تسارعت خطى اتجاهين متبلورين حاليا في واجهة المسرح السياسي العراقي، الأول يمثله الجعفري الذي يقود الحكومة العراقية الحالية وخلفه يقف تيار التحالف الوطني العراقي "القائمة الشيعية" والثاني يمثله اياد علاوي ويقف وراءه تيار البعثيين السابقين والعلمانيين وبعض رؤساء العشائر، ولكن كلاهما يراهن على الدعم الأميركي لتوجهاته.
فالجعفري الذي قرأ المعادلة بصورة جيدة ولكنها قراءة متأخرة عن غريمه الحالي اياد علاوي صاحب التحالف القديم مع الإدارة الأميركية، بدأ يدرك بدقة أهمية بناء الجسور مع واشنطن التي شككت قبل وبعد اختياره رئيسا للحكومة في قدراته وامكاناته وايضا في ولاءاته والوصول الى الجانب الآمن الذي تطمح إليه إدارة بوش.
بيد أن الجعفري الذي اختار منذ الايام الأولى نهج الوسطية في التعامل مع الوضع المأزوم في الداخل، حينما اقترب الى الجهة التي تصر واشنطن على اشراكها في كتابة الدستور أو في الحكومة الجديدة أو في العملية السياسية عموما وهي الجهة "السنية" ربما بدد بعض الشيء من القناعات السابقة لدى إدارة بوش بأن الجعفري "شيعي متزمت" وها هي واشنطن تحتفي به احتفاء متميزا، وها هو بوش يخاطبه بـ "الرجل الشجاع" والمثل العراقي يقول "ماذا بدا مما حدا؟". اي ما الذي جرى حتى تتغير التصرفات بسرعة لا تضاهيها أي سرعة في عالم السياسة؟ الأمر بسهولة يتضح من قضيتين هما: تأكيدات الجعفري الأخيرة أن الجانب العراقي لا يريد وضع سقف زمني لخروج القوات الأميركية من العراق والثاني أن الوجود الاميركي في العراق ليس احتلالا. هذا ما جعل إدارة بوش تنقلب رأسا على عقب على مواقفها السابقة من الجعفري الذي أصبح صديقا مقربا للولايات المتحدة.
هذه الصداقة لا تخدم بأي حال من الأحوال توجهات غريم الجعفري الجديد اياد علاوي الذي كان دائما يراهن على علاقته الوطيدة بالإدارة الأميركية. اليوم يقوم بنشاط واسع لتجميع القوى المختلفة، عدا الاسلامية "الشيعية" لبناء جبهة معارضة استعدادا للانتخابات المقبلة، وكل ذلك سيكون مرهونا بمدى قناعة الجانب الاميركي بتحركات علاوي.
الاميركان لا يهمهم من يحكم العراق، اذا كان الجعفري أو علاوي أو أي شخص آخر، بقدر ما تهمهم جملة قضايا، أساسها الوجود الاميركي المستقبلي في هذه المنطقة المهمة والاستراتيجية، ثانيا: ضمان المصالح الاقتصادية والسياسية الاميركية في العراق، وثالثا: موقف العراق الرسمي من إيران فيما اذا تصاعدت حدة الخلافات الإيرانية الأميركية، ورابعا: علاقة الحكومة العراقية المقبلة بدول الجوار، وتصنيف هذه العلاقة بحسب المقاييس الاميركية.
ويبدو ان الجعفري قد اعطى اشارات من خلال تصريحاته المختلفة، بانه سيركز بصورة اساسية على مصالح العراق، واذا كانت هذه المصالح لا تتعارض مع مصالح الاصدقاء، فالامر سيكون محلولا. أما علاوي فهو ربما سيكون بمثابة الاحتياط السياسي لضبط سباقات الوضع بصورة عامة.
لكن مسئولا كبيرا في الدولة افصح لـ "الوسط" عن شكوكه في عودة علاوي الى دفة الحكم من جديد عبر تنظيم معارضة واسعة، واشار هذا المسئول الذي رفض الافصاح عن اسمه إلى أن الفرصة خرجت من يدي علاوي وان الوضع الجديد سوف لن يتغير بسهولة مادام الاميركان اصبحوا غير متخوفين من وجود شك في تأثير ايران على القرار السياسي العراقي، فقد تأكدوا ان الاجندة العراقية هي عراقية بحتة وليست متأثرة بالسياسة الإيرانية على الاطلاق.
الاشهر القليلة المقبلة ستبين من سيكون الرابح الجعفري أم علاوي، ولكن ربما ستفرز ظروف المستقبل أوضاعا أخرى لا يمكن التكهن بها الآن بحكم تعقيدات القضية العراقية
العدد 1027 - الثلثاء 28 يونيو 2005م الموافق 21 جمادى الأولى 1426هـ