العدد 1051 - الجمعة 22 يوليو 2005م الموافق 15 جمادى الآخرة 1426هـ

لن تجادل بوعي... لن تعمر طويلا

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

بداية، يحق لي أن أذهب في الإجراءات القانونية في رفع دعوى على أحد المواقع التي لم توفر فرصة في الإساءة لي، وأراني تركت التجاوزات تذهب في إمعانها بما يكفي لمراجعة الموقع لطبيعة ما يتم تداوله فيه. ما يبعث على الأسف أن القائمين والمشرفين على الموقع محسوبون على الساحة الشعرية الشعبية في المملكة ولم يحركوا ساكنا ولم يضعوا حدا لمثل تلك التجاوزات الأمر الذي أجدني إزاءه مجبرا على مثل ذلك الإجراء وإلا ستتحول البلد الى غابة وفوضى تتيح لصاحب الإساءة أن ينجو بفعلته في كل مرة.الإجراءات بدأتها منذ يومين،ولن أتراجع عنها مالم يعتذر الموقع المذكور وبشكل واضح، مع ضمان عدم تكرار ما يصدر عنه. لأنه في النهاية يتحمل نتيجة تجاوزات بعض المشاركين فيه.

الجدل إغراء من نوع آخر، وخصوصا مع أولئك الذين ولدوا فقط ليجادلوا، يعيشون الحياة بطولها وعرضها كي يكونوا أوفياء له، وإن لم يجدوا من يجادلونه يغلقون الأبواب ويبدأون في مجادلة أنفسهم.

ذلك الصنف من البشر، مجرد مخلوقات في زحام بشري، تماما مثلما يهبط الواحد منا من قطار في محطة أو يحط رحاله في مطار، وتصادفه وجوه لا حصر لها من أمم الأرض، تظل عابرة، وقد يصادفها يوما، وقد لا يصادفها، وتظل فرص الأخيرة واحدا على الألف.

للجدل أصوله وقواعده وأسسه، وما لم يع الإنسان ضرورة الأخذ بها سيظل مجمل ما يقوله ويتحمس له محض فراغ. وأبسط أصوله وقواعده وأسسه، أن تمتلك القدرة على الإصغاء، وتمنح صاحبك فرصة أن يبدي ما هو بشأنه، كي تتاح لك فرصة أن تبدي ما أنت بشأنه. تلك القاعدة واحدة من أكثر القواعد انتهاكا ومصادرة من قبل كثيرين في جدلهم اليومي.

افتتان المرء بسماع صوته فقط، يولد لديه شعورا بأن ما عداه من أصوات هو بمثابة طنين أو رنين أو احتكاك أشياء، ولا يصدر عن بشر هم نظراء له في الخلق.

أدر جهاز التحكم على أية قناة عربية اخبارية أو حوارية، ستجد نفسك غير محتاج إلى تأمل الصور والمشاهد والملامح والأصوات، وانحدار مستوى اللياقة في الإصغاء واللباقة في الرد والكياسة في التناول والإفحام في الطرح من دون التعريج على قائمة طويلة من مفردات التخوين والتسخيف.

بعض منتدياتنا، وما أدراك ما منتدياتنا هي بمثابة تفريخ لحالات طائفية بغيضة، وعقد وفهلوة ومحاولة ممارسة أستذة من نوع آخر، وكل ذلك ينطلق من فراغ... فراغ في المعرفة، والفكر، والأخذ بقواعد وسنن الجدل المثمر.

ثمة مجموعات في بعض منتدياتنا تعاني غالبيتها من فراغ عاطفي لفرط القبح المتأصل فيهم، ما يدفع حتى البهائم - عدا عن البشر - للفرار منهم، ليس خوفا بل طلبا للسلامة من عدوى لن تبقي ولن تذر. هم مشروعات لإرهاب جديد يمارس إقصاءه وإلغاءه وتهميشه لكل من يهدد رجولاتهم الناقصة، إن كان ثمة رجولات أساسا. مثل تلك المنتديات "العامرة بالخراب" لن توصلنا إلى احترام ذواتنا، الأمر الذي لن يكون واردا فيه احترام ذوات الآخرين.

إعلان التوبة كان شرطا تضعه الكنيسة للعلماء الذين تنصب لهم الكنائس محاكمات للتراجع عن أفكار أو معتقدات مثل: إن الشمس مركز الكون، وإن الأرض ليست كذلك. كل ذلك بسبب من جهل الطرف الممسك بالقوة بأبعاد ومحصلات تلك الأفكار والاعتقادات من جانب، ومن جانب آخر ثمة أفق مغلق لجدل غير قائم أو مسموح به أساسا.

ظلت محاكم التفتيش في أوروبا، واحدة من أكبر المصادرات لحق الجدل، وإفراد مساحات للمنطق والتجربة. كانت المحاكم في جانب منها للنوايا - ما قبل الجدل - ولم تتردد إزاءها الكنائس من تسجير نيران يلقى فيها المخالفون أحياء وبدم بارد.

في محاكمته أمام البابا، لم يتردد أستاذ الرياضيات والفيزياء في جامعة فلورنسا غاليليو غاليلي في القول: "أدين على الملأ تعاليمي بأن الشمس مركز الكون ولا تتحرك، وأن الأرض ليست المركز وتتحرك، وأنكر هذه التعاليم بقلب مخلص، وإيمان صادق، وأمقت وألعن وأشجب هذا وكل الهرطقات والأخطاء الأخرى التي تخالف تعاليم الكنيسة".

سبق ذلك الاعتراف تصريح لغاليليو أمام تلامذته، وصلت أصداؤه للكنيسة مفاده: "أتوقع أن يصبح علم الفلك في زماننا حديث السوق، وأن يذهب أبناء بائعات السمك إلى المدرسة، وإذا حالفهم الحظ سيتعلمون أن الأرض تدور حول الشمس، وأن البابا والكرادلة والأمراء والمفكرين والتجار وبائعات السمك وأمهاتهم يدورون معها".

مجتمعات وأفراد تسقط حق الاختلاف والجدل الحر والمثمر والواعي لشروطه وتراتباته، لا يمكن لها أن تعمر طويلا، ولا يمكنها أن تترك أثرا ولو ضئيلا على المنجز الإنساني، إذ هي طاردة ومنفرة من كل منجز

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1051 - الجمعة 22 يوليو 2005م الموافق 15 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً