حتى الآن يبدو أن كتلة المنبر الوطني الإسلامي الجهة الوحيدة التي صاغت مسودة قانون يكافح العنف الأسري، وقدمته إلى مجلس النواب في أبريل/ نيسان 2005 تمهيدا لسنه. وأشار أحد نوابها إلى "أن ظاهرة العنف الأسري في البحرين ليست مستفحلة كما هو حاصل في معظم الدول العربية، وهي ليست ظاهرة خاصة بمجتمعاتنا وإنما هي مسألة اجتماعية لها وجود في المجتمعات الشرقية والغربية، ويجب التعامل معها باعتبارها جزءا من ظاهرة أعم وأشمل من حدود الأسرة وعلاقاتها". وأضاف "ان حماية المرأة من العنف تأتي استجابة لمبادئ الإسلام الحنيف، وللدستور البحريني ولحماية المنهج الاجتماعي البحريني، لهذا جاء هذا القانون ليغلط العقوبات التي تقع على المعتدين على المرأة...الخ"، ""أخبار الخليج"، 25 أبريل 2004".
نص مشروع القانون تضمن 27 مادة تناولت الأحكام العامة منها في الباب الأول الذي يعرف العنف الأسري وأشكاله، والثاني يعالج الظاهرة ويقترح إنشاء لجنة وطنية لحماية الأسرة من العنف، والثالث يضع مجموعة من التدابير التي ستتخذها اللجنة الوطنية سواء على المستوى التوعوي أو الصحي، وفي الرابع يحدد التدابير الجزائية اللازمة بشأن الأطراف المعنية.
وعلى رغم إيجابية المبادرة الإنسانية الخيرة التي تعد بحق استجابة مسئولة لمعالجة ظاهرة العنف المتفاقمة في البحرين، لاسيما في ظل غياب لأية مشروعات قوانين بديلة تجرم ممارسة العنف والتمييز ضد المرأة، فإن مشروع القانون يبتسر تشخيص الظاهرة وحلولها، كما يغفل عن قضايا خطيرة. وتجليات ذلك بارزة في الآتي:
أولا: النظرة الأحادية لعلاقة الشراكة المجتمعية ما بين الدولة ومؤسسات المجتمع الأهلية، إذ تجاهل القانون دور الجمعيات النسائية ولجنة العريضة النسائية، والشراكة المجتمعية، إذ من الأسلم أن يساهموا بدور تكاملي في اللجنة الوطنية المرجح إشهارها بعد إقرار القانون، مثلما حدث في التجربة المغربية التي أشركت مؤسسات المجتمع المدني الحيوية التي تتعاطى مع قضايا النساء، فالعلاقة التشاركية عنصر مهم في تدعيم أسس تنفيذ برامج اللجنة الوطنية المزمعة لمكافحة العنف الأسري.
الباب الثاني المتعلق بالتأسيس ينص على أن: "يتم تشكيل اللجنة الوطنية لحماية الأسرة من العنف بمرسوم ملكي، والملك يعين رئيس اللجنة، بحسب الاختصاص والخبرة، كما يعين خمسة أشخاص بناء على اقتراح الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وخبيرا اجتماعيا وخبيرا قانونيا". ولأن في ذلك الإجراء رغبة وحرصا على حضور سلطة القرار لضمان التنفيذ، إلا أن آلية تشكيل هذه اللجنة قد جاءت فوقية، ولم تمنح دورا رئيسيا لمؤسسات المجتمع الأهلية، فظاهرة العنف الأسري تحتاج إلى تضامن مجتمعي، وأطراف شركاء ومؤيدين ومناصرين، وإبداع في أساليب التعاطي معها، وعدم التحيز والشفافية والمساءلة والصدقية والالتزام، وهذا ما حدا بمنظمة العفو الدولية ومنذ أطلقت حملتها العام 2004 لمناهضة العنف ضد المرأة، إلى بناء شراكة دائمة مع المنظمات الأهلية والحكومية على حد سواء، تضمن لها تنفيذ البرامج العملية.
ثانيا: تعريف محدود المضمون للعنف الممارس ضد المرأة، إذ تم حصره في أحد أشكال العنف ألا وهو العنف الأسري، الذي عرف في الباب الأول على أنه: "كل عنف يتسبب أو قد يتسبب في إيذاء أو ألم جسدي، أو نفسي للمعتدى عليها يقع في إطار العائلة من قبل أحد أفرادها بما له من سلطة أو ولاية أو علاقة بالمعتدى عليها، ويمكن أن يكون المعتدي الزوج أو الأب أو الأخ أو غيرهم في محيط الأسرة"، وهو غير كاف مقارنة بما جاء في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في العام ،1993 والذي ينص على: "ان العنف ضد النساء هو أي فعل عنيف قائم على الجنس ينجم عنه، أو يحتمل أن ينجم عنه، أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذه الفعل والإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. وهو يتضمن العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في إطار الأسرة والمجتمع وما تقترفه الدولة وتتغاضى عنه حيثما وقع". إذا، القانون يتعامل بشيء من الليونة عند تعريفه للعنف الموجه ضد المرأة بسبب كونها امرأة، على رغم فداحة آثاره التدميرية، وأضراره التي تعكسها حكايات النساء المعنفات والمتضررات.
ثانيا: اقتصاره على معالجة ظاهرة العنف في نطاق الأسرة فقط، من دون الإشارة إلى ما يمارس ضد المرأة في أماكن العمل والأماكن العامة أدى إلى التغاضي عن التشخيص والمعالجة في سياق الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأسباب الكامنة خلفها، من مثل التهميش والفقر والبطالة، وإساءة فهم وتفسير النص الديني، والإدمان والتنشئة الاجتماعية والخيانة الزوجية... إلخ. كما لم يتطرق إلى ضرورة إصلاح القضاء وسن وإنفاذ قوانين لحماية المرأة ومنها قانون أحكام للأسرة وتعديل لوثيقة الزواج. لقد عبر عن قناعته بالتشريعات المعمول بها وضرورة تغليط العقوبات فقط، لذلك لم يشر إلى الاغتصاب في نطاق الأسرة أو المجتمع وخصوصا أن الأخير يمثل شكلا من أشكال العنف الذي يظل طي الكتمان ولا يتم التبليغ عنه، فحالات اغتصاب المحارم المسجلة في المستشفيات والمحاكم، مرتكبوها أشخاص يتحركون في محيط الأسرة، وتصحيح الوضع يستوجب المجاهرة بمعارضة العنف والكشف عن آثاره ومعالجتها واعتباره فضيحة تمس الحقوق الإنسانية، والأهم المساءلة بشأنه.
رابعا: تدابير المادة "15" جاءت متحفظة ومبتورة النص: "تتخذ الحكومة بالتعاون مع اللجنة جميع التدابير المناسبة في مجال المناهج التعليمية، لتعديل السلوك الاجتماعي والثقافي الرامي إلى العنف من الرجل تجاه المرأة، من أجل خلق مواطن صالح ينبذ العنف ويكرس التسامح والعيش الحسن". ولا توجد أية إشارة تلزم بضرورة تغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام، أو تنقيح للمناهج التربوية والتعليمية، فأنماط السلوك الاجتماعي والثقافي الذي يتحدث عنها القانون هي إحدى إفرازات للصور التقليدية السلبية التي يبثها الإعلام يوميا عن المرأة والتي تعزز من المواقف التمييزية المولدة للعنف، وترسخها من خلال المناهج التعليمية والتربوية لدى النشء، إضافة إلى ما يفرزه غياب الرؤية الجندرية لتغيير توزيع الأدوار والعلاقة غير المتوازنة بين الجنسين في المجتمع، بما تتسم به - أي العلاقة - من مظاهر هيمنة وسيطرة من طرف الرجال، وما يستتبعها من تأثيرات سلبية تعكسها ظاهرة تعدد الزوجات أو الخيانة الزوجية أو غيرها من المشكلات التي تشكل مصدرا من مصادر العنف الأسري.
ومع كل هذه المعطيات، يبقى مشروع القانون نقطة مضيئة في البحر المظلم، تسجل للمنبر الوطني الإسلامي، ولا يغيب عن الاعتبار أن ثمة ضرورة للتعامل مع قضية العنف ضد النساء بمنهجية شاملة لتفكيك عناصر الظاهرة وتشخيصها بدقة، وبناء شراكة مجتمعية من مؤسسات أهلية أو رسمية لمعالجتها.
إن أدوار المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية المعنية بتغيير الصورة النمطية للمرأة ونشر مبادئ العدل والمساواة واللاعنف لدى جيل الشباب هي أدوار تتشابك مع بعضها بعضا، فضلا عن أهمية الاستعجال والتيسير في الإجراءات الأمنية والقضائية والتعاطف مع ضحايا العنف، وغربلة المفاهيم السائدة وتنقية الأعراف والتقاليد وإبراز الإيجابي منها، وتشجيع الخطاب الديني المتنور والمتسامح والمدافع عن الحق، وجبر النساء المعنفات ومعالجتهن وتوفير المشورة والمساعدة لهن من خلال مؤسسات رعاية وإرشاد تساعدهن على استعادة توازنهن النفسي. طبعا، لم تعد ظاهرة العنف ضد المرأة أمرا خاصا لا يجوز التدخل فيه، أو من الأمور الاجتماعية التي تحدث ولا مجال إلى تغييرها، بل غدت قضية مجتمعية، وخصوصا أنها الأكثر إيلاما لأنها تحصل للنساء في الأماكن التي يفترض أن يشعرن فيها بالأمان والحماية والاستقرار
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 1007 - الأربعاء 08 يونيو 2005م الموافق 01 جمادى الأولى 1426هـ