في احدى المرات القلائل التي حظيت فيها بشرف زيارة "بيت الشعب" تهت في رواق مشترك يؤدي الى المجلسين. وكان لزاما للحق أقول إنه كان رواقا مطرزا أنيق الشكل، فخم المظهر. ذهبت إلى أحد المجلسين، وكان مجلسنا يومئذ منهمكا في مناقشة قضية فساد كبرى في إطار حرصه على صيانة المال العام. جلست في شرفة مطلة على المجلس، وسمعت الصراخ يتعالى من الاسفل، وظننت انني فعلا في احد البرلمانات العريقة أو في دولة متأصلة فيها التجربة الديمقراطية من رأسها حتى النخاع.
فجأة ودون سابق انذار، شاهدت نائبا استشاط غضبا، والشرر يتطاير بين عينيه، حمل بشته وهم بالخروج احتجاجا، لم تمض ثوان معدودات حتى تبعه نحو عشرة نواب يتراكضون، والصحافيون يلهثون خلفهم لهثا طمعا في تصريح ناري.
ذهبت مع الذاهبين، واذا بالنواب المنسحبين يدخلون قاعة بدت وكأنها كبيرة الحجم، وأوصدوا الباب خلفهم، ولأني لست ملما بالتقاليد البرلمانية كما يجب فتحت الباب، وإذا بي أرى مائدة فيها أصناف الفاكهة الغريبة، وكل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وأمامها ولدان سمر، كدت أطير عجبا وأنا أرى نواب الشعب منهمكين في أكل ما لذ وطاب من خيرات من انتخبهم، نوابا ووزراء لم يتركوا من تلك المائدة العريضة شيئا، اذ انبرى ممثلو الشعب في التهام محموم في سباق اللحوم والشحوم.
سادتي صدقوني... إن من تعود على هذه العادة سيكون معذورا في سن القوانين، أية قوانين، لقد شاهدتهم رأي العين، وأدركت حينها انه من رحمة الله على هذا الشعب ألا ينظر فقراؤه إلى هذه المائدة السحرية، ولكن عزاءنا ان الميت يأنس بالحي
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1053 - الأحد 24 يوليو 2005م الموافق 17 جمادى الآخرة 1426هـ