العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ

شارون يطلب من فرنسا إنقاذه من لبنان ويمن على الفلسطينيين بالانسحاب

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ماذا في جديد شارون؟ إنه يعلن أن على المجتمع الحر أن يتوحد ضد ما يسميه الإرهاب الإسلامي، ليعلن - على هذا الإرهاب - حربا بلا هوادة، ويعرض على مصر التعاون معها في ذلك، وهو يقصد به مقاومة الفصائل الفلسطينية لاحتلاله، وقتل الفلسطينيين واعتقالهم وتدمير بنيتهم، في الوقت الذي يمتن فيه عليهم وعلى العالم بانسحابه من غزة، ويخطط للاستيلاء على معظم أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال المستوطنات والجدار الفاصل وتجميد الحل التفاوضي النهائي، مشترطا ضرب الانتفاضة من قبل السلطة في حرب أهلية فلسطينية.

وفي زيارته لفرنسا يطالبها بإنقاذ "إسرائيل" من المقاومة الإسلامية في لبنان، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أنها هي التي تخترق لبنان يوميا بطائراتها، وتحتل قسما من أراضيه في مزارع شبعا، ولكنه يحاول دائما أن يأخذ دور الضحية في كل إجرامه الوحشي. كما يطالب فرنسا والاتحاد الأوروبي بالضغط على إيران في مشروعها النووي السلمي، الذي يخاف من تحوله الى مشروع نووي عسكري، مع علم الجميع بأن إيران اعترفت بلجنة حظر التجارب الذرية ووقعت الاتفاق، بينما لم تعترف "إسرائيل" به ولم توقع عليه، وهي التي تملك ترسانة نووية هائلة، من دون أن نرى أي تحفظ أو استنكار من الدول الغربية، فضلا عن الدعوة الى محاسبتها على ذلك، فيما لاتزال تحتل الأراضي الفلسطينية وتهدد كل الدول العربية، وتمتد في تهديدها بقصف المفاعلات الإيرانية.

ومن المضحك أن شارون يصرح بأن فرنسا "تتفهم خطر حزب الله وسورية على إسرائيل"، مع العلم بأنها "إسرائيل" هي الخطر على لبنان وسورية في احتلالها وتهديدها المستمر لأمنهما. ومن اللافت حديث المسئولين الفرنسيين عن معاداة السامية، وهو الشعار الذي ترفعه "إسرائيل" ضد كل الذين يعارضون سياستها، بينما ينطلق من جديد بأساليب متنوعة في أبعادها السياسية والثقافية والإعلامية مشروع معاداة الإسلام، هذا الذي حذر منه سابقا الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن هذا المشروع لا يزال يتفاعل في الغرب مستغلا بعض الأعمال التفجيرية التي يقوم بها فريق من الناس الإرهابيين، في ظل استنكار الأكثرية الإسلامية في العالم.

إن على العالمين العربي والإسلامي اليقظة والحذر والوعي لكل الخلفيات الكامنة وراء الواقع، من أجل عملية الإنقاذ الشامل التي أصبحت تمثل مسألة الوجود على أكثر من صعيد سياسي وأمني واقتصادي وإعلامي وثقافي. مع الالتفات الى الساحة الفلسطينية في إدارة مسألة الانسحاب من غزة، لكي لا تتحول الى حيلة إسرائيلية تساندها أميركا لتصفية القضية التي هي سر الخلاص والمصير للعروبة والإسلام معا. وعلى الفلسطينيين أن يملكوا وعي الوحدة في الموقف والحركة والتخطيط، لتبقى القضية صامدة بصمود الشعب كله، واللجوء الى الحوار العقلاني الواعي فيما يختلفون فيه.

وإذا كان الإرهاب لايزال يتحرك بالوسائل الوحشية التي يسقط فيها الأبرياء في البلاد الإسلامية وغيرها، فعلينا مواجهة الموقف بالمزيد من التوعية والتخطيط، وتأكيد أن جذور هذه الظاهرة الشريرة تنطلق من خلال السياسة الاستكبارية التي فرضت نفسها على الواقع الإسلامي، الذي يشعر أفراده بالضغط القاسي على شعوبه في كل قضاياهم المصيرية، الأمر الذي دفع الى الكثير من إرباكات الذهنيات القلقة المنحرفة في إدارة ردود الفعل، بما قد يربك القضية ولا يحل أي مشكلة. ولذلك، فلابد من إثارة المسألة السياسية الاستكبارية كفعل يثير المشكلة، بالإضافة الى ردود الفعل، ليعرف الجميع أن القوة ليست حلا بل معالجة الجذور هي التي تساهم في رفع الخطر، ومنها مسألة الاحتلال في فلسطين والعراق.

إن المشكلة التي نواجهها هي إرهاب الدولة المتمثل في أميركا و"إسرائيل"، بالإضافة الى إرهاب الأفراد المتخلفين في ذهنياتهم وأعمالهم، وعلينا أن نبقى رافضين كليا لاعتبار المقاومة من أجل التحرير إرهابا، لأنها تمثل حركة تحرير الأرض والإنسان.

ويبقى العراق يعاني من نزيف الدم الذي يتفجر من أجساد الأبرياء، ومن الاحتلال الذي يراوغ في استمرار قواته في العراق لتحقيق خططه الاستراتيجية، بعيدا عن مصلحة الشعب العراقي الذي تحولت ساحته الى ساحة للإرهاب المتنوع، والى العناوين الطائفية التي يخطط فيها الأعداء لفتنة مذهبية، وحرب أهلية، وفوضى أمنية تأكل الأخضر واليابس، ما يدفع المخلصين الى رفع الصوت عاليا إلى العراقيين أن يأخذوا بأسباب الوعي والوحدة التي هي خشبة الخلاص التي يعبرون عليها الى مستقبل الحرية في أوضاعهم العامة والخاصة، واعتبار الحوار الأسلوب الوحيد الذي يحلون فيه مشكلاتهم

أما لبنان، فإنه يتعرض لبعض أوضاع إثارة الفتنة العمياء، بما يثيره البعض من خفافيش الظلام من مشاعر الحقد الأسود في الدائرة الإسلامية التي لا تزال تواجه الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والاحتلال الأميركي في العراق، والاستكبار العالمي في أكثر مواقع الممانعة في العالم العربي والإسلامي، من أجل إشغال المسلمين - ومنهم اللبنانيون - بالفتنة المذهبية والطائفية لتذهب ريحهم القوية هباء. إننا نحذر الجميع من هذه الأصوات الناشزة، والوساوس الشيطانية الخفية التي يثيرها أكثر من وسواس خناس.

إننا نريد للقائمين على شئون البلاد أن يرسموا الخطة الشاملة التي تحاسب كل الذين أفسدوا الدولة، وهدروا المال العام، وعاثوا في الأرض فسادا، على أساس إيجاد مستقبل لبنان الجديد الذي يريده اللبنانيون في سياستهم واقتصادهم وأمنهم، وأن يؤكدوا مسألة المصالحة بطريقة جدية يلتقي فيها الجميع على الخطوط التي تحفظ البلد من التدخلات الإسرائيلية والدولية، حتى يكون لبنان الحرية هو لبنان الأجيال كلها، ليتجذر الشباب في وطنهم فلا يشعرون بالحاجة الى الهجرة منه

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً