العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ

القراءة حياة وحضور

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

القراءة: نفاذ وتوغل، ومحاولة أخرى لهتك حجب العقل وتفجير الإمكانات الإنسانية، وهي نظر آخر بحواس أخرى إلى الجانب الآخر من كل شيء، وإلى العمق فيه.

مثلما انه لا يمكنك معرفة مضمون كتاب ما لم تقرأه، لا يمكنك أن تعرف مضمون الآخر ما لم تقرأه في فكره وإنجازه وقوته وضعفه وحركته.

والقراءة، لمجرد القراءة، جهل آخر، مثلما هي الحياة لمجرد الحياة، موت يشهده الإنسان طالما أنه يتنفس "ويعلف" ويتناسل، لتصبح الجماعات البشرية مجرد رقم دوره الضجيج والتكدس والتلوث والفوضى.

من القراءة نفسها، يمكنك أن تصل الى قناعة بأن بعض الأمم عناوين، وبعضها مضامين، أن بعضها هوامش، والآخر متون، أن بعضها غياب، وبعضها الآخر حضور، أن بعضها إضافة، والآخر استنزاف لقيمة ومعنى الجنس البشري، أن بعضها ذهاب إلى المستقبل، وبعضها ارتداد إلى العتمة الأولى في التاريخ البشري، أن بعضها صعود إلى مزيد من الكشف والمعرفة وسبر أغوار ما يحيط به، والآخر إلى مزيد من الانحدار إلى حيث يتلاءم انحداره مع واقع حاله.

تنتاب المرء في أحيان كثيرة ، الحاجة إلى قراءة ما هو تافه وغث وخاو، مثل تلك القراءة تعيدك بالضرورة إلى حال الافتقاد وتفقد قراءة ما هو جدير ومختلف ويعلي من قيمة وسقف معرفتك، تماما مثل الدخول في امتحان الأمكنة الكئيبة والضيقة والمعتمة، تلك التي تستدعي وتستجلي من خلالها أمكنة مشرقة ورحبة ومشعة.

النوع الأول من القراءة ضرب من الدخول في امتحان الأسر الذي تكتشف من خلاله طعم الحرية والفضاء المفتوح.

هنالك أصدقاء التقيتهم في غربات كثيرة خرجوا من امتحانات كتلك، مع توازن وحضور وتوقد في حال من التنقل بين صنفين من القراءة، خرجوا بأكثر من قيمة في وضع ما يقرأون، والبشر الذين يقرأون لهم في حجمهم الطبيعي، من دون مجاملات أو مساحيق أو رتوش، وتعاملوا مع الاثنين معا تبعا لاضطراد كل من القيمتين في القراءة.

بعض من أولئك الأصدقاء ظل مدينا للاثنين معا: لكاتب لا تصدر وتنتج عنه إلا التفاهة والغث والخواء، وآخر على النقيض تماما. تعلم من الأول أن يتجنب كل ما ينتج عن قراءته له، ومن الثاني أن يظل منحازا للجدير والمختلف والاستثنائي والنوعي وما ينتج عنه.

الإضاءة التي تخلفها قراءة ما - بغض النظر عن مساحتها - هي روح ما قرأت، وما عداها نفق طويل، تنتابك فيه الهواجس ووساوس الارتطام بأي شيء. لذلك ظل وسيظل الاستناد إلى الحكمة، مرجعا لاختزال تجربة وفهم مسألة أو قضية أو موقف ما. والحكمة لم ينتجها بشر أدمنوا الاسترخاء، والغفلة، بل أنتجها بشر كانوا في الذروة من يقظتهم وقلقهم وحضورهم الدائم في حركتهم بين البشر والأمكنة والأزمنة، وإن ظلت بعض المآخذ على ذلك النتاج من الحكمة، تكريسه لحال من المعرفة والدراية المختزلة والسريعة والمباشرة، تعمل عملها في مفسدة بشر جبلوا على كل ذلك، ما يولد حملة لثقافة ودراية سريعة وسهلة، يتم توظيفها لدى انصاف المتعلمين ومثقفي الصالونات في مواقف من التباهي والاستعراض، من دون فهم عميق لها، بل ومن دون محاولة لفهم ما يكتنز به ذلك الاختزال من إمكانات إسهاب توفرها الدلالات الكامنة وراءه.

واحدة من كبائر هذه الأمة اليوم أنها لا تقرأ، على رغم أن أول أمر ورد في القرآن الكريم كان موضوعه القراءة، وهي ليست من الكبائر بمقياس تجاهل الأمر الإلهي فحسب، وإنما تمتد لتشمل ما ترتب على تلك الكبيرة من انحطاط وتخلف وفراغ واستهلاك ورضا بواقع الحال والوصول إلى درجة الاستئناس به!

ما يجب أن يلحظ في "إقرأ باسم ربك الذي خلق" هو تلازم القراءة باسم الرب الخالق. لكأنها إشارة إلى تلازم ما توافره وتتيحه القراءة من حياة وحضور وخلق، ولكأن النقيض لها موت وغياب وعجز، وهو ما آل إليه حال أمة أو أمر تلقته القراءة، فعمدت - بعد عز - إلى تجاهله، فألبسها الله لباس الخوف والذل وضربت عليها المسكنة.

طيش

حرية الباب... الشبابيك... الستاير... والخطا...

حرية البخل... العطا...

سميتك الوقت الشحيح...

والفرح في الحزن الصريح...

سميتك الما والظما...

وسميتك الأرض... السما...

والموعد اللي فاتني... وما فاتني...

راعيت طيشك واهتديت

انك محال تراعني...

ج. الجمري

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً