عودنا مركز السنابس الثقافي الرياضي أن يتبنى البرامج والمشروعات الريادية النوعية، على رغم إمكاناته البسيطة، ولكن عندما تهمش وسائل الإعلام هذه البرامج على رغم النجاحات، فهذا هو الغريب في الموضوع.
حرم محافظ الجنوبية الشيخة حصة حضرت بنفسها لتطمئن على سير البرنامج، والكثير من زوجات السفراء "بريطانيا، فرنسا" أيضا وصلن إلى المركز وتابعن نشاطاته، إلى جانب أن هناك الكثير من الضيوف من خارج البحرين تجشموا عناء السفر بهدف الاطلاع على التجربة، ولكن ظل الإعلام بكل صوره في خبر كان، والسؤال: ماذا يريد الإعلام عندما يتجاهل تظاهرة علمية كهذه؟
حدثتني إحدى الأخوات القائمات على البرنامج، وشكت لي سوء تجاهل الصحف المحلية للبرنامج منذ بدايته حتى الآن، على رغم أهميته، ودعتني إلى الحضور ومشاهدة البرنامج على الواقع حتى أتمكن من الكتابة عنه، فهذا فقط ما يحتاجونه، فكل الأمور مرتبة ومنظمة على أحسن ما يرام. وقمت بتلبية الدعوة فذهبت وشاهدت المسئولات عن البرنامج وحدثتهن وحدثنني عن البرنامج وكيف تطور، كما التقيت المشرفات الإداريات والمتدربات أيضا. ومن حسن الطالع أن حضرت في اليوم نفسه ضيفات من خارج البحرين "السعودية، القصيم" جئن للاطلاع على التجربة وإمكانية تنفيذها في بلدهن. فما هو هذا البرنامج؟ وما ملامحه؟
نبذة عن البرنامج
برنامج التثقيف المنزلي للأم والطفل MOCEP يطرح في البحرين بالتعاون مع مؤسسة تثقيف الأم والطفل في تركيا، وبرعاية جمعية الهلال الأحمر البحريني "بهدف الحصول على ترخيص دولي". وهو برنامج تنموي اجتماعي محوره الرئيسي إثراء المعرفة الأسرية من خلال تزويد الأم بالمعارف التي تعينها على تعليم طفلها دون سن المدرسة في المنزل، كما يوفر لها برنامجا تثقيفيا خاصا بها.
ويطبق في البحرين عبر أربعة مراكز، ثلاثة منها مراكز اجتماعية "مدينة عيسى، سترة، الرفاع" والرابع هو مركز السنابس، وبواقع 150 أسرة بأطفالها تستفيد من المشروع. ويتراوح سن الأطفال بين الرابعة والنصف إلى الخامسة والنصف، لعل منطقة السنابس لا تحظى بمركز اجتماعي ليتبنى هذا المشروع لذلك أخذ المركز على عاتقه مهمة تبني المشروعات الطموحة التي يمكن الاستفادة منها في واقع الحياة، إذ يتبنى المركز تدريب 35 متدربة في الوقت الحالي.
عن البدايات ذكرت إحدى القائمات على المشروع أن فكرة المشروع جاءت من خلال اطلاعها مصادفة على البرنامج في إحدى الصحف، ولكونها عضوة إدارية بالمركز طرحت الموضوع على الإدارة، فحظي باهتمام كبير، وتم تشكيل لجنة تحضيرية تعمل على الإعداد والتحضير، من خلال اللقاءات التعريفية والبرامج الأخرى المصاحبة للتسويق والإعلان عن البرنامج، كما وضعت خطة زمنية لهذا الغرض. وكانت هناك مخاوف كبيرة من عدم الحصول على أسماء مشاركات، وخصوصا أن الأطفال الملتحقين به والذين لن يذهبوا إلى الروضة في بداية العام ربما لن يستمروا في البرنامج. لكن على رغم ذلك واصل الفريق المعني بالتسويق للبرنامج حملاته بشكل منظم واستطاع الانطلاق من المأتم وبالتالي تمكن من الحصول على الحد الأدنى للمشاركات "35 مشاركة".
من بين المخاوف التي أثيرت لا ننسى أن هناك عددا من الروضات التجارية، وبالتالي فكرة المشروع تضر بمصالحها، إذ إن عددا كبيرا من الأطفال سيتخلف عن الذهاب إليها، وبالتالي سيؤثر ذلك على أرباحها، وبالتالي كانوا مناهضين لفكرة المشروع، بل وبث المخاوف بين الأهالي.
المشروع لم يأت من فراغ، ومشاعر الخوف أيضا لا تأتي إلا بسبب حرص الأهالي على تقديم ما هو نافع لأطفالهم. ولطمأنة الأهالي فإن هناك دراسة تجريبية أجريت في تركيا على "269" طفلا في العام 2000 بينت نتائجها استفادة الأطفال الذين درسوا البرنامج، كانت استفادتهم في المدرسة أفضل أربع مرات من الأطفال الذين درسوا في رياض الأطفال، ومن هنا تراجعت مشاعر الخوف.
وعلى رغم وجود البرنامج في البحرين منذ العام 2000 فإننا نكاد للمرة الأولى نسمع عنه، وهذا ناتج عن التجاهل الإعلامي الذي لم يتح الفرصة ليسمع عنه الناس.
البرنامج أساسا يأخذ شكلين: الشكل الأول تدريب الأم على استخدام برنامج التدريب على الإدراك مع طفلها في المنزل، وهو يكسب طفل ما قبل المدرسة المهارات اللازمة لدخول المدرسة، إذ تزود الأم كل أسبوع بكتب وقصص وكتيبات التطبيق والوسائل التعليمية، على مدى 25 أسبوعا، بواقع حصة واحدة أسبوعيا، يتم التدرب عليها في المركز، مع توفير احتياجات المتدربات بما في ذلك المواصلات مجانا. واختيرت مدرسات مؤهلات وجامعيات لهذا الغرض بهدف الاتصال والتواصل مع الأمهات، إلى جانب فريق يقوم بزيارات ميدانية دوريا إلى المنازل للتأكد من تنفيذ البرنامج والمساعدة في حل المشكلات التي قد تواجهها الأم.
الشكل الآخر، برنامج تثقيف الأم ويستمر 25 أسبوعا، ويتضمن سلسلة نقاشات جماعية أسبوعية، تشرف عليها إحدى المدربات، ويتم التركيز على الموضوعات المتعلقة بنمو الأطفال والصحة والتغذية والتخطيط الأسري والأنشطة الإبداعية المسلية، لزيادة وعي الأم بالنمو الاجتماعي والإدراكي للطفل واحتياجاته الجسدية والنفسية، ما يسهم في نمو شخصيته. وتسمح هذه النوعية من النقاشات للأم بالتحدث وطرح الأسئلة والأفكار عن المواقف الحياتية التي تواجهها مع أطفالها، ما يعني تبادل الأفكار والتشجيع على التعبير والتحدث، وعدم الاستهانة بأي فكرة مهما كانت بسيطة، وبالتالي مزيد من المشاركة والتفاعل والايجابية.
كما يخصص بعض الوقت أسبوعيا للتحدث عن المواضيع المتعلقة بالانتظام والانضباط واحتياجات الأم وتفاعلها مع الطفل والاتصال اللفظي والتعبير عن المشاعر. ويتم تطبيق التمرينات والقصص المعدة للأطفال على الأمهات كنوع من التدريب، وهنا يتضح مدى حرص القائمين على المشروع على أهمية التدريب المباشر الفوري بهدف الإتقان حتى يشعرن بالارتياح حيال انتقال المتدربات إلى المنزل وممارسة تلك التدريبات مع أطفالهن.
البرنامج مليء بالأمور الايجابية التي من المهم تسليط الضوء عليها، رغبة من المتدربات الأخريات اللاتي لم يدخلن في هذه التجربة في دخولها في الأعوام المقبلة. فهناك الكثير من العناوين التربوية المهمة تناقشها المشاركات، من قبيل دور الأم وأهمية السنوات الأولى في حياة الطفل، عملية النمو في السنوات الأولى وتنمية الإدراك وأهمية اللعب، والإصغاء إلى الطفل... وغيرها من الموضوعات الشيقة. يذكر أن البرنامج مطبق في أوروبا للأسر المهجرة التي لا تمتلك دخلا عاليا، كما يطبق في الأردن وتركيا.
لا أخفي عليكم عندما سمعت عن البرنامج في بداية حديث القائمات عليه، تذكرت المثل الصيني الشهير: "لا تعطني سمكة كل يوم بل علمني كيف اصطاد السمك". فالبرنامج قائم على التدخل المباشر لمجموعة من الأسر التي تعاني من ضعف الموارد المالية أو التي تعاني من سوء الأحوال الاقتصادية. ولا أحد يزايد على أن الطفل أهم فرد في الأسرة، ولابد أن يحظى بالاهتمام مهما كان وضعها الاقتصادي.
