طبقا لمختلف التحليلات السائدة فإنه قد يتم تفسير إقرار قانون الجمعيات السياسية بأنه تقييد للحريات وحرية التنظيم في النظام السياسي البحريني، إلا أنه يمكن النظر إلى عملية الإقرار على أنها ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة، وليس باعتبارها قضية تمس المصالح الذاتية للقوى السياسية المختلفة أو حتى للأفراد والمواطنين.
بداية ينبغي تأكيد أنه كان من المتوقع أن يتم إقرار سلسلة من القوانين والتشريعات لا تتفق مع مصالح القوى السياسية أو المواطنين، فإننا أمام نظام سياسي يسعى نحو التحول الديمقراطي، وفي ضوء هذه الحقيقة فإنه لابد من الاعتراف بأن ما سيصدر عن المؤسسة التشريعية - بغض النظر عن طبيعتها أو تكوينها أو الموقف منها - يجب القبول به مادامت الديمقراطية حكم الشعب وتقوم على احترام الآراء والأفكار. وإذا كانت هناك ثمة رغبة من بعض القوى السياسية أو المواطنين في رفض هذا القانون أو المطالبة بتغييره فهذا من حق الجميع دستوريا وسياسيا، ومن حقهم كذلك التعبير بالوسائل السلمية المشروعة عن رأيهم ورفضهم لأي تشريع أو سياسة صادرة عن المؤسسة التشريعية، وعلى الجميع كذلك احترامها، فهي جزء من الاختلاف الذي يقبل به أي نظام ديمقراطي.
نأتي من جديد إلى قضية إقرار قانون الجمعيات السياسية، فهذا القانون هو باكورة إنتاج المؤسسة التشريعية الحديثة في النظام السياسي البحريني، وكانت بدأت إرهاصاته قبل فترة، ما أحدث إزعاجا وإرباكا لدى جميع القوى السياسية المعارضة وغير المعارضة، إذ تجاذبت المواقف بين مؤيد ومعارض، وفي النهاية فإن المؤيدين البرلمانيين كانوا أكثر من المعارضين، وتم تمرير القانون بسهولة ويسر عبر غرفتي البرلمان.
إلا أن المطالبة اللاحقة التي أتت على هذا القانون بضرورة إيقافه وإعادة النظر فيه، هي عملية لافتة، فهي يمكن النظر إليها بأنها دعوات جاءت متأخرة قليلا بعد أن خسرت القوى السياسية المنضوية ضمن التحالف الرباعي مكاسب كثيرة جراء عزوفها عن المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية نهاية العام ،2002 ولذلك، فإن هذا القانون هو إحدى الخسائر التي ترتبت على ذلك العزوف. وفي النظم الديمقراطية فإن مقاطعة الانتخابات تحدث باستمرار طبقا لمواقف وتوجهات القوى السياسية، ولكن لا يمكنها رفض التشريعات الصادرة عن المؤسسة التشريعية والتي تحفظت على المشاركة فيها، وبالتالي فإن المطالبة بإيقاف القانون وعدم التصديق عليه من قبل القصر الملكي هي شكل من أشكال الإقصاء والتطرف في الرأي، لأنه لابد من احترام الرأي الآخر الذي قبل بالقانون بصيغته الحالية، وأقره ووافق عليه باعتباره ممثلا للشعب.
وهذا الإقصاء الفكري، إن جاز التعبير، هو جزء من الثقافة السياسية البحرينية التي تعاني في الوقت الراهن من إشكالات عدة، أبرزها غياب احترام الرأي والرأي الآخر، وسيادة قيم التعصب الفكري والإقصاء الفكري الذي انعكس لاحقا على ظاهرة الإقصاء التنظيمي التي تبرز بشكل واضح في مواقف عدة داخل جمعيات التحالف السداسي، وخصوصا عندما تسعى جمعية الوفاق الوطني الإسلامية إلى فرض آرائها، واستغلال الكثير من الفعاليات الوطنية من أجل تحقيق مكاسب ذاتية، كما هو الحال أثناء الاحتفال بمرور الذكرى الخمسين على تأسيس هيئة الاتحاد الوطني. على أن ذلك لا يعني أن الجمعيات السياسية الممثلة داخل السلطة التشريعية عليها مسئولية وطنية تتمثل في ضرورة الاستماع إلى الجمعيات السياسية الأخرى خارج قبة البرلمان، لأنها في النهاية هي التي استطاعت أن تكون لها غالبية، وتشكل تكتلات برلمانية قادرة على تمرير التشريعات الملائمة لها. وإذا كنا نتطلع إلى ممارسة الديمقراطية الصحيحة فإنه لابد من الشروع في معالجة إشكالات الثقافة السياسية البحرينية، وما يستدعي ذلك من احتمال تكرار سيناريو رفض قانون الجمعيات السياسية مع اقتراب مناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب، ومشروع قانون التجمعات العامة خلال دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الحالي
العدد 1052 - السبت 23 يوليو 2005م الموافق 16 جمادى الآخرة 1426هـ