العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ

شخصيات برلمانية عراقية تطلع على عمل النظام الفيدرالي في ألمانيا

حوار العراقيين في ألمانيا أسهل منه في العراق

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كل يوم تنقل وكالات الأنباء مآسي جديدة تجري على أرض العراق، قتل عشوائي حيث لا تفرقة بين عسكريين ومدنيين، ولا بين مسلمين ومسيحيين وأكراد. الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة بغزو هذا البلد العربي في مارس/آذار العام 2003 لم تنته بعد. العراقيون يسعون إلى بناء بلدهم من جديد، لكن كل خطوة في هذا الاتجاه تبقى ناقصة ومريبة طالما بقي الاحتلال الأجنبي.

حين زحفت قوات من 30 دولة في حرب الخليج الأولى العام ،1991 تم تحذير الرئيس الأميركي وقتذاك جورج بوش الأب، من أن الإطاحة بنظام صدام حسين سيؤدي إلى وقوع حرب أهلية. ومنذ وقت تشير الحوادث الجارية في العراق إلى أن هذه الحرب تدور فعلا من دون أن يعلن عنها. وإذا كان ممثلو الأحزاب في العراق ليسوا على وفاق فيما بينهم داخل بلدهم، فإن مجموعة منهم يزورون ألمانيا هذه الأيام يستعرضون الوفاق العراقي ولو بصورة مؤقتة.

تجارب مشتركة

التجربة الصعبة التي مر بها العراق عرفها الألمان عند انفجار الحرب العالمية الثانية، بداية بالغارات المدمرة ونهاية بالاحتلال وتقسيم البلد إلى جزئين، واحد كتب عليه أن يعيش تحت مظلة المعسكر الغربي والثاني تحت رحمة المعسكر الاشتراكي. وبعد 40 سنة استعادت ألمانيا وحدتها. العراقيون يشعرون أن هناك تجارب مشتركة لتلك التي عرفها الألمان لكنهم على اي حال يأملون أن لا يجري تقسيم العراق وأن لا يستمر الاحتلال طويلا.

على رغم انقساماتهم وخلافاتهم فإن هناك شبه إجماع كبير بين العراقيين على ضرورة تحقيق انسحاب القوات الأجنبية من بلدهم بأسرع وقت ممكن. ويعتقد استراتيجيون أجانب أن واشنطن التي هي بصدد خفض عدد قواتها في العراق ستحتفظ بقواعد عسكرية تابعة لها في هذا البلد مثلما فعلت في ألمانيا، إذ لايزال لها قواعد عسكرية ومخازن فيها قنابل نووية ومطارات عسكرية ومراكز تجسس على أنحاء العالم، على رغم حصول ألمانيا على سيادتها.

ويرى الاستراتيجيون أن القواعد الأميركية في العراق سيكون لها شأن في سياسة واشنطن حيال إيران وسورية بصورة خاصة، على رغم تأكيدات كبار المسئولين في حكومة رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري أن العراق لن يسمح للولايات المتحدة بشن هجمات على إيران انطلاقا من أراضيه.

16 من الشخصيات العراقية التي تنتمي لمختلف الأحزاب الممثلة في البرلمان العراقي الجديد يتجولون في ألمانيا تلبية لدعوة من مؤسسة "فريدريش ناومان" المقربة من الحزب الديمقراطي الحر وبتمويل من وزارة الخارجية الألمانية، لغرض التحاور فيما بينهم بعيدا عن الحوادث الدامية في بلدهم، والحصول على معلومات عن النظام الفيدرالي المعمول به في ألمانيا، وتبادل الآراء عن مواد وفقرات القانون الأساسي "الدستور" الذي يتعين على العراقيين طرحه للتصديق عليه قبل حلول منتصف أغسطس/آب المقبل. أجمع هؤلاء على اختلاف توجهاتهم السياسية والدينية على أن انسحاب القوات الأجنبية من العراق يشكل أساس المرحلة المقبلة، إذ لا يمكن وضع دستور لبلد قبل أن يحصل على سيادته. هذا أيضا موقف عضو البرلمان رعد السكر الذي ينتمي للائحة الشيعية التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، ويشاركه في ذلك البروفيسور في القانون والعضو السني في لجنة صوغ الدستور حسن عبداللطيف البزاز الذي قال: "مشكلتنا الكبرى هي الاحتلال". وكلا الرجلين ينتميان إلى جماعات صغيرة يطلق عليها اسم آباء وأمهات الدستور الجديد. وقد أتوا إلى ألمانيا قبل أيام للحصول على فكرة عن النظام الفيدرالي وطرق تطبيقه، إضافة لعمل المحاكم وكيفية مراعاة حقوق الإنسان.

هذه الزيارة جزء من المساهمات التي تقدمها الحكومة الألمانية لإعادة تعمير العراق، إضافة لما تقوم به على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة من تدريبات ينفذها خبراء من مكتب الجنايات الفدرالي والقوات المسلحة الألمانية لعناصر من شرطة وجيش العراق، على رغم أن ألمانيا امتنعت عن المشاركة في حرب العراق، وتبنت موقفا ناقدا لها. وكشفت المناقشات بين أعضاء المجموعة الذين حصلوا على دعوة من مكتب مؤسسة فريدريش ناومان في العاصمة الأردنية "عمان" عن مدى صعوبة التوصل لاتفاق على مضمون القانون الأساسي المزمع وضعه حتى الخامس عشر من أغسطس. وحتى تجري مناقشات ومشاورات مفيدة تعين عليهم حزم حقائب السفر إلى ألمانيا لصعوبة التحاور والحديث فيما بينهم داخل بلدهم، إذ كل منهم مستهدف من قبل الفئات التي تفتك بهذا البلد وتنحر شعبه من دون تفرقة بين رجل وشيخ وطفل وامرأة.

دراسة الفيدرالية

وأشرفت على وضع برنامج الزيارة أنيمي دو فينتر من مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في عمان، وكانت المؤسسة المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم قد مولت زيارة مماثلة لأشخاص ينتمون لمختلف فئات المجتمع المدني لطرح تصوراتهم بشأن مستقبل بلدهم. وقال عبداللطيف البزاز انه يمكن الاستفادة من التجربة الألمانية نظرا إلى تشابه الوضع الذي مرت به بعد الحرب العالمية الثانية مع وضع العراق الحالي. وعوضا عن أنه يمكن فهم مساهمات ألمانيا على أنها جادة وتخدم الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ انها لم تحتل دولة عربية في تاريخها، ولم تشارك في حرب العراق وعاشت بنفسها تجربة الاحتلال الأميركي. لكنه قال انه يريد التعرف على النظام الفيدرالي والحصول على وسيلة قانونية تحول دون استقلال الأكراد في المستقبل عن العراق، وأضاف: "علينا إيجاد وسيلة تضمن تماسك النظام الفيدرالي إلى الأبد". لكن البزاز يعود ويركز بعد كل إجابة على ضرورة وضع موعد زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق، ما ينشر الشعور أن العراقيين يسيرون في الطريق السليم. لكن البزاز يتصف بالواقعية وعبر عن ذلك حين قال: "صحيح أن انسحاب القوات الأجنبية غير ممكن في الوقت الحالي غير أن خفض عدد الجنود الأجانب بصورة ملحوظة واختفاء المظاهر العسكرية من الحياة العامة يخدم هدف العراقيين باستعادة سيادتهم".

ممثل مؤسسة فريدريش ناومان آرنو كيلر أشار في لقاء مع الصحافيين إلى اهتمام ألمانيا بالوضع في العراق بقوله: "يرى المراقب للأوضاع في العراق مدى بشاعة الإرهاب الذي كانت حصيلته في يوم واحد 30 طفلا، وفي اليوم التالي أكثر من 90 مدنيا بريئا، وهذا يحث كل الأطراف المعنية على التضامن لبناء عراق جديد وإعداد دستور جديد له.

وتشجع ألمانيا الأطراف العراقية منذ وقت على التعجيل في وضع الدستور ووضعت تحت تصرفها الخبرات وقامت بالاتصال بالجهات العشائرية والقبلية والرموز الدينية. كما نظمت مؤسسات مثل "فريدريش إيبرت" و"فريدريش ناومان"، دورات في الأردن والعراق للحديث عن التجربة الألمانية بعد الحرب والترويج للدستور الذي وضعه الألمان وتبنوه.

لماذا في ألمانيا؟

يجيب عبداللطيف البزاز على هذا السؤال قائلا: "أعتبر التوجه إلى الغرب في هذه المسألة نابع من أن المشكلة العراقية يجب أن تخرج من إطارها القومي، لتدخل في الإطار العالمي، خصوصا أن الكثير من دول العالم تدخلت في الشأن العراقي ونحن بحاجة ماسة إلى مساعدة مختلف الدول لحل المعضلة العراقية المتشابكة والمعقدة".

وقال عضو المجلس الوطني السابق وعضو البرلمان الجديد سامي شبك: "بما أن لغة الحوار ولقاء الحضارات هي السائدة اليوم، فلابد للعراقيين من اتخاذ هذا النهج الحضاري. ونظرا إلى وضعنا الحالي والمتمثل في الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام سياسي آخر يدفعنا لطلب المساعدة من دول أخرى ذات خبرة في النظام الفيدرالي مثل ألمانيا".

وتكمن أهم عقبات صوغ الدستور في ثلاثة محاور، هي مدى علاقة الدين بالدولة، إذ يعتبر الإسلام مصدر تشريع وليس المصدر الوحيد؛ والفيدرالية التي لم يتم الاتفاق على كيفيتها بعد؛ إضافة إلى القوميات إذ تعتبر كركوك الأهم بين هذه المشكلات نظرا إلى أن الأكراد لم يكشفوا عن أوراقهم بعد، ولا أحد من الأطراف الأخرى في العراق لديه صورة واضحة للمستقبل

العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً