"إن الكائنات البشرية متنافرة في الجوهر، ولهذا فإن الحديث عن الصالح العام أو الخير العام. .. أمر لا معنى له" ثراسيماكوس.
كل نظام اجتماعي أو سياسي مهما بلغ من القدامة هو صورة خداع زائف. كل منظومة اجتماعية تسرق إجازة من الله والناس لقيادة المجتمع والتاريخ الى الخير والسلام والسعادة للجميع، هي تمثيل مستتر خلف أقانيم كبرى منقادة للوهم والخديعة.
ان صور السياسة، من دساتير مكتوبة، ومجالس نيابية، وانتخابات شعبية، ما هي إلا أدوات خداع وإخفاء لمصالح رجال الصناعة والاقتصاد وملاك الأراضي ومتغولي المال والنقد، وأخيرا لتلك الأيدي الماهرة بتسلم ما تنضح به أسفل الطاولات.
وهكذا، تنشأ مترادفات وضروريات "المصلحة العامة"، في سياقات إعلامية وسياسية مفبركة، "الأسرة الواحدة" أو "البيت الواحد" أو "الوطن الواحد" أو "نحن أولا" أو لعلها "الأرض أولا".
سراق المهمات الرسولية، ومتلبسو رداء الإنسانية الواعي، هم تمثلات الخديعة، وهم اللاعبون المركزيون لأجندتها الخاصة. فنحن لا نحتاج في الحقيقة إلى تجمعات وتوحدات واحدية أولية، قدر احتياجنا القديم إلى أن نفترق/ نختلف أكثر من مرة، وأن "نتفق أولا" على أن من حقنا أن نختلف.
هذه الأسرة اللامتجانسة، تفرض سلطة، وهذه السلطة تحتاج إلى التخريب، والتخريب هو أن نسبرها تفكيكا وتأويلا موغلا في الشك بحقيقة الواحدية والأولية. فخلف كل أولية تنتجها أدبيات خطاب ما، تقف ثانويات وثلاثيات مشكوك بها أو مسمومة، ولعلها في الغالب تكون مجهولة، وهي تتصف بالمراوغة والمهارة، مهارة تكتسبها تلقائيا عبر انجرافها في تقنيات الدفع المسبق للمثقف أو السياسي الملتزم في الصورة الاجتماعية، بمصلحة "نحن/الواحد أولا".
ثمة تلاعب، فنهايات الواحدية والأولية تحمل معها تحميل الآخر هوية "المخرب البغيض"، أو "المغرد خارج السرب". وهنا تخرج مفاهيم المصلحة العامة من شموليتها لتتلبس زي الإقصاء المقصود لـ "نحن جميعا... أولا"، إلى "نحن/المجهولون المستترون... أولا". لهذا كان رفيق سقراط ثراسيماكوس يرى أن الحديث عن المصلحة العامة أمر لا معنى له، وهكذا كان الخراب الجميل يرى أن الامر لا يخرج عن توصيف بسيط لـ "الهراء"
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1033 - الإثنين 04 يوليو 2005م الموافق 27 جمادى الأولى 1426هـ