تواجه عاملات مصانع الملابس الجاهزة هذه الأيام حملة شرسة تصاحبها ظروف نفسية صعبة لمثل هؤلاء اللاتي بتن بين ليلة وضحاها عاطلات عن العمل، من جراء غلق بعض مصانع الملابس الجاهزة وتسريحهن عن العمل بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار. والبعض الآخر اكتفى بالعاملين الأجانب وتخلص من العمالة الوطنية، في الوقت الذي باتت فيه عاملات المصانع يتمسكن بوظائفهن وبحقهن في العمل على رغم سوء الأوضاع الصحية في المصانع الناتجة عن عدم توافر التهوية الكافية وانتشار الروائح الكريهة وجود الفئران التي ترتع هنا وهناك، إلى جانب الأجور الرمزية المتدنية التي يتقاضينها، وتصل إلى 500 فلس فقط مقابل ساعة العمل الواحدة، علاوة على ساعات الدوام الطويلة وعدم توافر أسباب الراحة أثناء عملهن، إذ يقضين في غالب الأحيان أوقات عملهن واقفات، حتى يتمكن من إنجاز القطع المطلوب منهن إنجازها في اليوم، علاوة على المعاملة القاسية التي يتعامل بها المسئول الأجنبي معهن، لدرجة أن يتعرض بعضهن للضرب في حال عدم إنجاز القطع المطلوب منهن إنتاجها في اليوم، حتى وإن كان للعاملة عذر كالمرض فهو غير مقبول. وعلى رغم كل ذلك بقين متمسكات بوظائفهن نتيجة الأوضاع المادية والاجتماعية السيئة التي يعشنها، ولمعرفتهن بعدم توافر فرص عمل أخرى في حال تنازلهن عن وظيفتهن الحالية، ألم أقل لكم: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.
هؤلاء العاملات بتن لا يردن قطع أرزاقهن بأنفسهن لأنهن يتحملن مسئوليات جساما، فغالبيتهن يعانين من ظروف أسرية صعبة للغاية، ولا يوجد من يعيلهن عند تسريحهن من العمل. كما أن اكثرهن زوجات لأزواج عاطلين عن العمل، وبالتالي يبذلن مزيدا من الصبر والاحتمال في سبيل لقمة العيش.
رواتب هؤلاء لا تزيد بأية حال من الأحوال عن 105 دنانير فقط حتى وإن عملن ما يتجاوز عشر سنوات، من هنا فإن الراتب لا يوفر أصلا حياة كريمة لهن، ولكن ماذا يفعلن؟ فعصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة. بل لسان حالهن يقول: "رضينا بالهم والهم مش راضي فينا". فحال هؤلاء العاملات اللاتي تحملن العمل القاسي في مصانع الملابس، تبدل إلى جملة من الاعتصامات أمام وزارة العمل في هذا الصيف الحار، مخالفات قانونية بالجملة يتعرضن هؤلاء في مسرح عملهن في سبيل لقمة العيش، أذكر من بينها التسريح من العمل من دون سابق إنذار، وتأخير الرواتب وعدم توافر بيئات صحية ملائمة، إلى جانب قسوة التعامل، كل ذلك بمرأى ومسمع من وزارة العمل، المسئولة عن هؤلاء.
والأدهى من ذلك عندما تم إغلاق ستة مصانع للملابس الجاهزة في الآونة الأخيرة وبدأت الاعتصامات في وزارة العمل، البعض منهن قررن الاعتصام بالقرب من سيارة وزير العمل لكي يرى بأم عينيه الاعتصامات والاحتجاجات، وبالتالي يهتم بالقضية التي تزداد سوءا كل يوم، ولم يكن من الوزير إلا عدم الاكتراث بما رآه... وبالتالي مزيد من تعقيد المشكلة.
مستشار المصانع بغرفة تجارة وصناعة البحرين حسين المهدي ذكر في حديث له أن 60 في المئة من مصانع الملابس الجاهزة أغلقت، ما أدى إلى خسارة نحو 600 عاملة لعملهن، ومع إغلاق مصنع لايت ستايل ارتفع العدد إلى 800 عاملة، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 1000 عاملة، وكلنا نعرف تداعيات هذا الأمر الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية.
كما أن مصانع الملابس الجاهزة في تناقص مستمر، فقبل 25 عاما كان هناك ما يقارب 34 مصنعا وانخفض عددها الآن إلى 14 مصنعا، وسيصل مع العام 2006 إلى خمسة مصانع فقط، وبالتالي إلى مزيد من الأعداد في صفوف العاطلين عن العمل.
أساسا مشكلة البطالة وصلت إلى مستوى لا تستطيع الحكومة مداراتها وإخفاءها، واستمرار مسلسل إغلاق المصانع وتسريح العاملات يعني ضخ مزيد من أعداد البطالة إلى صفوف العاطلين، وبالتالي تحول الحال من سيء إلى أسوأ. الأوضاع الاقتصادية في انحدار وهذا بطبيعة الحال ينعكس سلبا على نفسيات العاطلين، وبالتالي مزيد من الأمراض الاجتماعية التي تضر بأمن المجتمعات واستقرارها.
على وزارة العمل مزيد من الجهد في سبيل احتواء العاملات أولا وتوفير فرص الأمن والأمان لهن، حتى يتمكن من العمل في أجواء صحية آمنة، لا الوقوف هكذا مكتوفة الأيدي، فالمسئولية برمتها تقع عليها في متابعة الملف بشكل يتناسب مع حجمه.
إن ما نطرحه ليس فيه أية مبالغة أو تهويل، فماذا تريدون من هؤلاء؟ هل تنظرون منهم أن ينساقوا في صفوف المتسولين الذين يبحثون عن لقمة العيش في الطرقات والشوارع العامة؟ أم أن المؤسسات الحكومية المسئولة تحمل هم هؤلاء ومحاسبة المتسببين في ذلك؟ فالجوع كافر... والفقر لا يستطيع الإنسان أن يتعايش معه
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1041 - الثلثاء 12 يوليو 2005م الموافق 05 جمادى الآخرة 1426هـ