العدد 1032 - الأحد 03 يوليو 2005م الموافق 26 جمادى الأولى 1426هـ

نظام يجمع بين الأقاليم أو المقاطعات أو الإمارات

المشروعات الفيدرالية في العراق

عبدالله الكوهجي comments [at] alwasatnews.com

رجل أعمال بحريني

نبدأ بالتعريف، ماذا تعني الكلمة؟ أولا - ما الكنفودرالية وما الفيدرالية؟ الكنفودرالية هي اتحاد دول أو مقاطعات أو إمارات ذات سيادة، وهي مرحلة انتقالية، فأما أن ينهار الاتحاد ويحل أو - كما حدث غالبا - سرعان ما يستقر وتندمج هذه الدول لتؤسس دولة فيدرالية. .. حدث هذا في جميع الحالات الفيدرالية باستثناء الكنفودرالية السويسرية التي بدأت كنفودرالية بعد العام 1815 واستمرت إلى يومنا هذا باسم كنفودرالية على رغم تحولها عمليا إلى فيدرالية منذ العام .1874

والفيدرالية نظام يجمع بين عدد من الدول أو الأقاليم أو المقاطعات أو الإمارات التي تمر غالبا بمرحلة انتقالية كنفودرالية بصيغة دولة اتحادية مميزة تخيم على الدول الأعضاء، وللحكومة الاتحادية وحدها السيادة المطلقة على الجميع.

ثانيا - الأنظمة الفيدرالية على الصعيد العالمي:

استنادا إلى حوادث كتاب صدر في باريس هذا العام "2005" وهو "دليل الدول الفيدرالية" ومؤلفته آن جريفيتس، فإن هناك 21 دولة فيدرالية في العالم، وإلى جانبها أربع دول طبقت بعض أشكال من الفيدرالية، بمعنى طبقت أنظمة حكم ذاتي أو أنظمة لا مركزية بتوسع. ومن بين دول اتحادية عدة وأشهرها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك واستراليا وألمانيا الغربية، اخترنا أن نأخذ أربعة نماذج معبرة: اثنان منها أوروبيان "قديم مثل سويسرا وحديث كبلجيكا" واثنان آسيويان "قديم مثل الهند وحديث كدولة الإمارات العربية المتحدة".

- النموذج السويسري:

يعتبر الاتحاد السويسري أقدم جمهورية أوروبية، وربما يكون أقدم كونفدرالية في العالم أيضا... تأسست الكونفدرالية السويسرية مباشرة بعد مؤتمر فيينا العام ،1815 وهي مكونة من 26 كانتونا، أصغرها "بال فيل" ومساحته 37 كيلومترا مربعا وأكبرها "ليكريسون" ومساحته 7106 كيلومترات مربعة، ولكل كانتون سويسري ثقافته الخاصة ودستوره وبرلمانه وحكومته... أما مكونات الاتحاد السويسري السكانية فهم: الألمان ويشكلون 65 في المئة من السكان والفرنسيون ويشكلون 18 في المئة والإيطاليون 10 في المئة والرومان 1 في المئة...

وتدين هذه المجموعات الثقافية واللغوية في الاتحاد السويسري بديانة واحدة وهي المسيحية، ولكن مذاهبها مختلفة "كاثوليك وبروتستانت" يشكل الكاثوليك نسبة 46 في المئة والبروتستانت 40 في المئة، ولكن البلد غير مقسم على أساس ديني أو طائفي وإنما على أساس ثقافي ولغوي.

- النموذج البلجيكي:

بعد 25 عاما من الخلافات التي كادت أن تودي بوحدة البلاد وصلت المملكة البلجيكية إلى قناعة أن الحل الوحيد الذي سيحول دون تمزق البلاد هو الفيدرالية بين المتصارعين من الفلامون والوالون، واستنادا إلى اتفاق سانت ميشيل أعلنت ولادة مملكة فيدرالية بلجيكية العام 1993 مكونة من مجموعات ثقافية ولغوية ثلاث، هي:

أولا - الفلامون: يشكلون 6 ملايين نسمة ويشكلون 55 في المئة من السكان، ينحدرون من أصل جرماني، ويتحدثون الهولندية، وعرفوا كونهم من المحافظين الكاثوليك.

ثانيا - الوالون: 4 ملايين نسمة ويشكلون 33 في المئة، ينحدرون من عرق السلت ويتحدثون الفرنسية، ولهم تقاليد يسارية علمانية.

ثالثا - الجرمانيون: وهم أصغر مجموعة سكانية مكونة من 70 ألف مواطن يشكلون 3 في المئة من السكان يتمسكون بثقافتهم الجرمانية ويتحدثون اللغة الألمانية...

أما سكان العاصمة بروكسل فهم خليط من الفلامون والوالون ويتحدثون لغتين: الفرنسية والهولندية. ولكل هذه المجموعات السكانية كيان سياسي وبرلمان محلي.

- النموذج الهندي:

يتكون الاتحاد الفيدرالي الهندي من مجموعات سكانية عدة، يتحدثون مئات اللغات ويعتنقون ديانات شتى، فالهندوس يشكلون 72 في المئة من السكان والمسلمون يشكلون 14 في المئة والمسيحيون قرابة 2,4 في المئة والسيخ 2 في المئة والبوذيون 0,7 في المئة... ويذكر أن الفيدرالية الهندية غير قائمة على أساس عرقي أو ديني وإنما على أسس لغوية واستراتيجية.

اللغات المستخدمة في الهند هي: الهندية والإنجليزية على نطاق واسع، وهناك 15 لغة رسمية في البلاد، وإلى جانبها يتحدث سكان هذه القارة الفيدرالية 1652 لغة أخرى.

الهند جمهورية فيدرالية تضم 25 دولة و7 مقاطعات وهي عضو في الكمونولث البريطاني. بدأت ووضعت لأول مرة ما سمي بـ "الدول اللغوية" وذلك استنادا إلى منطقين:

الأول: يعتمد على إعطاء الأولوية للغات الكبرى التي شكلت الكيانات الكبرى، وجرى ضم أو تقسيم دول الأمراء القديمة استنادا إلى كونها تعتمد لغة واحدة مثل دولة "ميسور" أو عدة لغات مثل "حيدر آباد".

والثاني: يعتمد على أسس جغرافية لإقليم تمتد على مساحات أرضية مثل البنجاب، وبالترافق مع هذا المعيار اعتمد معيار آخر هو الاستجابة إلى حركات القبائل وخصوصا في الأراضي الحدودية والاستراتيجية، إذ وافقت الحكومات المركزية المتعاقبة على تهدئة المجموعات السكانية بتأسيس دويلات صغيرة مثل "ناجالاند" أو أراضي"اتحاد ميزورام" التي رسمت بنجابا يعتمد على معيار لغوي بنجابي.

وعلى رغم التعدد الديني والمذهبي في الهند فلا توجد دولة هندية واحدة تأسست على أساس ديني، حتى كشمير ذات الغالبية المسلمة فإن اسمها الرسمي هو "جامو وكشمير". أما البنجاب التي حددت العام 1966 وشاءت الصدف وحدها أنها قامت على العلاقة الاعتباطية بين اللغة البنجابية والدين السيخي، وذلك لأن الكتاب السيخي المقدس مكتوب باللغة البنجابية، فقد بذرت ثمار التعصبية الدراماتيكية التي تفجرت في الثمانينات...

- نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة:

قامت دولة الإمارات العربية المتحدة في نهاية العام 1971 بعد أن جرى اتفاق بين ست إمارات خليجية متفاوتة في السكان والمساحة والثروات وهي: أبوظبي، دبي، الشارقة، الفجيرة، عجمان، أم القيوين لتشكيل كونفدرالية بين هذه الإمارات "المتصالحة" التي أصبحت سبعا بعد أن انضمت إليها إمارة رأس الخيمة العام .1972 ويتجسد تفاوت الإمارات في المساحة والسكان، إذ تبلغ مساحة اكبر إمارة وهي أبوظبي التي أصبحت العاصمة 67 ألف كيلومتر مربع عدد سكانها "العام 1975"، 211 ألف نسمة، بينما تبلغ مساحة أصغر إمارة وهي عجمان 300 كيلومتر مربع وعدد سكانها للعام نفسه 17 ألف نسمة.

والسمات البارزة في هذه الفيدرالية لا تكمن، كما هي العادة في الفيدراليات الأخرى، في التنوع اللغوي أو الثقافي أو الديني أو القومي، فهناك وحدة لغوية وثقافية وعرقية ودينية بين سكان الإمارات كلها... إنها باختصار مجموعة سكانية واحدة فرقتها العصبوية العشائرية التي أسست لها كيانات سياسية لسنوات، وجمعتها كونفدرالية متقدمة بثبات نحو فيدرالية متماسكة.

وربما تكون ابرز ميزتين في حياة هذه الفيدرالية هما: إن الإمارات العربية السبع هي أول تجربة اتحادية في العالم العربي، فهي التجربة الاتحادية الوحيدة التي نجحت واستمرت قائمة طيلة الأربع والثلاثين السنة الماضية، بينما طوى الزمان كل التجارب الوحدوية العربية السابقة، والسمة الثانية هي الحيوية الداخلية والنجاح المنقطع النظير للإمارات سياسيا واقتصاديا وعلى المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

حافظ الدستور الفيدرالي لدولة الإمارات على الأخذ في الاعتبار التفاوت في سكان وثروات الإمارات، بحيث جعل من الثروات الطبيعية والموارد العامة التي تتمتع بها كل إمارة ملكا لها ولشعبها وليس بالضرورة ملكا لشعب الاتحاد. وتقف الإمارات على رأس الدول ذات الرفاهية العالية دوليا منذ الفورة النفطية العام 1973 إذ وصل دخلها العام 1975 نحو 6 مليارات دولار لمواطنين لم يبلغ عددهم حينئذ سوى نصف مليون نسمة فقط...

إن الاطلاع على دستور دولة الإمارات العربية المتحدة في مواد عدة يشعرنا بأن نصوصا كثيرة قد استعان بها قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية من دستور الإمارات... وربما يكون سبب ذلك المساهمة الخاصة لعدنان الباجه جي في صوغ مواد قانون إدارة الدولة وعمله رئيسا للجنة كتابة القانون وهو المطلع بنحو دقيق على دستور دولة الإمارات والمقيم فيها لفترات طويلة. فعلى سبيل المثال يجيز دستور الإمارات "لكل إمارتين أو أكثر حق التكتل في وحدة سياسية أو إدارية أو توحيد كل أو بعض مرافقها العامة" مثلما أجاز قانون إدارة الدولة "لمجموعة من المحافظات خارج إقليم كردستان لا تتجاوز الثلاث، فيما عدا بغداد وكركوك، تشكيل أقاليم فيما بينها"، ومثلما أعطى دستور إمارات حق الفيتو لإمارتي أبوظبي ودبي أعطى قانون إدارة الدولة حق الفيتو للمحافظات الكردية الثلاث... إلخ.

باختصار، فإن جمهورية العراق كانت وحدة كيانية سياسية واحدة توزعت إلى كيانين عربي وكردي سيجمعهما نظام اتحادي، بينما كانت الإمارات العربية سبعا متفرقة جمعها النظام الاتحادي.

ثالثا - المشروعات الفيدرالية المطروحة في العراق اليوم

بعد 84 عاما من تأسيس الدولة العراقية منها 35 عاما من نظام الحزب الواحد الاستبدادي تيقن العراقيون أن مجتمعهم المتعدد القوميات والأديان والمذاهب يستلزم التخلص من نظام الدولة المركزية، وهذا لن يتأتى لهم من دون تغيير جذري في نظامهم السياسي.

ساعد انهيار النظام الاستبدادي على شيوع فكرة الفيدرالية ليس في الأوساط الكردية فحسب وإنما في الأوساط العربية العراقية أيضا، انطلاقا من مبدأ أن الفيدرالية هي في جوهرها مشروع اتحادي وليس مشروعا تقسيميا... لقد طرحت أفكار عن مشروعات عدة للفيدرالية: قومية، إدارية، مذهبية، جغرافية... إلخ. وبات العراقيون أحزابا وجماعات يناقشون إيجابيات وسلبيات هذه المشروعات الفيدرالية المطروحة على الساحة السياسية العراقية.

وقد جاء قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لكي يعزز هذه التوجهات الفيدرالية بنص يبدو أنه غير قابل للتغيير... ففي المادة الرابعة من الباب الأول ينص القانون على "أن نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي "فيدرالي" ديمقراطي تعددي... وجرى تقسيم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية... يقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب.

أ- المشروع الكردي: تطور الوعي بالفيدرالية

إن القراءة السريعة للطروحات والتصريحات والممارسات العملية لأفكار المشروعات الفيدرالية في العراق تدل على أن هناك خلطا كبيرا في الفهم ما بين مفاهيم الدولة المستقلة ذات السيادة والكونفدرالية والفيدرالية والحكم الذاتي، ويعود سبب ذلك إلى تدني كبير في الوعي بأسس النظام الفيدرالي ومقتضياته بين الساسة والعامة على حد سواء.

قبيل انهيار نظام صدام حسين بأشهر قليلة وتحديدا في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2002 أقر البرلمان الكردي قانونين قدمهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، الأول مشروع الفيدرالية لإقليم كردستان، والثاني دستور العراق الفيدرالي. وفي القانونين نلاحظ أن التصور الكردي للفيدرالية المنشودة يستخدم سقفا عاليا لمطالبه يتجاوز السقف الذي يسمح به النظام الفيدرالي.

تنص مواد القانونين على أن لإقليم كردستان علما خاصا وهو علم جمهورية مهاباد وشعارا ونشيدا خاصين... وللإقليم قوات خاصة لا تخضع للدولة الاتحادية. صدر هذان القانونان إبان النظام المباد وفي ظروف الاستعداد لإسقاطه، وكانت المنطقة الكردية تتمتع باستقلالية كاملة عن الحكومة المركزية...

ولكن الظروف قد تغيرت وانهار النظام الاستبدادي وبدأ القادة الأكراد يلعبون دورا مهما للغاية في تقرير السياسة العراقية من خلال اشتراكهم الفعال في السلطة المركزية. وتكللت جهودهم في إصدار قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، إذ نصت المادة الرابعة من الباب الأول على "أن نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي "فيدرالي، ديمقراطي، تعددي"... وتضمنت الفقرة "أ" من المادة الثالثة والخمسين اعترافا واضحا وجليا بحكومة كردستان. ومع ذلك كانت بعض التصريحات لبعض القادة الأكراد تدعو إلى الإثارة وتحرج الحلفاء...

وبنحو عام، فإن الأنظمة الفيدرالية تمنح الحكومات المحلية حق أن يكون لها علم خاص، ولكن الأولوية تبقى للعلم الاتحادي... وإذا كانت ثروات الإقليم تعود إلى سكان الإقليم فقط في الحالات التي جمعت كيانات مستقلة مثل دولة الإمارات العربية بكيان اتحادي، فلا مبرر لها في حال كيان سياسي واحد مثل العراق جرى الاتفاق على تحويله إلى كيانات اتحادية...

بيد أن سقف المطالب الكردية العالية هذه جرى خفضه حديثا بنحو ملحوظ، بحيث أصبح يقف عند حافة سقف الإطار الفيدرالي، طالما أن قانون إدارة الدولة ضمن الحقوق الكردية عندما نص في مادته 54 الفقرة "أ" على "احتفاظ حكومة إقليم كردستان بالسيطرة الإقليمية على الأمن الداخلي وقوات الشرطة، ويكون لها الحق في فرض الضرائب والرسوم داخل إقليم كردستان"...

ب - المشروعات الفيدرالية الأخرى:

على غرار ما حصل عليه الأكراد من اعتراف عراقي قانوني يمنح مناطقهم نظاما فيدراليا وقيام إقليم كردستان، فإن قوى سياسية ودينية وليبرالية تعتبر أن حق تشكيل أقاليم فيدرالية نص عليه قانون إدارة الدولة، لذلك فقد سوقت بنحو واسع لمشروعات فيدرالية أخرى... ولهذا الغرض عقدت اجتماعات كثيرة في أنحاء عدة من العراق تتحدث عن مشروعات قيام عدد من الفيدراليات، نذكر منها: إقليم فيدرالي للمنطقة الجنوبية يضم البصرة وميسان وذي قار، وإقليم في المنطقة الغربية يضم الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وإقليم في منطقة الفرات الأوسط يضم النجف وكربلاء وبابل، القادسية، المثنى... إلخ.

وطالما تطرقنا إلى مشروع الإقليم الكردستاني فسنتطرق بالمقابل إلى مشروع الإقليم الشيعي... ففي مؤتمر صحافي عقد في بغداد في السابع عشر من مارس/ آذار 2005 أعلن محافظ الأنبار فصال الكعود اكتمال الخطط اللازمة لإقامة إقليم المنطقة الغربية استنادا إلى ما جاء في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية فيما يتعلق بصيغة الفيدرالية.

وحدد الكعود أن إقليم غرب العراق سيتشكل من ثلاث محافظات سنية هي: نينوى والأنبار وصلاح الدين لتشابهها جغرافيا واقتصاديا وعشائريا... وهذه الخطوة في نظره لا تهدف إلى تقسيم العراق وإنما هي تؤكد وحدته، معتبرا أن من حق السنة أن يشكلوا إقليمهم الفيدرالي على غرار ما فعل الأكراد وما سيفعله الشيعة شرط موافقة الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة.

أما مشروع الإقليم الفيدرالي الشيعي فقد عبر عنه محافظ النجف عدنان الزرفي ونائب محافظ كربلاء عقيل الخزاعي في اجتماع كبير عقد في النجف بعيد الانتخابات وحضرته 600 شخصية يمثلون محافظات الفرات الأوسط الخمس: النجف، كربلاء، بابل، القادسية، المثنى، بالإضافة إلى حضور شخصيات عشائرية، وقرر المجتمعون تشكيل مجلس موحد تمهيدا لإقامة حكم ذاتي للوصول إلى الفيدرالية. وقد تضمن البيان الختامي القرارات الآتية:

- تشكيل لجنة أمنية مشتركة.

- تشكيل مجلس إداري موحد لمحافظات الفرات الأوسط وتفعيل إجراءات التكامل الاقتصادي.

- ضرورة إيجاد آفاق للتعاون الإقليمي مع الدول المجاورة لهذه المحافظات.

ونلاحظ في القرارات الثلاثة الخلط ما بين النظام الفيدرالي الذي تتولى فيه الحكومة الاتحادية مهمة العلاقات السياسية مع الدول المجاورة ومهمة التعاون الإقليمي، ومفهوم الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة.

ج - مبررات طلب الفيدرالية على أساس طائفي:

ربما يكون بإمكاننا أن نختصر مبررات طلب الفيدراليات غير الكردية التي أوردها الداعون إليها في النقاط الآتية:

أولا: التشابة الجغرافي والاقتصادي والعشائري للمحافظات السنية، وهو ما ذكره محافظ الأنبار.

ثانيا: محافظات الجنوب غنية جدا في ثرواتها ومواردها الطبيعية، ومع ذلك لم تستفد من هذه الثروات وقد حرمت منها بنحو مأسوي، وهي ترى أمامها إمارات خليجية كانت إلى عهد قريب تقل عنها في الرفاه والمدنية وفي عدد السكان وتعيش حاليا ومنذ عقود في مجتمعات عصرية يسودها الرخاء والرفاهية.

ثالثا: يردد الداعون إلى الفيدراليات الطائفية باستمرار القول: طالما نص قانون إدارة الدولة على أن النظام العراقي فيدرالي، وطالما سيحصل الأكراد على فيدراليتهم فلماذا يحرم الآخرون منها؟

د- العقبات التي تقف أمام تنفيذ المشروعات الفيدرالية:

بداية، فإن العقبات التي تبدو أمام المشروع الكردي للفيدرالية وإن تم تذليلها على مستوى الأحزاب العراقية الأساسية، فما زالت هناك قوى سياسية ودينية تتحسس من الفيدرالية وتعتبرها بداية لتقسيم العراق، وهذه المواقف ربما تكون ناجمة عن تدني الوعي الفيدرالي في العراق، على رغم محاولات الأكراد وحلفائهم من الأحزاب العراقية استخدام مصطلح الاتحادية بدل الفيدرالية للتدليل على أن الفيدرالية مشروع توحيدي وليس تقسيميا.

ومن الملاحظ أن بعض الأحزاب الدينية لها تحفظات على قانون إدارة الدولة وخصوصا الفقرة ج من المادة 61 التي تمنح ثلثي سكان ثلاث محافظات حق رفض مسودة الدستور لو وافقت عليه الغالبية، وقد اعتبرت بعض الجهات هذه المادة ترسي ما أسمته بـ "دكتاتورية الأقلية"...

وهناك عقبات إقليمية معروفة تجسدها مواقف دول الجوار الجغرافي "تركيا، إيران، سورية" وخصوصا تركيا التي ترى في هذه الفيدرالية تهديدا لوحدة كيانها السياسي ومقدمة لانفصال أكراد تركيا، وفي الحادي عشر من فبراير/ شباط الماضي صرح الرئيس المصري حسني مبارك أثناء زيارة قام بها لأنقرة في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره أحمد نجدت سيزر بأنه "يدعم معارضة أنقرة لإقامة أي نظام فيدرالي قائم على أساس عرقي في العراق"، وأكد "ضرورة الحفاظ على الوحدة الإقليمية للعراق، وأن أية محاولة لتقسيمه أو تجزئته ستجلب المخاطر وعدم الاستقرار". وأضاف "أن العمل على إعداد دستور جديد للعراق لابد أن يستهدف تعزيز الانسجام في هذا البلد بدل إقامة نظام قائم على أسس عرقية".

وباختصار، فإن الدول المجاورة للعراق والتي فيها أقليات كردية، وهي تركيا وإيران وسورية إلى جانب مصر، تعارض محاولات أكراد العراق الحصول على إقليم فيدرالي يضم محافظة كركوك الغنية بالنفط.

وهناك أيضا عقبات دولية تتعلق بالموقف الأميركي الذي لا يبدو أنه يعترض شكلا على الفيدرالية، فقد عمل على قيام فيدراليات إدارية سعى إليها الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر عندما منح المحافظات صلاحيات واسعة ونوعا من الاستقلالية الإدارية عن الوزارات... ولكن الموقف الأميركي من الفيدرالية لا يتطابق مع الموقف الكردي، ولم يجر إقرار أميركي واضح بالفيدرالية على غرار ما يسعى إليه القادة الأكراد، بل جرى التركيز دوما على "أن النظام العراقي الجديد سيكون له رئيس واحد وجيش واحد وحكومة واحدة".

أما العقبات التي تقف دون تحقيق الفيدراليات الطائفية فهي باختصار:

- إذا كانت هناك مبررات تاريخية وجغرافية للفيدرالية مع الأكراد، وهم يشكلون قومية أخرى واعتبرهم دستور العام 1958 شركاء في الوطن، تمكنهم من التمتع بهذا النظام على أسس ثقافية ولغوية، كما هي الحال في الكثير من الفيدراليات التي عرفها العالم، فإن الفيدراليات الطائفية لا مبرر لها سوى وحدة المذهب.

- إن الفيدراليات الطائفية تتناقض مع قانون إدارة الدولة وتحديدا مع المادة الرابعة من الباب الأول التي ترفض قيام أقاليم فيدرالية على أساس المذهب.

- إذا كان الداعون إلى الفيدراليات الطائفية يتذرعون بحرمان محافظاتهم من عناية الدولة المركزية والتمتع بثروات البلاد كما حدث سابقا، فإن قانون إدارة الدولة ينص في مادته 52 على أن النظام الاتحادي يمنع تركيز السلطة في الحكومة الاتحادية، وهو "يشجع على ممارسة السلطة المحلية من قبل المسئولين المحليين في كل إقليم ومحافظة"... كما سمح القانون بصلاحيات واسعة للمحافظين ولمجالس المحافظات، فقد نصت المادة 55 من القانون على أنه "لا يحق إقالة أي عضو في مجالس المحافظة والبلدية أو المحافظ على يد الحكومة الاتحادية أو على يد أحد مسئوليها إلا إذا أدين من قبل محكمة ذات اختصاص بجريمة وفقا للقانون". إن هذه الضمانات القانونية تجعل من المحافظ ومجالس المحافظات يمارسون سلطاتهم ويدافعون عن حقوق مواطنيهم ولا يعرضونهم للظلم كالسابق، وهكذا ينتفي مبرر قيام الفيدراليات الطائفية.

خاتمة

يتبين مما سبق أن العراق يعيش في حال ازدهار خطاب الحريات والفيدراليات والاستقلال وسيادة مواطنيه ومحافظاته، بينما الحقيقة المرة هي أن أرضه محتلة ودوره في صناعة القرار السياسي والاقتصادي في بلاده مازال هامشيا وليس بيده. إن ثقل إرث الاستبداد والعطش للحريات التي تحولت إلى "ظاهرة صوتية" هو الذي سمح بانتعاش هذا الخطاب.

إن ضمانات التحرر والسيادة والتنمية والرخاء لا تقدمها دساتير تقر بالنظام الفيدرالي أو بغيره وإنما الضمانة الحقيقية هي احترام حقوق الإنسان كخطوة لإقامة نظام ديمقراطي، وهذه عملية معقدة تستدعي توفير مستلزماتها وإرساء بنى تحتيه لمؤسسات المجتمع المدني بحيث تتمكن هذه المؤسسات من الوقوف كسلطة مدنية موازية في وجه أية محاولة لعودة الاستبداد في قمة السلطة السياسية أو قيادتها.

وتاريخ المنطقة العربية الإسلامية يذكرنا بأن محاولات الإصلاح في هذه المنطقة قديمة جدا، وبداياتها تعود إلى الدولة العثمانية منذ صدور خط كلخانة العام 1839 مرورا بخط خمايون 1856 إلى دستور. * كاتب عراقي، ورئيس تحرير صحيفة «الجريدة». والمقال المنشور نص محاضرة ألقاها السبت الماضي في جمعية العمل الوطني الدميقراطي في البحرين

العدد 1032 - الأحد 03 يوليو 2005م الموافق 26 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً