في العام 323 ق. م قرر الإسكندر الأكبر إرسال سفينتين على رأس حملة لاكتشاف المنطقة، ووصلت السفينتان إلى شواطئ البحرين، مؤذنة بحقبة جديدة، وحضارة تتجلى في السيطرة الإغريقية على هذه الأرض لمدة 950 سنة تقريبا، تم خلالها إطلاق مسمى تايلوس على المنامة، وأرادوس على المحرق.
اليوم، بعد مرور 2328 عاما على وصف قائد حملة الإسكندر الأكبر للبحرين بأنها "جزيرة طيبة تتمتع بالموانئ الطبيعية وهي زاخرة بالنخيل وصيد اللؤلؤ والأسماك"، ماذا تغير على هذه البقعة من الأرض؟
فقدت البحرين أبرز سماتها الأساسية، فالسواحل تم الاستيلاء على معظمها من المالكية ودمستان وسند وخليج توبلي إلى المحرق "البسيتين، الدير، سماهيج، عراد والحد"، ولعل الأمر الصادر من الديوان الملكي بهدم جدار العزل واستملاك الأرض القريبة منه في المالكية أمر يؤذن بمرحلة جديدة، يتم خلالها إعادة بقية سواحل البحرين إلى مكانها الطبيعي، أي الملكية العامة للدولة، فيعود إلينا بعض سواحلنا التي افتقدناها جراء غياب الرقابة على أعمال الإدارة التنفيذية لمدة ثلاثين عاما، وتعود أيضا تلك الموانئ الطبيعية التي كانت من الأهمية بمكان إذ يذكرها قائد حملة الإسكندر الأكبر في وصفه للبحرين.
إن "استرداد المقاطعات البحرية" أمنية عزيزة على النفس، ونتمنى من الديوان الملكي النظر فيها وتحقيقها، وعلى النواب أيضا أن يشرعوا في ذلك الأمر بما يضمن عودتها. أما النخيل والخضرة والبساتين، فإن مسلسل القضاء عليها مبرمج للدرجة التي تنبئ عن أن الكبار بعد أن استنفدوا كل مصادر القضم والأكل، عادوا ليلتهموا أراضي الحزام الأخضر! هكذا بكل بساطة أصبح بلد المليون نخلة، والعيون الطبيعية بلا نخيل. ويعيش أهله في مشكلات لا تنتهي جراء الانقطاعات الدائمة للماء على رغم سدادهم فواتير "متلتلة"، حتى وصلنا إلى درجة لا نجد فيها بيتا إلا وبه خزان مياه أرضي وآخر فوق سطح المبنى!
أما صيد اللؤلؤ، تلك المهنة التي كان من المفترض أن تحافظ عليها الدولة كأحد مكونات هويتنا التاريخية، لم تقدم لها الدولة إلا متحفا تائها بين المتحف الوطني وبيت سيادي، والأخير هو قطعا لا يصلح لذلك إلا إذا كانت وزارة الإعلام تريد من وراء ذلك استخدام البيت الذي استملكته ليس إلا!
ونأتي للمصيبة العظمى و"البلوة المسيحة"، وهي تجفيف البحر من الأسماك، وتطفيش البحرينيين من المهنة، تارة بقانون جائر كقانون تنظيم الصيد الحالي، وإحلال الأجانب الآسيويين مكان البحرينيين في المهنة، وتحويل مهنة صيد الأسماك إلى تجارة في "الفري فيزا" وتجارة رقيق! يستحوذ عليها "مهنة الصيد" الهوامير الكبيرة، وذلك ما يؤكده أحد أبناء البحر البحرينيين، محمد بن شبيب النعيمي، والذي استحوذ عليه الضجر بسبب تخاذل الكثير من النواب عن مناصرة قضايا الصيادين الذين يمارسونها كدخل لهم ولإعالة عوائلهم، وليس الدخلاء على المهنة الذين يتخذونها تجارة وسمسرة!
عطني إذنك
إني أغبط من عاش قبل 2328 عاما واستمتع بطبيعة البحرين الخلابة، من سواحل طبيعية جميلة ونخيل باسق ومصائد لؤلؤ وأسماك طازجة! فما هي الفائدة من اكتشاف النفط في ظل حرماننا من النزر اليسير من خيراته، وتجريف النخيل "وتخريب" طبيعة بلادنا، والاستيلاء على السواحل وبناء البنايات الشاهقة في حين تئن الناس في الطرق الخلفية، بل ووزارة الإسكان تهدد بحشر البحرينيين في التمدد الرأسي! ومحاصرة البحرينيين وتطفيشهم من مهنة صيد الأسماك، و"تكويش" الهوامير على المهنة... ما فائدة كل ذلك؟
على طول شاطئ الإسكندرية، والتي أسسها الإسكندر الأكبر قبل 2237 عاما، لن تجد على سواحلها إلا أجزاء صغيرة خاصة بأندية المهن الحرة أو ناد لضباط القوات المسلحة، وأما الجزء الأكبر فإنه عام للجميع، أما البحرين فالعكس صحيح، أي أنك لن تجد إلا أجزاء صغيرة جدا جدا يرتادها الناس، أما الجزء الأكبر من الشواطئ فإنه خاص! إنها مفارقة، فأرض مصر الكبيرة لا يتم الاستحواذ عليها، والبحرين الصغيرة تقرض سواحلها الحيتان والقطط السمان
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1042 - الأربعاء 13 يوليو 2005م الموافق 06 جمادى الآخرة 1426هـ