العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ

ملكيات الاستئثار السلطوي

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

نواصل الحديث الذي بدأناه الأسبوع الماضي بشأن إمكان قيام ملكيات دستورية في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وبحث أبرز العوامل المؤثرة في هذه الأطروحة، ومحاولة استشراف أهم النتائج المتوقعة سياسيا في حال تحقق الأطروحة على أرض الواقع.

طبعا، توجد عوامل كثيرة تحدثنا عنها تحول دون إمكان قيام ملكيات دستورية بالمفهوم الغربي في الوقت الحالي وبالمعطيات الراهنة، وقد يستغرق الأمر عقودا طويلة حتى تبرز المكونات اللازمة لقيام هذه الأنظمة السياسية المتقدمة. إلا أنه من المهم تناول علاقة الاختلال الإثنو - طائفي في عدد من الأنظمة السياسية الخليجية مع التحول الديمقراطي بشيء من التفصيل.

فقد ساهمت التحولات الديمقراطية التي طرأت على بلدان مجلس التعاون منذ العقد الماضي في إتاحة المجال لقوى تقليدية كثيرة للبروز والمشاركة في تفاعلات النظم السياسية الخليجية، وفي الوقت نفسه أتاحت هذه الظروف فرصا سلبية أخرى لقوى تقليدية أخرى يمكن اعتبارها منافسة ليتضاءل دورها بشكل تدريجي، وتصبح قوى مهمشة في النظام السياسي على رغم امتلاكها معظم عناصر القوة في مراحل تاريخية معينة. والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى أن امتلاكها عناصر القوة قد ولدت قناعة لدى قياداتها وكذلك قواعدها بعدم إمكان زوالها، وأصبحت هذه القناعة راسخة في أذهان الأجيال المتتالية لهذه القوى التقليدية.

واليوم أصبحت هذه القوى بأمس الحاجة إلى الدعم والرعاية في الوقت الذي بدأت فيه عناصر القوة بالتراجع نحو قوى تقليدية أخرى. وبذلك فإن القوى الجديدة الساعية نحو امتلاك عناصر القوة في الأنظمة السياسية الخليجية ستسعى إلى الاستئثار بالسلطة، وتهميش القوى التقليدية الأخرى، وذلك في ردة فعل صريحة على ما عانته هذه القوى من أجل الحصول على القوة والسلطة طوال عقود طويلة من التنظيم، والعمل السياسي السري، والعلاقات المختلفة، والتحالفات المتباينة القائمة على المصالح الأحادية.

بذلك تكون فكرة إنشاء ملكيات دستورية بالمفهوم الغربي غير ذات جدوى بسبب عدم عدالة توزيع القوة داخل الأنظمة السياسية الخليجية. ففي الوقت الذي تراجعت فيه عناصر القوة لدى بعض القوى التقليدية، فإنها انتقلت تدريجيا لدى قوى تقليدية أخرى ستسعى إلى ممارسة الدور نفسه الذي تعرضت له سابقا. وهذه العملية ستجعلها قوى سياسية قائمة على القمع وإنكار الآخر في سبيل حماية مصالح الذات.

وفي المحصلة النهائية ستكون الأنظمة الملكية الدستورية الخليجية أنظمة قاصرة لأنها قائمة على قوى تقليدية تتبنى أفكار الاستئثار ونفي الآخر، وسيكون المشهد السياسي المحلي معتمدا على هذه القوى في الوقت الذي ستتعرض له القوى التقليدية الأخرى لهزات عنيفة ستحدث ردة فعل عكسية قد تدفعها للجوء إلى أساليب العنف والإرهاب من أجل نيل المطالب والحقوق.

هذا المشهد صعب التصور، ومن الأهمية بمكان استيعابه الآن، وخصوصا فيما لو برز توجه لتطوير الأنظمة السياسية الخليجية نحو النظام الملكي الدستوري بالمفهوم الغربي. وإذا كانت ثمة قناعة بجدية هذا التوجه فإنه لابد من السعي نحو تفعيل مبادئ سيادة القانون والتي من خلالها يمكن تعزيز مبادئ المواطنة بالتزاماتها وواجباتها المعروفة. وإنشاء ملكيات دستورية من دون خلق ثقافة قانونية وتوعية المواطنين بجدوى الالتزام بها في مختلف مناحي الحياة سيتيح المجال أمام جميع القوى التقليدية لتجاوز القوانين بحجج غير مقنعة، وحينها ستكون هذه التجاوزات أدوات للصراع من أجل كسب المزيد من عناصر القوة. والأهم من ذلك أن المعطيات الراهنة في الأنظمة السياسية الخليجية غير مؤهلة لإنشاء ملكيات دستورية بالمفهوم الغربي التي سيؤدي تطبيقها إلى إنشاء ملكيات الاستئثار السلطوي

العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً