى رفعة وطننا. فعلي «ع» يقول: «كن مع الناس ولا تكن معهم» أي بمعنى كن معهم ومع آلامهم وأوجاعهم وترافع عن همومهم ولكن لا تكن معهم عندما يخطئون خطأ، وهنا يأتي دوري كمثقف دارسٍ للشريعة أحترم قلمي وأحمل مسئوليتي الدينية والوطنية في أن أقول الكلمة من دون غشٍ لأحد لا للناس أو السلطة. فأنا لم ألمع لخطأٍ في يوم من الأيام، ومازلت أرفع عقيرتي وأمارس دوري في نقد أي خطأ أراه في السلطة ابتداء من ممارسة الوزارات الى نقد السياسات كالتجنيس العشوائي والقوانين المربكة و... من دون أن يملي عليّ أحد خياراته أو إملاءاته، وذلك كله حبا في البحرين وأهلها أولا وأخيرا وفي إنجاح التجربة بعيدا عن تلميع الملمعين والمتزلفين والوصوليين ونجوم المال الفاسدين الذين يهمهم الوصول والكسب من الجميع في المراحل كلها وفي الأوقات جميعها. وهؤلاء اعتبرهم هم خصوم الوطن والشعب والسلطة. لأن همهم الأكبر ان يتضخموا ماليا حتى لو كان على حساب خلق أزمة سياسية بين السلطة والمجتمع، ولذلك نراهم تضخموا في فترة ما قبل الميثاق وما بعده وزادت أرصدتهم وحساباتهم وراحوا يضربون إسفينا ومسامير بنميمة سياسية محكمة سواء عبر مقالٍ او تصريح او مزايدة وطنية دخلوا منها عبر بعض الأخطاء إلى ان وصلنا الى ما وصلنا إليه من تلبد غيوم نتمنى إزالتها بعقلانيتنا ووعينا السياسي، وبقناعة السلطة بالديمقراطية الحقيقية وليس الشكلية، وذلك يتحقق بإزالة العراقيل التي وضعت في طريق ديمقراطيتنا البحرينية. هؤلاء الملمعون يسيئون للسلطة وللتجربة وكان لهم تأثير أيضا في خلق مثل هذا الجو.

ولقد صارحنا السلطة ببعض القرارات التي سببت إحباطات منها:

1- التغيير الدستوري.

2- قانون تأميم الصحافة، والظاهر انه نفذ بجلده الى قبة البرلمان و«يا عين ما شفتي النور».

3- قانون عذاري في التجنيس العشوائي، والظاهر ان قطاع الخدمات سيصبح بسبب التجنيس العشوائي من تحت خط الفقر الى تحت خط القبر، وتهانينا للاجيال القادمة، ونتمنى ألا تنتشر ثقافة التسول وبيع الأدوية والزواج بأربع نساء والاشتغال والمنافسة في التجارة من بيع (حب الشمسي) الى بيع العقارات الى بيع الوطن.

4- قانون عفى الله عما سلف عن 56 جلادا بقانون 56 ويالله والتشابه!

5- عودة العقيد الفار على قاعدة (وادخلوها بسلام آمنين).

6- فاجعة اختيار بعض أعضاء المجلس المعين الذين أصابوا جزء ديمقراطيتنا بمقتل. يقال ان عضوا في مجلس تعييني في دولة عربية إفريقية عُين على اثر كتابة مقالات اكتشف لاحقا أنها كانت تكتب إليه. إنها حال خطيرة نتمنى عدم انتشارها كثقافة في ديمقراطيتنا العربية.

وعلى رغم هذه الأخطاء كلها والنقد الذي طرحته في مقالي هذا يبقى أن العمل السلمي والاتزان والتعقل في إبداء الرأي وحفظ قنوات الاتصال بين السلطة والمعارضة وعدم الدخول في المهاترات والاستفزاز والحشر في الزوايا الضيقة وتأجيج الوضع هو الأسلوب الأمثل. ان ثقافة السلم اثبتت فاعليتها ويجب ان تكون خيارنا في الأحوال كلها. ذلك كله لا يمنعنا من قول الحقيقة الناطقة لا الخرساء وهذا ما أراه تكليفا شرعيا للقلم وللفكر وللضمير. والله والوطن من وراء القصد

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 106 - الجمعة 20 ديسمبر 2002م الموافق 15 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً