أخبار العراق تحتل الصدارة في الولايات المتحدة، فجميع المسئولين من دون استثناء يتم استجوابهم في التلفزيون أو على صفحات الصحف بشأن ما يحدث في العراق خصوصا بعد سقوط أعداد غير متوقعة من القتلى الأميركيين تشكل المجندات نسبة كبيرة منهم، وحتى هذه اللحظة سقط 1727 قتيلا أميركيا إضافة إلى الجرحى الذين لا تعرف أعدادهم ناهيك عن القتلى العراقيين الذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من مئة ألف. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 56 في المئة من الأميركيين لا يؤيدون الحرب وهذا رقم كبير إذا ما قورن بالتأييد الكبير الذي حصل عليه الرئيس بوش في بداية الحرب. لقد بدأ الشعب الأميركي يحاسب قيادته التي أدخلته إلى هذه الحرب على أسس وجود أسلحة بيولوجية وكيماوية ثم تبين أنها لم تكن صحيحة. إن أهم الأسئلة التي تطرح على المسئولين تدور بشأن تحديد موعد للخروج من العراق. أما المآسي التي تحدث لأسر القتلى فهي تملأ الصحف... هناك على سبيل المثال قصة الجندي الذي يبلغ 21 عاما والذي قتل في العراق وبعده بأربعة أيام مات أخوه منتحرا حزنا عليه. البرنامج التلفزيوني الشهير "ستون دقيقة" الذي يعرض كل أحد بدأ باستجواب رئيس فرقة في الجيش تعمل في العراق. كان الجنود يتحدثون ومعهم رئيسهم بصراحة مطلقة: في السابق خلال أيام الحرب الأولى كنت أميز العدو أمامي، كان عدوي يلبس البدلة العسكرية والآن لا أستطيع التمييز. إنهم يأتونا من كل مكان، من الأمام ومن الخلف، ولكن جنود البحرية لا يعرفون متى سيحدث الهجوم. العراقيون حولنا يعرفون إلا نحن... نراهم يغلقون أبوابهم وكأنهم يحتاطون من شيء ما. وعندما يسير الجنود بسياراتهم المصفحة يرسمون علامة جلب الحظ لأنهم لا يعلمون متى ستنفجر سياراتهم. العدو دائما يراقبنا وحتى أطفالهم الذين يلعبون في الشوارع يراقبونا ويعطون أهلهم إشارات بخط سيرنا، غالبية من تم استجوابهم من هذه الفرقة قتلوا بمن فيهم رئيس الفرقة. وزير الدفاع رامسفيلد لا يحدد موعدا للخروج من العراق بل يؤكد أن جيش الاحتلال ربما يبقى نحو اثني عشرة سنة أخرى. أما كلف الحرب التي خرجت عن المعقول فهي تستنزف البلايين من الموازنة الأميركية والكثير من أعضاء الكونغرس يريدون وضع جدول زمني للخروج. ومما زاد الوضع تأزما فوز الرئيس الإيراني الجديد أحمدي نجاد الذي عرف بتشدده وعدائه السافر لأميركا. أما سورية فموضوعها لايزال قيد التداول وربما لن تشهد تغييرا عنيفا كما حدث لدى جارها الشرقي، والمتوقع أن يكون التغيير تدريجيا فيها بمساعدة من الاتحاد الأوروبي الذي اكتشف أخيرا مدى فائدة التعاون عن قرب مع الولايات المتحدة خصوصا في شئون الشرق الأوسط.
ما ينقل من واشنطن هو بداية تغيير في أسلوب التعامل مع الجماعات المتشددة مثل حركة حماس وحزب الله وربما المعارضة المسلحة في العراق. الموضوع باختصار هو إدماج هذه الجماعات في العملية الديمقراطية وعندما يصبحون جزءا من المؤسسة سيتخلون عن تشددهم وعنفهم مثلما حدث لجماعة الشين فين في شمال ايرلندا، إذ تم الاعتراف بهم من المؤسسة الرسمية وأصبحوا حزبا معترفا به وبالتالي مرتبطا بجميع القوانين والأنظمة التي تحكم البلاد. إن إمكان تطبيق هذا النموذج غير مستبعد وليس بعيدا أن تكون جولة كوندليزا رايس في المنطقة تدور حول هذا الموضوع، كما أن تصريح كوفي عنان من أنه لا يوجد حل عسكري في العراق ودعوته إلى التحاور مع المسلحين كجزء من الحل السياسي يصب في الموضوع نفسه. وتتخذ أميركا استراتيجية جديدة تركز على تدريب أكبر عدد ممكن من القوات العراقية كي تحل محل القوات الأميركية عندما تبدأ الأخيرة في مغادرة العراق. ويتخوف الأميركيون من احتمال نشوب حرب أهلية لو تم سحب قواتهم مبكرا، أي قبل تأهيل كوادر جديدة مدربة من الجيش العراقي. أما الخوف الأكبر فهو احتمال رجوع المقاتلين "الأجانب" إلى بلدانهم الأصلية مثل السعودية وسورية والأردن والكويت مزودين بخبرة واسعة في القتال تماما مثلما حدث للمقاتلين الذين عادوا من أفغانستان وخلفوا المتاعب في بلدانهم الأصلية خصوصا في الكويت والسعودية.
الخوف الأكبر يأتي من مقارنة ما يحدث في العراق بالهزيمة التي منيت بها أميركا في فيتنام وعلى رغم أن الوقت مبكر للمقارنة بسبب عدد القتلى الذي وصل في فيتنام إلى 65,000 أميركي وخمسة ملايين فيتنامي، فإن المقارنة واردة كما تبدو في كتابات بعض كتاب الأعمدة الذين يشددون على أن المقارنة ربما تحدث في المستقبل.
إن عيون العالم تتطلع عن كثب بشأن ما يجري في العراق ليس فقط بسبب كونه يمتلك ثاني أكبر احتياطي من النفط في العالم وإنما كنموذج شرق أوسطي لتطبيق الديمقراطية والتخلي عن الإرهاب والتسلط. ولكن عيون أهل الخليج وحكامه يرقبون بقلق شديد جميع التطورات فهي ستؤثر حتما على مستقبل المنطقة وأمنها. وما تخطي سعر برميل النفط حاجز الستين دولارا إلا دليلا على ازدياد أهمية المنطقة بالنسبة إلى العالم
العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