جاء هذا البرنامج الرائد والمميز لتخفيف العبء عن كاهل الأسرة وتوفير أجواء مهمة للأم والطفل من خلال "التثقيف المنزلي للأسرة"، ولم نقل "التثقيف المنزلي للطفل"، فذلك ربما يحجم من دور الأم، والتي غالبا ما تقوم بعملية تدريس أبنائها، ولاسيما أن هناك الكثير من الأسر لديها من الأبناء الصغار المتقاربين في السن. وفي هذا البرنامج يمكن التأثير على الأم والطفل، وبالأخص في الجوانب الإدراكية والاجتماعية والسلوكية، كما يسهم من خلال التدخل التثقيفي لتحسين مواقف الأمهات تجاه التعليم وتربية الأطفال على المدى البعيد، وخصوصا الأمهات اللاتي لم يحظين بمحصول كاف من التعليم، من خلال استهداف الأسر في البيئة المنزلية وربط التعليم بأهداف تربوية محددة، فضلا عن تسليح الأمهات بالمهارات اللازمة لتعليم ورعاية أطفالهن في المنزل تمهيدا لدخول المدرسة، وخصوصا أن بعض الأطفال يتمتعون بشخصيات قوية تمتنع عن الدراسة إذا قدمت إليهم بأسلوب ممل أو روتيني، والأم غير المدربة قد تفشل في مثل تلك الأمور، فتصب جام غضبها على طفلها الذي يرفض التعلم. وقد يرجع السبب في رفضه إلى أسلوب التعاطي معه، وهذا البرنامج يوفر الأرضية للأم والطفل تحت إشراف متخصصات، إلى جانب كونه مجانيا.
ويتم تقييم أداء المتدربات من خلال الزيارات المنزلية بشكل دوري من خلال استمارات خاصة بالمدرسات وبالأم للوقوف على نقاط الضعف والقوة لتحليل النتائج، ويكون هناك برنامج موحد لتخريج المتدربات في نهاية البرنامج بتاريخ 27 يونيو/ حزيران 2005 في المراكز الأربعة المطبقة للبرنامج، وسيتم توزيع شهادات للأمهات ولأطفالهن.
تجربة البرنامج في البحرين أعطت نتائج ايجابية جدا، وأفضل بكثير من النتائج في الدول الأخرى التي طبقته قبل البحرين، كما أن نسبة الانتظام في مركز السنابس كانت 100 في المئة فلم ينسحب من البرنامج أو يتسرب أي منهن. بل على العكس لدى المشاركات انطباع حسن جدا عن البرنامج والقائمات عليه، وتشعر المعلمات باستفادة كبيرة وبفرحة الانجاز، ويتمنين لو أن هناك متسعا أكبر من فرص التدريب، ربما لرغبة المشاركات ودافعيتهن العالية للانجاز والنجاح.
البرنامج بشكل عام يوفر تثقيفا منزليا للام والطفل بطرق مجدية واقتصادية لتلبية بعض الاحتياجات الاجتماعية والتربوية الضرورية للفئات الأكثر حرمانا. وقد أظهرت الأبحاث في هذا المجال أن برامج التدخل التثقيفي المنزلي القائمة على فرضية النقص أو العجز لا يكتب لها النجاح، إذ ينظر تقليديا تجاه النقص أو العجز لدى الطفل على أنه ناتج عن عيوب أو قصور لدى الأهل، والبرامج التي تركز على مساعدة ودعم أفراد الأسرة في مجتمعهم هي التي تعود بالفائدة عليهم على المدى الطويل.
كل ذلك على مسمع ومرأى من المؤسسة العامة للشباب والرياضة، المظلة الرئيسية لمركز السنابس، ولكن على رغم ذلك يتساوى لديها الحال، فالمراكز التي تعمل والتي لا تعمل كلها "في الهوى سوى"، وليست هناك حاجة ملحة لدعم المراكز التي تحتضن والتي تتبنى البرامج النوعية كمركز السنابس، ولا ندري إلى متى تستمر هذه الحال. والمطلوب من المؤسسات المختصة التواصل الدائم مع أفرع المراكز التابعة لها وتوفير الدعم والمساندة بأنواعها فذلك أضعف الإيمان، فماذا يضر المؤسسة مثلا لو ذهبت في زيارة تفقدية للبرنامج؟ سؤال يحتاج إلى جواب، وإلى مزيد من الاهتمام، فالناس تعمل في الأعمال التطوعية، ولكنها تحتاج إلى تشجيع ولا شيء سوى التشجيع
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1019 - الإثنين 20 يونيو 2005م الموافق 13 جمادى الأولى 1426هـ