حرية التعبير عن الرأي بواسطة وسائل الإعلام المختلفة من صحافة مكتوبة ومسموعة ومرئية في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية والإذاعات والمواقع الإلكترونية هي أهم مشترك بين جميع الدول العربية، التي لم تتعود على حرية النقد وثقافة الاختلاف. فقد تعودت على التطبيل بكل حماس من قبل بعض الوصوليين الذين يحلمون بالمناصب والنفوذ، ومهمة الصحافي عندها هي التلميع والتصفيق لكل مشروع حكومي من دون النظر في حيثياته القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولهذا تكرست حال التخلف في الصحافة العربية باستثناء بعض المشروعات الطموحة في هذه الدولة أو تلك.
والبحرين تعيش طفرة صحافية بعد توقيع ميثاق العمل الوطني، فقد تضاعفت عدد الصحف اليومية، وازدادت المجلات، وربما نشهد قريبا ظهور أول إذاعة غير حكومية، وتليها قناة فضائية يرجح أن يكون اسمها دلمون في المشروع الإعلامي المرخص من قبل وزارة الإعلام والذي ساهم فيه ثلاثة شركاء بحريني وسعودي وكويتي. غير أن هذا التطور الكمي لم يصاحبه تطور نوعي فلانزال نرزح تحت مرسوم 47 لسنة 2002م الخاص بالمطبوعات، ولحد الآن لم يعمل بالمقترحات المقدمة لتعديل قانون الصحافة والتي يتفق معظم الصحافيين عليها والتي أقرتها لجنة الخدمات بمجلس النواب. وتتلخص في إلغاء عقوبة الحبس، ويكون تأديب الصحافي خاضعا لجمعية مهنية، ويعفى رؤساء التحرير من الاستدعاءات المتكررة، ويكون للقضاء القول الفصل في توقيف الصحيفة عن الصدور، والبينة في كذب الخبر الصحافي تكون على المدعي.
ومن غير المعقول تمسك الحكومة بالتعديلات التي اقترحتها هي من دون الأخذ بمقترحات النواب التي كانت في الأصل مقترحات الشوريين، كما أن ذلك يعتبر تجاهلا لمقترحات رؤساء التحرير. أليس التطور في الإعلام المرئي أصبح أمرا حتميا فرضته طبيعة التحولات في المنطقة والعالم؟ فمنذ ظهور قناة "الجزيرة" الفضائية والقنوات تتنافس فيما بينها، حتى أصبحنا نشاهد قنوات كثيرة تتنافس في سرعة عرض الخبر كقناة "أبوظبي" و"العربية" و"العالم" و"المنار" وغيرها، فهل في ظل هذا الانفتاح المرئي يتم وضع القيود على الصحافة المكتوبة؟ وهل إحصاء المواقع الإلكترونية أمر ممكن في عصر انفجار المعلومات؟
إن تطبيق مرسوم 47 لسنة 2002 لا يتناسب مع مرحلة الإصلاحات والتحولات المتسارعة في المنطقة، فالنظام العراقي أصبح نظاما ديمقراطيا يناقش قضاياه بشكل علني على فضائياته المتعددة، والنظام الإيراني قام بالأمس القريب بانتخابات رئاسية تنافس فيها مرشحان من مختلف الأحزاب، كل منهم ينتقد الآخر من دون خوف من المستقبل، ودول الخليج بدأت مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي بالسماح للمرأة بالمشاركة في الحياة السياسية وانتخابات مجالسها النيابية والبلدية بشكل جزئي أو كلي، والنتيجة أنه ليس هناك من سبيل للتراجع إلى الخلف، بل لابد من الدخول في عصر العولمة والتبادل الثقافي. ولابد من نسيان مرحلة قانون أمن الدولة الذي سقط إلى غير رجعة، فلم يعد هناك سجين رأي يقبع في السجون. ولهذا يحق لنا أن نتفاخر بالانفراج الذي حدث بعد مرحلة الميثاق، فالآن تستطيع أن تعبر عن رأيك من دون قلق من اعتقال تعسفي، ولكن هذه المرحلة لابد لها من استحقاقات حتى نستطيع أن نحكم عليها حكما إيجابيا وهي سن القوانين والتشريعات التي لا تصطدم بحرية المواطنين كقانون التجمعات والمسيرات، وقانون الجمعيات وقانون الصحافة وغيرها من حزمة القوانين التي نتمنى ألا تعيدنا إلى عهد التسعينات.
إن القلق والخوف على المكتسبات في عهد الإصلاح لا يجب أن يكون ذريعة لقمع الحريات المنطوقة أو المكتوبة، المرئية أو المسموعة. وتحولنا إلى مملكة دستورية يفرض علينا الالتزام بالدستور، وفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، حتى يتحقق الهدف المرجو من الإصلاحات ولا نتجمد عند قانون الصحافة الذي يهون من عميلة سجن الصحافي واستدعاء رئيس التحرير بشكل متكرر، ما يؤثر على حرية الكلمة في عصر الرأي والرأي الآخر
العدد 1043 - الخميس 14 يوليو 2005م الموافق 07 جمادى الآخرة 1426هـ