بغض النظر عن الجولات التي يقوم بها بانتظام وزراء ومسئولون رفيعو المستوى لعواصم دول المغرب العربي، التي كان آخرها تلك التي بادر بها وزير الخارجية الجديد فيليب دوست لازي، إلا ان تراجع النفوذ الفرنسي على جميع الصعد الثقافية والاقتصادية والسياسية بات ملحوظا بالنسبة إلى الكثير من المراقبين المتخصصين في منطقة شمال إفريقيا. ويعزو هؤلاء فقدان التفوق الذي كان سائدا طوال فترة مرحلة ما بعد استقلال دول هذه المنطقة إلى عدم الاهتمام الكافي بعملية التنمية الجارية والتقاعس عن تشجيعها لوجستيا وماليا. ناهيك عن فشل الدبلوماسيين الفرنسيين الموفدين إليها، الذين بدل أن يطوروا العلاقات نحو الأفضل، وتدارك الاختراقات التي تحدثها الدول الغربية المنافسة الأخرى، عمدوا إلى التعاطي بفوقية مع محاوريهم في البلدان المغاربية التي حلوا بها.
وتفيد التقارير التي أعدتها مؤسسات البحوث لحساب جمعية أرباب العمل الفرنسية، تراجع الفرانكفونية لحساب اللغة الانجلو - ساكسونية مع تزايد عدد المؤسسات التعليمية الأميركية والبريطانية في كل من المغرب وتونس تحديدا، في الوقت الذي بدأت فيه هذه الأخيرة تشق طريقها إلى المدن الجزائرية، في حين بقي عدد المدارس والمعاهد التابعة للبعثات الفرنسية على حاله على رغم التزايد الهائل في عدد السكان والإقبال عليها، ويشار في هذا الصدد إلى اعتماد اللغة الإنجليزية رسميا في البرامج التعليمية، سيكون حتما على حساب اللغة الفرنسية. وتذكر بعض هذه التقارير الانعكاسات السلبية التي بدأت تتركها "جامعة الاخوين" في افران بالمغرب، والتي تدرس برامجها بالإنجليزية للنخبة المغربية المتخرجة في الجامعات الفرنسية.
ولا يقل التراجع الفرنسي في المجال الثقافي عنه في الميدان الاقتصادي إذ باتت الشركات الإسبانية والإيطالية تحديدا تشكل تحديا جديا للشركات الفرنسية ومصالحها. إذ تجد هذه الأخيرة حاليا صعوبات في الوقوف في وجه تمدد هذه الشركات الأوروبية القادرة ليس فقط على المنافسة، بل على كسر الأسعار. ذلك، في حين لا تقدم الحكومة الفرنسية تسهيلات ومساعدات إلا في حال كانت المشروعات المغاربية ضخمة، مثلا في عمليات شراء السلاح أو بعض البنيات التحتية.
ويعكس فقدان التفوق الفرنسي الملحوظ في منطقة المغرب العربي نفسه على السياسة أيضا. في هذا السياق، يرى المحللون الفرنسيون أن التخبط في التعاطي مع قضايا الدول المغاربية والتشدد في إعطاء التأشيرات إلى أقصى حد، في حين تسهل دول الاتجاه الأوروبي الأخرى الحصول عليها قد ترك آثارا سلبية على صورة فرنسا داخل المجتمعات المغاربية. يضاف إلى ذلك الأخطاء القاتلة المرتكبة على غرار ما حصل في الشهر الماضي عندما صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون يعتبر أن "للاستعمار الفرنسي أوجها إيجابية". ما خلق صدمة وأزمة مع الجزائر
العدد 1051 - الجمعة 22 يوليو 2005م الموافق 15 جمادى الآخرة 1426هـ