العدد 105 - الخميس 19 ديسمبر 2002م الموافق 14 شوال 1423هـ

الصحافيون تحت التهديد لقولهم الحقيقة

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

في البداية كان رئيس قناة فوكس الاخبارية روجر ايلز الذي نصح الرئيس الأميركي باتخاذ «أشد الاجراءات الممكنة» ضد اولئك الذين هاجموا أميركا في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. لننس للحظة أن رئيس مكتب قناة «فوكس» في القدس هو يوري دان، صديق رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون ومؤلف مقدمة الطبعة الجديدة للسيرة الذاتية لشارون، التي تضمنت حسابا ثوريا لضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا الـ 1700 من المدنيين الفلسطينيين، وبراءة شارون من التقتيل.

ثم تلاه تيد كوبل، واحد من الصحافيين الأميركيين البارزين، الذي أعلن أنه قد يكون من واجب الصحافي عدم الكشف عن الأحداث حتى يرغب الجيش في الكشف عنها في الحرب الجديدة ضد العراق... فهل يمكننا الذهاب إلى ما هو أبعد في الجبن والخور الصحافي؟نعم... بالإمكان. قناة الـ «بي بي سي» أعلنت قبل فترة وجيزة أنها عرفت كل شيء عن قتل أعضاء القاعدة الأربعة بواسطة طائرة من دون طيار في اليمن، ولكنها أرجأت بث الخبر لأربعة أيام، «بناء على طلب البنتاغون» لذلك فنحن نعرف الآن لمن تعمل الـ «بي بي سي» على الأقل.

البنتاغون قال إن الرجال الذين تم اغتيالهم - ويجب ألا ننسى كلمة «اغتيالهم» للحظة، على رغم انها لم تكن الكلمة التي استخدمتها الإذاعة البريطانية - كانوا «بين 2 و20» من الصفوف العليا للقاعدة، هل ذلك صحيح حقا؟ فهل كانوا الرقم 2، 3، 4، 5 من القاعدة؟ أم الرقم 17، 18، 19، 20؟ من الذي يهتم بذلك؟ الصحافة كانت في الداخل. لا تسألوا من الذي يقاوم الرقابة الأميركية في حرب العراق المقبلة، واسألوا من الذي يتسلق أولا على...

في كندا كان الوضع أسوأ من ذلك،Canwest التي يملكها اسرائيل آسبر، الذي يمتلك أيضا أكثر من ثلاثين صحيفة في كندا، بما فيها أكثر من 130 صحيفة محلية، وإحدى أكبر الصحف القومية «الناشيونال بوست»، قام صحافيوه بمهاجمة زملائهم الذين انحرفوا عن طروحاته المؤيدة لاسرائيل. وفي مؤشر على الرقابة، كتب المحرر في صحيفة «مونتريال جاجيت» بيل مارسدن، الذي كان يراقب تدخل القناة في صحفه الخاصة: «انهم لا يريدون أي انتقاد لاسرائيل، فنحن لا ننشر في صحفنا أي شيء صغير يعبر عن انتقاد لاسرائيل أو ما تفعله في الشرق الأوسط»، ولكن الآن كتب آسبر كلمة في الـ «بوست» يتهم فيها صحافييه بالكسل والغباء متهما إياهم بمعاداة السامية. وهذا المسلك مألوف لأي صحافي يحاول أن يقوم بواجبه الصحافي فيما يخص تغطية الشرق الأوسط. وادعى آسبر على سبيل المثال أن زميلي «فيل ريفز» قارن القتل الاسرائيلي في جنين بداية العام الجاري - الذي شمل بضع جرائم حرب لحسن الحظ (قتل رجل فلسطيني في مقعده المتحرك مثلا)- بجرائم بول بوت (في كمبوديا)، والآن المستر ريفز لم يعد يذكر بول بوت، ولكن آسبر يدعي ذلك خطأ.

والأمور تأخذ منحى اسوأ، فآسبر الذي تنطبق عليه تماما اتهاماته لصحافييه بالغباء والكسل واقعا، قال في حفل غداء للرابطة الاسرائيلية في مونتريال، التي شكلت أسس مقاله المزدهر بأنه «في العام 1917 قررت بريطانيا وعصبة الأمم، بموافقة العالم إقامة دولة يهودية في فلسطين». والآن توقفوا للحظة، فوعد بلفور لم ينص على أن دولة يهودية ستقام، وإنما قال ان الحكومة البريطانية «ستنظر في قضية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين»، والحكومة البريطانية رفضت استخدام كلمة «دولة يهودية».

ولم يكلمنا آسبر بكلمة عن الاحتلال الاسرائيلي أو إقامة المستوطنات اليهودية، لليهود وحدهم، فوق الأراضي العربية. وتحدث عن «اللاجئين الفلسطينيين المزعومين»، ثم ادعى بأن ياسر عرفات «الفاسد الغبي واحد من أسوأ الارهابيين في العالم خلال ثلاثين عاما»، وانتهى في خطابه وأمام مناصري اسرائيل في مونتريال إلى الطلب الخطير منهم: «انتم ، الرأي العام، عليكم أن تتخذوا رد فعل ضد محرفي الإعلام». المحرفون؟ هل ذلك التعبير يبعد كثيرا عن تعبير بوش «الأشرار»؟ فما الذي يجري بالله عليكم؟ رجال الصحافة يهاجَمون لأنهم يقولون الحقيقة، لمحاولتهم نقل ما يجري، بالذات الصحافيين الأميركان. وقد طلبت منهم أن يقرأوا كتابا جديدا كتبه جون كولينز وروز كلوفز، عزما فيه على عرض «بلاغة الاستبداد والاضطهاد السياسي». وعناوين الفصول «الجمرة الخبيثة»، «الخَوَر»، «الشر»، «الحرية»، «الأصولية»، «العدل»، «المصالح الحيوية» وموضوعي المفضل: «الحرب على...» (وعليك أن تملأ عزيزي القارئ الفراغ) لتعرف القصة كاملة.

وفي هذه الأثناء تؤكد البقية أن الصحافيين يدخلون لإخبارك بالقصة التي ترغب الحكومة في أن تسمعها انت

العدد 105 - الخميس 19 ديسمبر 2002م الموافق 14 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً