تبدأ اليوم في غلين ايغلز "اسكتلندا" اجتماعات قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى برئاسة بريطانيا، وسط توقعات باندلاع مظاهرات ضد "العولمة". وتستمر القمة لمدة ثلاثة أيام يناقش خلالها قادة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان وألمانيا وإيطاليا وكندا وروسيا قرابة 11 بندا تتناول مختلف شئون العالم، أبرزها: مسألة المناخ والبيئة "ارتفاع حرارة الأرض"، الفقر، ديون إفريقيا، المساعدات المالية للدول المحتاجة "احتمال رفعها من 50 إلى 100 مليار دولار"، العراق وفلسطين "الشرق الأوسط"، الإرهاب، انتشار الأسلحة النووية "تخصيب اليورانيوم"، النفط "ارتفاع الأسعار" واتفاقات التجارة الحرة "إلغاء الحواجز الجمركية".
هذه البنود وغيرها يرجح أن يناقشها قادة الدول الثماني وسط مخاوف من اشتداد نزعة مناهضة "العولمة" التي ارتفعت أمواجها بعد تصويت فرنسا ضد مشروع دستور الاتحاد الأوروبي. فالدول الثماني التي يشكل مجموع سكانها أقل من 20 في المئة من شعوب الأرض يهيمنون على قرابة 60 في المئة من الاقتصاد العالمي ويحتكرون الكثير من الصناعات والتقنيات ويتنافسون على نهب المواد الأولية من العالم الثالث ويتجهون الآن للسيطرة على التجارة الدولية... هذه الدول تتخوف من نمو اتجاهات سياسية متطرفة تقلق الاستقرار وتعطل عليها الاستمرار في احتكار الخامات والثروات "الرساميل" وما يتفرع عنها من تداعيات تؤجج العنف.
الدول الثماني التي تبدأ أعمال قمتها اليوم تدرك تماما أنها تتحمل مسئولية كبيرة في إنتاج التطرف وزعزعة أمن العالم ولكنها تتعمد دائما تجاهل الأمر وتميل نحو تحميل غيرها مسئولية الفقر والتخلف والأمية ومشكلات البيئة. فالدول الكبرى مثلا تتحمل مسئولية اضطراب المناخ العالمي وارتفاع حرارة الأرض بسبب سياستها العشوائية في التعامل مع البيئة. وحتى الآن لم تتوصل الدول إلى إقناع الرئيس الأميركي جورج بوش بتوقيع اتفاق كيوتو "اليابان" الذي يعالج التغيرات المناخية "مشكلة الاحتباس الحراري". فالولايات المتحدة تعتبر الدولة الأكثر إنتاجا لمادة ثاني اكسيد الكربون ولكنها ترفض الالتزام ببنود الاتفاق حتى لا تفرض عليها سياسة تضر بمصالحها الاقتصادية.
هذا النوع من التنصل من المسئولية الإنسانية المشتركة تعتبره الكثير من الحركات المناهضة للعولمة "الأمركة تحديدا" نوعا من الاحتيال على مصير مشترك يهدد سكان الأرض. والنفاق الأميركي لا يقتصر على مسألة البيئة والمناخ بل يطال مختلف البنود المدرجة على جدول أعمال القمة. فمن يكذب في بند يكذب أيضا في البنود الأخرى.
موضوع ارتفاع أسعار النفط مثلا استفادت منه الشركات الأميركية "المستخرجة والمصدرة لهذه المادة" أكثر من الدول المنتجة "أوبيك". وموضوع ما تسميه السلام في "الشرق الأوسط" تعتبر واشنطن الطرف المسئول عن زعزعة استقراره وتعطيل إمكانات التوصل إلى تسوية بشأنه بسبب سياستها في دعم "إسرائيل" وتسليحها وتشجيعها على عدم تطبيق القرارات الدولية. وموضوع العراق وتداعياته تتحمل الولايات المتحدة مسئولية تقويضه وبعثرة قواه لجرجرة المنطقة إلى حال من التوتر والقلق وعدم الاستقرار حتى تبقى "إسرائيل" مستقرة سياسيا ومطمئنة أمنيا. وموضوع "الإرهاب" وما يتفرع عنه من مخاوف أخذت تنتشر في الكثير من الدول العربية والإسلامية ليس بعيدا عن الولايات المتحدة وجنوحها نحو إيجاد ذرائع لتبرير التمدد الاستراتيجي والانتشار الامبراطوري في العالم تحسبا لمواجهات مفترضة في سياق التنافس الدولي على قيادة العالم.
كل المصائب والمشكلات والكوارث التي يعاني منها العالم ليست بعيدة عن فضاءات التسلط والهيمنة والاحتكار والطمع التي تقودها الدول الثماني وتحديدا تلك الدولة التي تدعي الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. فمعظم الويلات العالمية تتحمل مسئولية تأسيسها أو رعايتها أو الاستفادة منها الولايات المتحدة. وهذه ليست اتهامات كلامية وإنما وقائع مثبتة بالأرقام والمعلومات والتواريخ. فالولايات المتحدة مثلا تعتبر الأغنى في العالم والأبخل في المساعدات قياسا بإنتاجها السنوي. وهي أكثر الدول ترددا في توقيع الاتفاقات التي تتميز بمردود إنساني تستفيد منه شعوب العالم. وهي أكثر الدول مناكفة لتوقيع الاتفاقات التي تضر جزئيا بمصالحها وأكثرها استعدادا للضغط إذا كانت لها منفعة. وهي أيضا من الدول السيئة السمعة في دعم المنظمات الدولية التي تعمل من أجل توسيع مساعدات التنمية في الدول الإفريقية.
هذه هي مشكلة الدول السبع مع أميركا وأيضا إنها مشكلة العالم مع الولايات المتحدة. ولكن واشنطن، وهنا تكمن المفارقة، تتنصل دائما من المسئولية وتحمل غيرها نتائج أفعالها. هذا ما فعلته مرارا ويرجح أن تكرر الأمر من جديد في قمة غلين ايغلز في اسكتلندا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1034 - الثلثاء 05 يوليو 2005م الموافق 28 جمادى الأولى 1426هـ