العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ

النازيون الجدد والحملة الانتخابية في ألمانيا

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كم هو قوي نفوذ الحزب القومي الألماني "ان بي دي"؟ ليس هناك إجابة سهلة على هذا السؤال. لكن بالتأكيد لا يلعب عدد أعضاء الحزب اليميني المتطرف دورا مهما في إبراز قوة الحزب. وقد دلت العمليات الانتخابية التي تحقق الفوز له فيها على أنه يعتمد بصورة رئيسية على نقمة الناخبين واستيائهم من عمل الحكومة والأحزاب التقليدية الكبيرة. في الستينات فاجأ هذا الحزب الذي يعتبر نفسه خليفة الحزب النازي العالم ونجح بدخول البرلمان الاتحادي "بوندستاج". لكن هذا كان آخر انتصار تحقق له في انتخابات عامة. وفي مطلع التسعينات برزت أحزاب يمينية متطرفة أخرى كان أبرزها الحزب الجمهوري الذي كان أول حزب يميني متطرف يحقق انتصارا مهما بدخوله برلمان ولاية برلين الغربية وكان هذا في نهاية عقد الثمانينات. تبعه فوز آخر للحزب الجمهوري في انتخابات البرلمان المحلي لولاية بادن فورتمبيرغ وكذلك فوز اتحاد الشعب الألماني بانتخابات البرلمان المحلي لولاية شليزفغ هولشتاين. بعد توحيد ألمانيا عززت الأحزاب اليمينية المتطرفة نفوذها في الولايات الخمس الجديدة التي تشكلت على أرض ألمانيا الشرقية السابقة واستفادت بصورة خاصة من نقمة الألمان الشرقيين إذ معدلات البطالة في مناطقهم تبلغ ضعف ما عليه في الشطر الغربي ونتيجة شعورهم بأن الوحدة تمت على حسابهم. ففي ظل النظام الاشتراكي السابق لم تكن هناك بطالة ولا معدلات عالية للجريمة كما لم تكن هناك فرصة قوية لنشر إيديولوجية النازية كما حصل بعد الوحدة حين سعى النازيون الجدد إلى فتح مكاتب لهم في مختلف مناطق الشطر الشرقي.

وحصل الحزب القومي الألماني "ان بي دي" في العام الماضي على تأييد واسع في انتخابات البرلمانيين المحليين في ولايتي سكسونيا وبراندنبورغ في الشطر الشرقي. كان هذا الفوز حافزا كبيرا له كي يستعد بعزم كبير مع حليفه اتحاد الشعب الألماني "دي فاو أو" لدخول الحملة الانتخابية بهدف الحصول على مقاعد في البرلمان الاتحادي. وكان اتحاد الشعب الألماني الذي يتزعمه الناشر البافاري الثري غيرهارد فراي اتفق على استراتيجية مع الحزب القومي الألماني تقضي بعدم مشاركة الحزبين في معركة انتخابية واحدة وأن يلتزم كل طرف بدعم الآخر في الحملة الانتخابية التي يخوضها. نتيجة هذا التحالف نشأ ائتلاف للنازيين الجدد في ألمانيا.

في العام 2004 كان يقدر عدد أعضاء الحزب القومي الألماني بنحو ثلاثمئة لكن بعد عام حصلت زيادة صاروخية إذ يبلغ عدد الأعضاء اليوم 5300 في انتخابات ولاية شليزفيغ هولشتاين التي جرت قبل شهرين إذ حصل النازيون الجدد على نسبة 1,9 من أصوات الناخبين وحصلوا في انتخابات ولاية شمال الراين وستفاليا على نسبة 0,9 من الأصوات ما يشير إلى أن عدد الذين منحوا أصواتهم للنازيين الجدد بلغ 70 ألف ناخب وكان عددهم في العام 2000 اقتصر على 2300 ناخب.

هذه النتائج لا تطفئ ظمأ النازيين الجدد الذين لا يريدون الاكتفاء باحتلال مقاعد في البرلمانات المحلية ومجالس البلدية. مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المبكرة يسعى الحزب القومي الألماني إلى الحصول على ثلاثة مقاعد في حال حصوله على نسبة 5 في المئة وهي النسبة المطلوبة لدخول البرلمان الاتحادي. ويعتقد الاستراتيجيون في الحزب القومي الألماني واتحاد الشعب الألماني أنه سيجري اختراق مجلس البوندستاج هذا العام وسيكون ذلك إذا حصل ثاني مرة يعود فيها النازيون الجدد إلى البرلمان الاتحادي. بيد أن هذا الهدف ليس سهلا غير أنه ليس هناك ما يمنع النازيين الجدد من المحاولة ويعتمدون في تفاؤلهم على حملة جديدة لاجتذاب الناخبين الشباب وخصوصا الناخبين الناقمين ورفع شعارات سياسية جدية عوضا عن الشعارات السابقة التي تحرض على الأجانب بصورة خاصة.

وراء التغيير الاستراتيجي نشوة النصر بالإنجازات الأخيرة التي حققها الحزب القومي النازي والفشل الذي منيت به حكومة المستشار غيرهارد شرودر في الحصول على موافقة محكمة الدستور، أكبر مرجع قضائي في ألمانيا، على حظر نشاطاته بوصفه معاديا للدستور. لكن المشكلة التي تعترض طريق النازيين الجدد إلى البرلمان الاتحادي هي عدم توافر قاعدة انتخابية صلبة تساعده على بلوغ هدفه. لذلك، فإنه يستهدف الناخبين الشباب في الشطر الشرقي وخصوصا الذين لا يثقون بقدرة الأحزاب التقليدية الكبيرة على توفير فرص العمل لهم في المستقبل.

وصرح العضو في الحكومة المحلية في ولاية سكسونيا أوفه لايشزنرينغ: "نحن بصدد إقناع الناخبين الشباب بأن الحزب القومي الألماني بيتا سياسيا لهم فيه فرص جذابة بشان مستقبلهم". وأضاف لايشزنرينغ الذي ينتمي إلى الحزب القومي الألماني قائلا: "نحن في طريقنا كي نصبح حزبا شعبيا فقد أنشأنا فرقا رياضية وفرق الموسيقى والغناء ونقوم بجمع الأولاد من الشوارع وإشغالهم بموضوعات السياسة وهوايات أوقات الفراغ ونعمل في تمويل هذه البرامج لأننا نعتقد أننا نعيد تربية النشء الجديد".

كما يسعى الحزب القومي الألماني إلى اجتذاب الناقمين على الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدهم وسط الطبقة العاملة وخصوصا في المناطق التي تتفشى فيها البطالة من خلال طرح حلول سهلة لقضايا معقدة مثل توفير فرص العمل من خلال قطع الطريق على الأجانب وخصوصا من دول أوروبا الشرقية الجديدة في الاتحاد الأوروبي ومن خلال الاهتمام بالقضايا التي تتجاهلها الأحزاب الكبيرة مثل النقمة من اليورو "العملة الأوروبية الموحدة" وانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على رغم أن الحزب القومي الألماني يعارض عملية توحيد أوروبا بحجة أن الهوية الألمانية ستختفي مثلما اختفى المارك "العملة الألمانية السابقة". ويشير عضو مجلس الأجانب في مدينة دريزدن بالشطر الشرقي نبيل يعقوب إلى أن هذا الحزب اليميني المتطرف يعمل بطريقة متطورة على أساس بث الذعر في نفوس الناس بهدف الحصول على تأييدهم لتحقيق أهدافه وليس هدفه الأساسي حل المشكلات. وقال يعقوب: "إن الحزب القومي الألماني يستخدم شعارات سهلة ويستغل الأوضاع الحالية ونقمة الناس من ارتفاع الأسعار واستفحال البطالة وازدياد المشكلات بسبب الإصلاحات الاجتماعية". وأشار يعقوب إلى أن اللغة التي يستخدمها الحزب القومي الألماني في المناطق الريفية أشد قسوة من اللغة التي يستخدمها في المدن. في المناطق الريفية يشعر الناس أن الحكومة تجاهلتهم وأن الحزب القومي يدير لهم آذانا صاغية. كشف يعقوب عن قلقه الشديد حيال نفوذ النازيين الجدد في المدارس وقال: "لقد صعقنا حين لمسنا مدى تأثير اليمين المتطرف على طلبة المدارس في الأرياف على رغم أننا حاولنا القيام بمشاريع اجتماعية. كما وردتنا شكاوى من بعض المعلمين والمعلمات الذين قالوا بصريح العبارة انهم يخشون خسارة وظائفهم إذا قالوا كلاما سيئا عن النازيين الجدد". وعلى رغم أن عدد الأجانب في ولاية سكسونيا قليل جدا فإن النازيين الجدد يثيرون الخوف في نفوس الناخبين من هيمنة الأجانب ويقولون إنهم لا يريدون مناطقهم أن تتحول إلى مستعمرات تركية. شتيفان زيغموند راعي الكنيسة اللوثرية في كونيغشتاين باريش التي هي معقل مهم للحزب القومي الألماني قال: "إن هذا الحزب ليس لديه أكثر من حلول سهلة لمشكلات معقدة" وأضاف "في الماضي حين كنا نعيش في ظل العهد الاشتراكي كان الألمان الشرقيون يشعرون بغيظ حيال الأجانب من الطلبة والموظفين الذين كانوا يحظون بامتيازات لم تكن متوافرة للمواطنين المحليين وكانت النتيجة ظهور نزعة لديهم ضد الأجانب".

معاداة الأجانب جزء من إيديولوجية النازيين الجدد الذين لا يظهرون اليوم بملابس رثة وإنما بسترات أنيقة. لهذا يرفض الحزب القومي الألماني الدستور الأوروبي الذي وافقت عليه الحكومة الألمانية ويدعو إلى انسحاب ألمانيا من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وأن تصبح ألمانيا دولة محايدة لها عملتها المستقلة وحصول الشعب على حق أكبر في تقرير مصير بلدهم عبر استفتاءات شعبية مثل جيرانهم في سويسرا

العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً