ربما كان على الدولة أن تفكر جديا في تلافي تصعيد التوتر الحاصل في البلد الآن، وأكثر من ذلك أزعم أن من واجبها أن تعير آذانها للعقلاء والمخلصين للوطن من ذوي الرأي والخبرة، فكالعادة دائما، سيبرز المراؤون والمنافقون وأصحاب الفتن والتقارير والاكتشافات الخطيرة، ويتحولون إلى نافخي كير لإشعال الفتيل.
أولا ومن منطلق الحب كل الحب، يجب القول بأنه ما من مصلحة لأحد أن يتآكل الإصلاحيون في المعارضة، وربما كان يجب الصراخ في أذن الدولة، والقول "إن العقلاء يتآكلون"، وكصحافي قمت بتغطية تجمع العاطلين عند مسجد الخواجة، وما حدث من قبل الشيخ علي سلمان، أشهد واقسم بأني منذ انتفاضة التسعينات حتى تلك الليلة، لم أر الناس بهذا الغضب الشديد، فما قامت به قوات الأمن من سلخ للمتظاهرين بقرب مسجد الفاتح، أحدث ردة فعل هائلة لدى الناس، وفي تلك الليلة رأيت رئيس جمعية الوفاق للمرة الأولى، شبه عاجز أمام الناس، صرخت عليه امرأة من الطابق الثاني مستاءة من طرحه الداعي للتهدئة، وبعد قليل صرخ رجل من خارج المسجد من خلال النافذة، وبعدها قام أحدهم يتحدث لسلمان وسط المسجد، وكادت تحدث مناوشات، ليصرخ أحد المتظاهرين بالتكبير، وكاد الجمع يخرج لكن تم إجلاسهم ثانية، وبعد استئناف سلمان لكلامه عاد رجل مسن كان جالسا أمامي ليقف وهو يهم بالخروج، قائلا "الكلام ليس منه فائدة، لا بد أن نخرج ونطالب بحقوقنا في الشارع"، وكان سلمان مصرا وهو يكرر عليهم أن تحرك علماء الدين مرتبط بشرع الله، وأنه لا يجب مخالفة رأي العلماء، أنهى سلمان كلامه ورحل ووقف له الناس إجلالا، إلا أن المسيرة عادت لتخرج بعد ذهابه لولا تدخل أحد الناشطين وإقناعهم بالتوقف، لكي يأخذ العلماء فرصتهم في التحرك بملف العاطلين.
هذه صورة لا يجب التعامل معها، بالعنترة والبيانات النارية، وهي توصل للحكومة بأن العقلاء يتآكلون وسيتآكلون نهائيا عما قريب، ولن يكون لتحاورها فيما بعد معهم، أية جدوى لأن صلاحيتهم إنتهت بالنسبة للشارع، كما توصل هذه الصورة بأن رئيس الوفاق تخلى عنه جميع رفاقه إذ اقتنع بعضهم بالتحرك المباشر في الشارع، وبعضهم من المعممين اكتفى بالتنظير منذ عهد الميثاق، إذ إن بعضهم ليسوا حتى أعضاء في الوفاق، وربما كان عليهم كما قال الشيخ عيسى قاسم ذات يوم "أن يخلعوا عمائمهم"، لأنه بصراحة شديدة لا فائدة منهم سوى الكلام
العدد 1048 - الثلثاء 19 يوليو 2005م الموافق 12 جمادى الآخرة 1426هـ