مازالت المسألة الدستورية تلقي بظلالها على الواقع السياسي البحريني ويشهد الواقع حالا من التصعيد في ظل اقتراب استحقاقات انتخابات 2006م البلدية والنيابية، والوضع مرشح لمزيد من ارتفاع الصوت لدى التحالف الرباعي وأمانة المؤتمر الدستوري، والتي كان آخرها مسيرة مدينة حمد، وجاءت المطالبات في إيجاد حل توافقي بحسب تعبير الشيخ علي سلمان وببعض المطالب الأخرى، وأرجو أن تتم قراءة هذا المقال بتأن من الأخوة في الجمعيات الأربع، وبعيدا عن حال الاستفزاز والانفعال التي نلحظها من وقت إلى آخر.
إننا نعتقد أن السياسي الحصيف يتميز بقدرته على اقتناص الفرص وتحقيق مكاسب جديدة في سبيل بناء حال من التراكم الذي يصب في مصلحة الوطن والمواطن، كما نعتقد أن المسألة الدستورية قد استنفذت من الطاقات الكثير... الكثير من دون أن تحقق على أرض الواقع أي مكسب يذكر، وقد ملأ الإخوة في الجمعيات الأربع والذين نكن لهم كل التقدير الدنيا صراخا عن موضوع التعديلات الدستورية، وعن عيوب ومثالب الدستور الحالي والتي قد لا نختلف معهم حولها، ولكننا على رغم كل المحاضرات والندوات والمسيرات والاعتصامات التي أقيمت في سبيل ذلك لم نر أية مقترحات أو تصور واضح عما هو مطلوب من تعديلات على الدستور، إلا إذا اعتبر الإخوان دعوتهم لإلغاء دستور 2002 هو الحل من وجهة نظرهم، والتي نعتقد أنها أطروحة غير واقعية ولا موضوعية في سبيل الخروج من المأزق الدستوري الذي وقعنا فيه. وأضاع الأخوة مجموعة من الفرص التي كان يمكن أن تشكل نوعا من الاختراق للوضع الجامد الذي وصلنا إليه.
1- الفرصة الأولى إثر الدعوة التي وجهت من صحيفة "الوسط" في الدعوة إلى حوار وطني عندما تم التقدم بمقترح لمبادئ أساسية في سبيل الخروج من المأزق الذي وصلنا إليه إثر حال التوتر التي شهدتها الساحة السياسية في تلك المرحلة على خلفية ما سمي بالعريضة الدستورية والتأزم الذي وصلنا إليه.
2- الحوار الوطني الذي تم تدشينه بين الهيئات السياسية ووزير العمل، إذ في الحالتين وجدنا أن هناك جدية ورغبة من جلالة الملك في إيجاد مخرج جدي لما نحن فيه، إلا أن ترك الأمور للتيار المتشدد بالجمعيات الأربع أفشل كل المحاولات الرامية للوصول إلى توافق بين القوى السياسية ونظام الحكم. وها هي الآن فرصة جديدة تلوح بالأفق من خلال المقترحات التي تقدمت بها اللجنة التنسيقية بمجلس النواب بمقترح للتعديلات الدستورية بحسب رؤية هذه اللجنة، والتي تم توزيعها في مجلس النواب أخيرا وأعتقد أن هذه المقترحات بما حوته من مواد قد أصابت كبد الحقيقة كما يقال، إذ استطاعت أن تصحح كثيرا من التحفظات التي تسجل على دستور 2002م، حين أكدت جملة من القضايا يمكن أن نجملها في النقاط الآتية:
1" الحق في تكوين الأحزاب تحت مسمى التنظيمات السياسية وهذا أحد مطالب الجمعيات السياسية حاليا.
2" ضرورة حصول التشكيل الوزاري على الثقة من قبل مجلس النواب والذي يتوافق مع الديمقراطيات العصرية التي تحتاج الحكومات دوما لثقة المجلس وبالتالي ثقة الشعب.
3" تغيير الأسس التي يتم على ضوئها تشكيل مجلس الشورى بحيث يتم تعيين نصف المجلس عن طريق الانتخاب غير المباشر من قبل مؤسسات المجتمع المدني في حين يعين النصف الآخر عن طريق الإرادة الملكية المباشرة، والذي يحافظ على درجة أكبر من التمثيل الشعبي للمجلس الوطني مع الحفاظ على التوازن قدر المستطاع في تشكيلة المجلس الوطني ليعبر عن الطيف السياسي والأثني في المجتمع. وكذلك رفع عدد أعضاء مجلس النواب إلى خمسة وأربعين عضوا "رفعهم إلى خمسين قد يكون أكثر مناسبة" ليتحقق بذلك مبدأ الشعب مصدر السلطات التي وردت في ميثاق العمل الوطني والدستور.
4" أحقية أعضاء مجلس النواب في توجيه الأسئلة والاستجواب إلى كل من رئيس الوزراء والوزراء وهي المادة التي أسقطت من دستور 73 من دون سبب في ظل أن الميثاق عندما أعطى حق التعديل على دستور 73 في استشرافات المستقبل لم يأت على هذا الجانب لا من قريب أو من بعيد، وليبقى دستورنا متوافقا مع الديمقراطيات العريقة كما ورد في الميثاق وفي كلمات صاحب الجلالة الملك المفدى.
5" تعديل المادة "92 - أ" بحيث أعطى الاقتراح لأعضاء مجلس الشورى والنواب "15 عضوا" باقتراح تعديل الدستور أو القوانين على أن تحول هذه الاقتراحات إلى الجهاز المختص والمقصود هنا دائرة الشئون القانونية "وهنا بيت القصيد" لا تكون تابعة للجهاز التنفيذي كما هو حاصل الآن والذي يعطي للسلطة التنفيذية قدرة على توجيه القوانين حسب ما تراه وبالتالي الرأي هنا بضرورة استقلالية هذا الجهاز باعتباره جهازا فنيا بالدرجة الأولى يقوم بصوغ التشريعات والقوانين.
6" يتولى رئيس مجلس النواب رئاسة اجتماع المجلس الوطني، وهذا ما يحقق أن الشعب مصدر السلطات من خلال رئاسة المجلس الوطني لعضو منتخب وليس معينا.
7" قدم المقترح رؤية بشأن تبعية ديوان الرقابة المالية إلى مجلس النواب والذي يتوافق تماما مع دور مجلس النواب في الرقابة على الجهاز التنفيذي وإن هذا الجهاز يكمل هذا الدور المهم لمجلس النواب في ظل قيامه بدور فني وبالتالي يعطي لهذا الديوان مزيدا من الصدقية أمام الرأي العام، وبالتالي تعزيز جوانب الشفافية في الرقابة على الجهاز التنفيذي.
هذه أهم النقاط في المقترح المقدم من اللجنة التنسيقية بمجلس النواب، وهذا الطرح نعتقد قد عالج أهم النقاط المتحفظ عليها في الدستور الحالي والذي من خلالها ستتعزز مجموعة من المبادئ والتي نص عليها الميثاق الوطني والمتمثلة في:
1- أن الشعب مصدر السلطات.
2- الفصل بين السلطات.
3- تعزيز دور المجلس المنتخب في التشريع والمراقبة.
وهذه أهم مبادئ الديمقراطية التي ندعو إليها. وعلى ذلك فان الحاجة ملحة للقيام بحملة شعبية داعمة لهذا المشروع من خلال إقامة الندوات والحلقات الحوارية من خلال مبادرة الجمعيات السياسية الفاعلة بتبني هذا المقترح، وكذلك دعم مؤسسات المجتمع المدني بكل أشكالها للمشروع ودعوة لأعضاء المجلس الوطني من شوريين ونواب لتبني هذا الاقتراح، ونخص بالذكر جميع الكتل النيابية، وليثبت لنا الأخوة في مجلس الشورى بأنهم مستقلون بآرائهم عن السلطة التنفيذية من خلال دعم هذا المشروع. وهي دعوة كذلك لتبني مؤتمر الحوار الوطني والذي يتم الترتيب له في هذه المرحلة من الجمعيات السياسية لهذه المقترحات باعتبارها الورقة الأساسية في سبيل الوصول إلى صيغة توافقية بين جميع أطياف وقوى المجتمع.
إن أسلوب الحوار ومقارعة الحجة بالحجة هي السبيل الأمثل والأجدى في حل المشكلات، وتأتي فكرة طرح هذا المقترح كأسلوب ايجابي وفعال في حل مسألتنا الدستورية بعيدا عن أساليب التصعيد في الوقت الذي نعتقد بأن مثل هذا العمل السياسي يساوي في قوته تسيير مظاهرة أو تنظيم اعتصام، إن لم يكن أكثر قوة تأثيرية حيث تقارع حجة الطرف الآخر بمقترحات محددة وبدائل واضحة لما تم طرحه.
إن حل المسألة الدستورية سيزيل حال الاحتقان والتوترات الحالية والتي تؤدي إلى تسييس كل القضايا الوطنية حتى إن كانت غير سياسية في سبيل ممارسة الضغط. إن حل المسألة الدستورية عبر التوافق سيؤدي إلى تركيز الجهود والعمل في سبيل تطوير العملية التنموية وحل الإشكالات المزمنة التي يعاني منها الوطن. إنها دعوة صادقة نوجهها إلى كل قوى المجتمع سواء من كان في السلطة أو المعارضة، فإن "تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
العدد 1020 - الثلثاء 21 يونيو 2005م الموافق 14 جمادى الأولى 1426هـ