العدد 103 - الثلثاء 17 ديسمبر 2002م الموافق 12 شوال 1423هـ

عن ظاهرة التهاني لرموز السلطة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في الدول الديمقراطية العريقة تجرى انتخابات وتتكوّن حكومات ويُرقى موظفون كبار وتمر أعياد وطنية أو ذكرى اعتلاء مناصب، فماذا تفعل كل وسائل الإعلام والتواصل تجاه تلك المناسبات والحوادث؟ انها تندمج في الحدث نفسه: تسلط الأضواء على البرامج والمنجزات والنواقص، تربط الحدث بالمستقبل، وتستنهض المفكرين والمحللين لإجراء التقييم ان كان الأمر يتطلب ذلك.

أما في الأرض العربية فإن مثل هذه المناسبات أو نجاح أي شخص في الوصول إلى أية سلطة تنقلب إلى عرس انتهازي يمارسه أصحاب المصلحة عن طريق وسائل الإعلام والاتصالات. إذ ما ان يعلن نجاح أحدهم في انتخاب أو ترقية أو في تعيين وزاري - على سبيل المثال - حتى تمتلئ الصحف بإعلانات التهاني والتبريكات وتوضع اللافتات في الشوارع وتنشغل الإذاعات والتلفزيونات بالتركيز على ما يشعر به «المحظوظ» من مشاعر الفرح تجاه حظه الصاعد ومن الامتنان تجاه من تفضّل ورفع مقامه.

هناك عدة ملاحظات ترتبط بهذه الظاهرة، وإلى حد ما تفسرها:

فأولا: ليست هذه ظاهرة اجتماعية فقط تتعلق بعادة المجاملات العربية المبالغ فيها. إنها ظاهرة سياسية بامتياز تحركها الانتهازية والأطماع والمخاوف، التي تعكس معرفة الناس بأن ممارسة السلطة، أية سلطة، في الحياة العربية لا تحكمها القوانين أو حقوق المواطنة أو العدالة في الفرص. وعليه فما ان يشعر المدّاحون بأن شخصا ما ستكون لديه سلطة، والتي لن يحكمها إلا مزاجه الشخصي، حتى يقوموا بانتهازية التملّق، بالتأكد من ان أطماعهم المستقبلية ستسير في طريق آمن ومن انهم لن يعاملوا بالتساوي مع غيرهم بل بتمييزهم على الآخرين.

وثانيا: من اللافت للنظر ان التهاني والمدائح لا تكتب أو تقال عند انتهاء مدة ولاية المنتخب أو فترة حكم الوزير. عند ذلك تصبح بحق تهاني على عمل تم أو خدمة مجتمعية بارزة حققت، وتكون ظاهرة معقولة ومقبولة. أما تقديمها قبل ان يثبت رمز السلطة كفاءته فإنها تؤكد وجود الأهداف الخفية التي ذكرنا، وانها هرولة حتى لا يفوت أصحابها قطار الغنائم المحرمة والمكتسبات غير القانونية وغير العادلة.

وثالثا: هناك ارتباط وثيق بين عدد المهنئين وقوة أصوات طبولهم وعدد قصائدهم وحجم إعلاناتهم وبين قوة ومدى سلطة الشخص الممدوح. فالمسافة شاسعة بين سلطة عضو مجلس بلدية وسلطة وزير أشغال أو تجارة. ذلك ان السلطة تنقلب في مخيالهم إلى أموال وأراض وتسهيلات تجارية ونجاح في مناقصات وما يعقب كل ذلك من سعادة ونعيم وجنة.

ورابعا: إن أخطر ما في هذه الظاهرة هي انها تمارس علنا وتعرض على المجتمع كله فتصبح خطابا خفيا يسبغ الاحترام والهيبة على كل رموز السلطة في الأرض العربية ويرسخ في أذهان المواطنين الانبهار ببريقها والخوف من تحديها والشعور بعظم القوى التي تدور في فلكها.

وشيئا فشيئا نساهم في ان تصبح هذه الظاهرة مقبولة من المجتمع فتضاف إلى القائمة الطويلة من العادات الذميمة التي تنخر عظام المجتمعات العربية وتضعف هذه الأمة المنكوبة

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 103 - الثلثاء 17 ديسمبر 2002م الموافق 12 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً